أرشيف - غير مصنف

(حول العالم القصصي للدكتور مصطفى عابدين)

بقلم : حسين حرفوش
( ضج مقهى الثورة بدسوق بضحك رواده حين اتخذ سماحة أفندي مكانه مرة أخرى على مقعده المعتاد .. عندما رفع المعلم “زيتونة” فمه من على مبسم الشيشة وهو يقول مبتسما ماذا حدث يا سماحة أفندي ؟ فيجيب سماحة افندي .. “جمال” طرد “نجيب” من البيت !! و عاد رواد مقهى الثورة إلي الضحك فيقول المعلم ” زيتونة ” موضحا : سماحة أفندي له عدة أولاد منهم جمال و نجيب… ثم يتابع و اقسم لو جاءه ولد ثالث لسماه “فاروق” …) وتستمر القصة في إسقاطاتها على الواقع السياسي .. حتى عصر ” أنور ” حفيد سماحة أفندي !!! ..هكذا يقول في قصة ( مسألة بديهية ) .. وهكذا تأتي قصصه بين سياسة الواقع و واقع السياسة … و مشكلات المجتمع و مجتمع المشكلات ..
 
 
 
 
 
وفي قصة ( حنان ) يقول : ( الجو بارد .. السماء مكفهرة .. تنذر بهطول إمطار غزيرة .. الليل يزحف منتصرا على النهار الذي يولي إدباره و كأنه مثلي ) .
 
( قاعة الفندق صاخبة .. الأصوات مرتفعة الموسيقى تدوي فاسمعها هديرا مزعجا رغم ضعف سمعي .. النساء كثيرات كاسيات عاريات .. الشباب ينافسون البنات في الميوعة و الرقص .. الراقصة تذرع المكان كالثعبان و هي حافية الأقدام و المطرب يصرخ يكاد صوته يشق عنان السماء و مكبرات الصوت اللعينة تساعده على ذلك .. كأن الجميع يتآمرون على شيخوختي و يسخرون منها و يذكرونني بضعفي و قله حيلتي ) .. وتستمر القصة لتكشف بعض السلوكيات التي تمثل مشكلة من مشكلات الواقع .. أما واقع المشكلات المتناقض فنراه ظاهرا في التغيير الذي أصاب الكثير من القيم ..ففي قصة ( الرهان الكبير ).. تصبح لذة كسب المال بأي وسيلة حتى ولو بالفهلوة لذة ممتعة ..تتكسر أمامها الحواجز .. حتى يتساوى فيها المدير العام ..والذي يأتي اسمه فيه الكثير من الإيحاء والرمزية لواقع من يتولون الكثير من المناصب ..فهاهو ( طاهر بك ) .. يدخل في رهان مع ( سرحان ) الساعي .. من أجل مائة جنيه .. 
 
 
 
 
 
وهكذا يتحدث إلينا الدكتور مصطفى عابدين شمس الدين في قصصه ناقلا الواقع من خلال عين تمتعت بخيال مؤثر .. في لغة عربية فصيحة سلسة .. إنه طائر لا يمل من التحليق هكذا وصفه الذين أبحروا معي في صحبة مجموعته القصصية ( رجال بلا ملامح ) و هي مجموعة قصصية يتناول فيها الكاتب العديد من مشكلات المجتمع بأسلوب عصري سلس يصل من خلاله إلى نهاية لا يتوقعها القارئ , مما يكسب هذا العمل المزيد من الإثارة و التشويق
و إن أهم ما يلفت النظر في هذه المجموعة هو تنوع الشخصيات التي شملت طبقات المجتمع كلها و عرضت مشاكلها برؤية كاتب له تجربة ثرية في تفسير السلوك النفسي من خلال دراسته الأكاديمية و مشاركته في العديد من الفعاليات والبرامج مثل برنامج ( حكمت المحكمة ) الذي كان يبثه التلفزيون المصري على قناته الثالثة لسنوات عديدة , كذلك خبرته الشخصية باعتباره من المساهمين في المجال التربوي لسنوات طويلة في المجتمع المصري والعربي .. إن شخصيات هذه المجموعة تمثل جيلا شهد العديد من التغيرات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية على سلم من الانتصارات و الانكسارات وتعكس الكثير من أسرار حياة شخصيات تمثل تلك الحقبة و لقد عاشت آلام الانكسار و آمال الانتصار و بين تلك الآلام و الآمال وقعت في حالة من اليأس بسبب تغيرات فرضتها عليها أحوال مجتمع عربي عاش حالة السلم و حالة الحرب فجاءت في معظم أحوالها بلا ملامح و أنا إذ أقدم تلك المجموعة القصصية ( رجال بلا ملامح ) للأديب الدكتور مصطفى عابدين شمس الدين أدعو السادة النقاد إلى قراءة هذا الرجل الذي قدم للمكتبة العربية الكثير من الزاد الأدبي المتمثل في عدة مجموعات قصصية و التي أصدرتها جميعا ( دار نهضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع ) منها على سبيل المثال لا الحصر روايات ( شاهدة الإثبات – وكر الشيطان – الحمام الزاجل – الرجل الكبير – جريمة الأستوديو – ملك الجن الأحمر” ولقد أعادت طبعها وزارة الثقافة من خلال مكتبة الأسرة “ – أصابع الاتهام ) و من القصص القصيرة مجموعة ( رجال بلا ملامح ) و من السلاسل المصورة للأطفال ( سلسلة قصص حكاية قبل النوم – الروابي الخضراء – الكنوز الخضراء ) بقى أن نعرف أن للدكتور مصطفى عابدين شمس الدين عدة مجموعات قصصية تحت الطبع و هو عضو اتحاد كتاب مصر و نادي القصة و رابطة الأدب الحديث و جمعية الأدباء و قد اشرف على الصفحة الأدبية في جريدة رأي الشعب الأسبوعية التي كانت تصدرها دار الشعب و له عدة مقالات في جريدة صوت الأمة و جريدة الحياة و شارك في عدة برامج تلفزيونية متخصصة في التلفزيون المصري و القطري وهو مترجم من اللغة الانجليزية و إليها .وأنا إذ أقدم إطلالة موجزة عن العالم القصصي للدكتور مصطفى عابدين ..أدعو السادة النقاد إلى قراء جادة لأدب هذا الرجل وأمثاله الذين أثروا المكتبة العربية في صمت بأدب يحمل من القيم ما يحتاجه المجتمع في مرحلته الحرجة الراهنة .
 
 
 
حسين حرفوش
 
كاتب وشاعر مصري

زر الذهاب إلى الأعلى