أرشيف - غير مصنف

إسرائيل فشلت فى الحرب كما فشلت فى السلام

دكتور ناجى صادق شراب
على الرغم من قيام إسرائيل كدولة ومرور أكثر من ستين عاما على قيامها ، إلا إنها ما زالت الدولة الوحيدة فى العالم التى تتأرجح ما بين خيارات الحرب وخيارات السلام ، وإن كانت تعطى لخيار الحرب والقوة ألأولية على ما دونه من خيارات ، وتسخر كل قدراتها ومواردها المادية والبشرية للتسلح ، فموازنة الدفاع تستحوذ على ما لا يقل عن عشرين فى المائة من ميزانيتها ، هذا بالإضافة إلى الدعم العسكرى ألأمريكى اللامحدود للحفاظ على التفوق النوعى لإسرائيل على الدول العربية .فعلى مدار الستين عاما شهدت المنطقة ستة حروب شامله ،إلى جانب عدد من الحروب المحدوده ، والمواجهة العسكرية المستمره مع الفلسطينيين . وفى كل هذه الحروب كانت إسرائيل الطرف الرئيس المباشر فيها . ولعل إسرائيل النموذج الوحيد فى العالم أيضا الذى يعيش على الحرب أكثر مما يعيش على السلام وألأمن ، معتمده فى ذلك على تحالفاتها الدولية وخصوصا علاقة التحالف الإستراتيجى مع الولايات المتحده التى تضمن بموجبها الولايات المتحده أمن وبقاء إسرائيل ، ولا شك أن هذا القانون يتنافى مع طبيعة القوانين التى تضمن للدول البقاء وألإستمرا ر ولا توجد دولة فى التاريخ يمكن ان تعيش إلى ما لا نهاية على قانون الحرب والقوة ، فلقد أثبت التاريخ ان الدول العسكرية ودول القوة سرعان ما تتراجع وتفقد القدرة على البقاء ، لأن التحالفات الخارجية لا يوجد ما يضمن أن تظل باقيه ، وهذا ما ينبغى على القيادة فى إسرائيل أن تستوعبه وتتفهمه ، بقائها مشروط بقبولها فى المحيط الإقليمى الذى توجد فيه ، ومن هنا ـتأتى أهمية المبادرة العربية التى تمنح إسرائيل مقومات البقاء والتفاعل والإستمراية فى ظل خيار السلام وليس خيار الحرب .وهذا ما يفسر لنا معادلة الحرب والسلام التى تحكم السلوك السياسى الإسرائيلى ، فإسرائيل تعوض علاقاتها بالدول العربية أو بالمحيط العربى المجاور من خلال شبكة من العلاقات مع المحيط الخارجى وبالذات الدول المسيطرة والمؤثرة فى صناعة القرار الدولى ن من ناحية والمؤثره فى القرار العربى . والسؤال هنا : هل حققت هذه الحروب السلام وألأمن الذى تريد ه والسؤال أولا لماذا هذه الحروب وما هى أهدافها ؟ ولماذا فشلت إسرائيل فى خيار السلام ؟ وهل تريد إسرائيل الحرب فقط أم تريد الحرب من أجل فرض سلام القوة الذى تريد فرضه ؟ وهل تريد السلام وألأمن فعلا ؟ الإجابة على هذه التساؤلات تعيدنا إلى السنوات ألأولى لقيام إسرائيل وصولا إلى الوقت الحاضر الحاضر . وإبتداء ينبغى التاكيد على أن إسرائيل قامت نتيجة موازين قوى إقليمية ودولية عملت دائما لصالحها ، وثانيا إسرائيل نتاج عامل قوة وحرب . هذاوالحرب والقوة لعبت وظيفة أساسية فى قيامها ، وهذا القول ينطبق على كل الحروب التى خاضتها إسرائيل : فحرب إل 48حرب النشأة والتأسيس ، فهى لم تكتفى بقرار ألأمم المتحدةرقم181كاساس لقيامها ، بل دخلت تلك الحرب لتؤسس دولتها بالقوة المسلحة وتضم أراض خصصت للدولة الفلسطينية ، ودخلت حرب 56 مع فرنسا وبريطانيا للتضرب قوة مصر العسكرية فى مهدها ، ولتؤكد وجودها دكولة قوة أحادية فى المنطقة ، اما حرب 67 فكانت حربا من أجل التوسع والتمدد ألإقليمى فى ألأراضى المصرية والسورية ولتهدف من ورائها للمحافظة على موازين القوى لصالحها , ودخلت حرب 73 لتحافظ على ما إكتسبته فى حرب67 ، لكن إنتصار القوات المصرية فرض معطيات جديده للقوة قادت فى النهاية إلى إنسحابها من كل سيناء وتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ، لكنه بقى سلاما باردا ، ودخلت حرب 82 و2007 2006 لتحتوى قوة حزب الله وسوريا ، وهذه الحروب تأتى بعد التغير فى موازين القوى التى تشهدها المنطقة وخصوصا بعد القدرات النووية ألإيرانية ، وظهور تحالفات جديده ، وما زال سيناريو الحرب على إيران قائما وقويا لأن إمتلاك إيران للقوة النووية يتعارض مع ألأسس والمبادئ التى قامت عليها إسرائيل وهو عامل القوة أو عامل الدولة ألأقوى والتى لا يسمح لغيرها أن تملك من القوة ما يهدد تفوقها وهيمنتها تثبيتا لهدف السلام بالقوة وليس السلام بالحقوق . ويبقى التساؤل قائما هل حققت هذه الحروب لإسرائيل السلام وألأمن والإستقرار ؟ وألإجابة بالنفى ، فالعبرة بالحروب بنتائجها ، وليس بالتمسك بالأراضى التى ما زالت تحتلها فى الجولان ولبنان والأراضى الفلسطينى ، فهذا الإحتلال لم يحقق لها السلام ، بل يشكل عبئا متزايدا ، وتكلفته البشرية والمادية أكبر من قدرة إسرائيل على تحمله ، وهكذا فإن إسرائيل قد فشلت فى كل حروبها ، والسؤال أين إسرائيل من السلام الذى بدات ملامحه تظهر مع ألإدارة ألأمريكية الجديده ، ومع المبادرة العربية التى ما زالت مطروحه كفرصة أخيره ليس فقط للفلسطينيين بل لإسرائيل نفسها ، وإذا إستمرت إسرائيل تحكمها القوة العسكرية ومبادئ التفوق والهيمنة ، فستكون هى الخاسر الأكبر من ضياع فرصة السلام الممكنه الأن ، وبهذا السلام ستجد إسرائيل نفسها كدولة مقبوله كدول المنطقة دون تهديد لتبحث عن خيارات اخرى للتعاون والتعايش المتبادل ، والمحك الرئيس لهذا السلام هو بقبول قيام دولة فلسطينية حقيقية على ألأرض ، قد تقود فى النهاية إلى خيارات اكثر نفعا فى علاقة هذه الدولة بإسرائيل .
دكتور ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه

زر الذهاب إلى الأعلى