أرشيف - غير مصنف

عمر سليمان.. هل يكون الرئيس المصري المقبل؟!

 يعاني الرئيس الحالي حسني مبارك متاعب صحّيّة ونفسيّة وأيضاً متاعب الشيخوخة، والوضع في قمّة الهرم على كف عفريت، كما وصفه بعض المراقبين المحلّيّين والأجانب، فهناك احتمال تحدّثت عنه أخيراً بعض الصحف المصرية المستقلّة، وهو انسحاب مبارك من المشهد تماماً لدواعٍ صحّيّة. وهناك الحديث الذي لا يتوقف عن توريث السلطة لإبنه جمال. لكن ترجيح تولّي اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، والذي يتولّى منذ سنوات أخطر الملفّات السياسية الإقليميّة والعربية والأمنيّة، يعود الى الواجهة عند من يتنبّأون بأنه الرئيس المقبل خلفاً لمبارك، حيث أنهم يبنون توقّعاتهم وتأكيداتهم على عدد من الأسس والركائز:
 
أولها: تأييد المؤسّسة العسكرية لشخصه ولقدرته على التحوّل الى المظهر المدني المناسب لقيادة مصر.
 
ثانيها: إشارات واضحة صدرت عن الادارة الأميركية الحالية والسابقة، تعبّر عن احترامها وتقديرها للرجل، وتحيّيه على جهوده في مساندة مخطّطاتها لمحاربة الارهاب.
 
ثالثها: إن هناك اتجاهاً سائداً لدى الرأي العام المصري يميل إلى أن يتولّى عمر سليمان السلطة تقديراً للعسكريّة المصرية، وأيضاً لكونه قد تمرّس على العمل السياسي الدولي.
 
رابعها: لأنه يتمتّع بالجدّيّة والكاريزما الشخصيّة والحزم، وبصفة مهمّة جدّاً في المرحلة الحالية هي النظافة وعدم التوّرط في أي أعمال فيها شبهة للفساد واستغلال النفوذ، ولا لمجاراة رجال الأعمال الذين استولوا على الثروة واستفحلت حالات فسادهم.
 
وليس معنى ذلك أن الرجل يتمتّع بثقة كاملة من الجميع، فرجال الأعمال يفضّلون أن يكون جمال مبارك الرئيس المقبل، حتى يتيسّر لهم الاستمرار في سياسات نهب مصر.. ويعتقدون أن تولّي سدّة الرئاسة رجل صعيدي من جنوب مصر، إضافة الى أنه عسكري صارم وجادّ وقوي، ليس في مصلحتهم.
 
 
 
استطلاعات وتوقّعات
 
وظهرت في الفترة الأخيرة مواقع إلكترونية على الإنترنت ومدوّنات تدعو الى اختيار عمر سليمان رئيساً وتسانده، حتى أن موقعاً أطلق شعار «لا جمال ولا الإخوان.. عايزين عمر سليمان». وهذا الموقع أجرى استطلاعاً للرأي حول الشخصيّة التي يفضّلها الناس في مصر لخلافة حسني مبارك، فجاء عمر سليمان مؤيّداً بأصوات ١٢ مليون مصري ومصريّة، بينما حصل إبن الرئيس على آلاف عدّة فقط من الأصوات.
 
وكانت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأميركية أول من اختار اللواء سليمان رئيس المخابرات المصرية لمنصب رئيس الجمهورية، وقالت منذ عام إنه الرئيس المقبل لمصر.
 
أما «دايلي تلغراف» البريطانية فكتب محلّلها السياسي ديفيد بلير تقريراً بعنوان «عمر سليمان رجل الظلّ الذي قد يبزغ كزعيم لمصر» توقّع فيه تولّيه منصب الرئاسة خلفاً لمبارك. وجاء فيه أن علاقة وثيقة خاصّة توطّدت بين مبارك وسليمان، عندما تعرّض الرئيس المصري لمحاولة اغتيال في أثيوبيا، حيث تعرّضت سيارة الرئيس لوابل من الطلقات النارية في أديس أبابا في العام ١٩٩٥، ونجا من المحاولة بفضل عمر سليمان الذي كان قد صمّم على نقل سيارة الرئيس المصفّحة من مصر الى أثيوبيا، وكان راكباً بجواره وقت الهجوم عليه عندما فتح مسلّحون إسلاميون النار على الموكب.
 
هذا الموقف جعل مبارك يقرّب سليمان منه بشدّة، وقام عمر سليمان بهجوم مشدّد على الإسلاميين منذ ذلك الوقت، ونجح في النيل منهم الى حد كبير، حتى أنه لم يعد هناك موطئ قدم لتنظيم القاعدة في مصر.
 
 
 
مرشّح منذ سنوات
 
ولد عمر سليمان في العام ١٩٣٦ في قنا في صعيد مصر، والتحق بالكلّيّة الحربية في العام ١٩٥٤، وشارك في حرب ١٩٧٦ وحرب ١٩٧٣، ونقل بعد ذلك الى المخابرات العسكرية التي أصبح مديراً لها في العام ١٩٩١، ثم شغل منصب رئيس المخابرات العامة في العام ١٩٩٣، ويتمتّع بالاضافة الى ذلك بمنصب وزير في مجلس الوزراء، وهو منصب لم يتمتّع به أي من سابقيه في رئاسة المخابرات العامة المصرية.
 
ويقول وائل عبد الفتّاح الكاتب السياسي في جريدة «الدستور» المصرية المستقلّة، إن عمر سليمان هو أهم رجل في مصر الآن، هو الحاكم السرّيّ. وبحسب خبراء بما يدور في قصر الرئاسة، فإنهم يشيرون الى أنه وخمسة من رجاله المختارين يشكّلون مجلس الحكم الذي يدير البلاد ويتخذ القرارات المهمّة والمصيرية، وهو أول من يقابلهم مبارك وآخر من يتشاور معهم قبل خلوده الى النوم.
 
وعندما وقّع عمر سليمان كشاهد على عقد زواج جمال مبارك، كان ذلك إشارة الى أنه «شخص من العائلة» أو تأمن له العائلة. وهكذا عادت بقوّة سيناريوات ترشّحه لخلافة مبارك. هذه المرة هناك تفاصيل جديدة كاشفة لطبيعة النظام السياسي في مصر، إذ إن التفاصيل الأولى في كواليس قريبة جدّاً من السلطة، تؤكّد أن عمر سليمان كان قد حلف اليمين منذ العام ٢٠٠٣ باعتباره مرشّح المؤسّسة العسكرية التي ينتظر الجميع في مصر أن تتولّى ضبط الأمور في اللحظة الحاسمة في حالة غياب الرئيس المفاجئ، وبالاضافة الى اليمين السرّيّة، فإن عمر سليمان ـ بحسب هذا السيناريو ـ أقسم على حماية عائلة مبارك من الانتقام السياسي، أو الرغبة في محاكمتها جنائيّاً.
 
يضيف وائل عبد الفتاح أن سيناريوات كهذه تقال بحذر شديد في أوساط النخبة الحاكمة، وتعني أن لدى المؤسّسة العسكرية خطّة لتأمين مصر، وأن مؤسّسة العائلة الحاكمة وصلت الى حلّ سحري لعدم المساس بها بعد رحيل الرئيس الأب.
 
 
 
الرجل الغامض
 
رغم تصاعد الحديث عن هذا الرجل كأبرز إسم متوقّع للفوز بالمنصب الذي يحتلّه حسني مبارك منذ ٢٨ عاماً، إلا أنه يظلّ رجلاً غامضاً.. وفيما عدا المهامّ التي قام بها في السنوات الأخيرة على مسرح السياسة المصرية الإقليمية، هناك ملفّات وقضايا حسّاسة مثل إسرائيل وفلسطين ولبنان والسودان وليبيا، والمفاوضات بين الأطراف المتصارعة، واليمن والسعودية.
 
فهو رجل قليل الكلام لا يحب الظهور في وسائل الاعلام، وهو شخصية تتجنّب لفت الاهتمام العام، ولم يتداول اسمه إلا في العام ٢٠٠٠، ونادراً ما تجد شيئاً مكتوباً عنه في الصحف المصرية، ولذا فإن عمر سليمان له حضور أكبر في وسائل الاعلام الغربية، ليس بشخصه، ولكن بالتقارير التي تكتب عنه في صحف مثل «دايلي تلغراف» اللندنية و«لوس أنجلوس تايمز» الأميركية و«هآرتز» الإسرائيلية.. وغيرها من الصحف، مما يؤكّد أهميّته على الساحة الدولية.
 
 
 
رجل المفاوضات
 
وأشار تقرير ديفيد بلير في «التلغراف» الى التقدير الذي يحظى به الرجل في الغرب لحضوره اتفاقيّات وقف إطلاق النار في غزة والسودان وفي لبنان.. ومحاربته الجماعات الإسلامية في مصر، وكذلك لعلاقته المتطوّرة بالغرب، وخصوصاً بريطانيا.
 
ورأى التقرير أن عمر سليمان قد يكون الأقدر على إعادة مصر الى موقعها على الخارطة كقوّة عربية، في ظلّ التراجع الحادّ لدورها الإقليمي أمام التحدّيات الكبيرة في المنطقة، ومنافسة دول إقليمية يحظى أغلبها بقيادات شابّة.
 
وعلى العكس من ذلك، أكد تقرير أعدّه مجلس الاستخبارات الأميركي تراجع دور مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة لثلاثة أسباب: أولها شيخوخة الرئيس حسني مبارك، وثانيها عدم تمتّع مصر بأي مزايا تنافسيّة مقارنة بباقي الدول المحورية في المنطقة، وثالثها ضياع القاهرة بين تيّارات سياسية إقليمية متضاربة سحبت المنطقة من تحت نفوذها، لافتقارها الى أي مخطّط سياسي أو اقتصادي جذّاب.
 
ويضيف التقرير أن ليس هناك حول الرئيس مبارك أو في حكومته، بما في ذلك جمال مبارك وعمر سليمان، شخص يحلّ محلّه في إدارة العلاقات الإقليمية.
 
ورأى التقرير أن سليمان هو المفضّل لخلافة مبارك في مرحلة انتقالية، حتى يكون جمال مبارك تهيّأ خلالها لتولّي مقاليد الحكم.
 
ويبقى أن المقرّبين من عمر سليمان يقولون إنه ليست لديه طموحات شخصية لأن يكون البديل الذي يخلف الرئيس مبارك، لكن الجميع يتّفقون على أن مصر في هذه اللحظة التي يراها كثيرون فاصلة في تاريخها، بحاجة الى رجل قوي من طراز عمر سليمان
 
«المشاهد السياسي» ـ القاهرة 

زر الذهاب إلى الأعلى