ماذا تريد سوريا من لبنان وما الذي يريده اللبنانيون من سوريا ؟

بقلم  خضر عواركة

منذ تسعة وثمانين عاما واللبنانيون متفرقون تائهون لا يعرفون ما الذي يريدونه لبلدهم مع سوريا ولا يعرفون ما الذي يريدونه لبلدهم  بعيدا عن سوريا.  إعترفت بهم سوريا دولة مستقلة ولكنهم في أعماقهم لا يعترفون بأنفسهم لذا ترى نزق بعضهم  فاضحا في تلطيهم خلف أول سفارة أجنبية معلنين تمسكهم بالإستقلال والسيادة !
تراهم يعادون سوريا  ثم يلجأون إليها لطلب المساعدة فيما يختص بأدق تفاصيل الحياة السياسية لبلدهم . كانت لبعض الحكومات السورية مواقف  قبل العام 1970 تشي  بأن سوريا أيضا لم تكن تعرف ما الذي تريده من لبنان  .
ولكن التعامل السوري مع موضوع العلاقة بلبنان لم يكن يوما أكثر وضوحا وتحديدا مما هو عليه اليوم  وبقرار مباشر من الرئيس بشار الأسد الذي أعلن أكثر من مرة بأن ما يجمع عليه اللبنانيون ستوافق عليه سوريا حتى وإن تعلق الأمر  بإلغاء كافة المعاهدات والإتفاقات التي تربط البلدين .
 وقد ظهر القرار السوري الواضح بالإبتعاد عن التدخل في الشؤون اللبنانية خلال الإنتخابات اللبنانية الأخيرة،  فهل إستغل  اللبنانيون الفرصة لبناء علاقة نموذجية وندية مع سوريا  ؟
  الدول السيادية  لا تتصرف إلا وفقا لما تمليه عليها مصلحتها لا مصلحة هذه الجهة الإقليمية  أو تلك الجهة الدولية ،  و سوريا دولة  يتصرف قادتها بمسؤولية تامة فيما يتعلق بمصالحهم فهل  نحن في لبنان عاملون على تأمين مصالحنا مع سوريا ؟ 
  التعامل السوري مع دولتنا الموبوءة بالحيرة والضياع بعد العام 2005 إتسم بالرغبة في عدم التورط مجددا في تفاصيل العلاقات اللبنانية اللبنانية ، فهل لجوء البعض وقبوله بطروحات دولية تحاول  استدراج سوريا  لتكون طرفا في اللعبة الداخلية اللبنانية  هو التعبير  المناسب  عن نوعية العلاقة الندية التي يريدها  السياديون ” الحماديون “  بين الدولتين ؟ 
لمرحلة الوجود السوري في لبنان شجون وشؤون ينبغي التطرق إليها بتفاصيلها لأخذ العبر وهو أمر بدأته سوريا لا لبنان من خلال مؤتمر العلاقات اللبنانية السورية الذي عقد في دمشق شتاء هذا العام بمبادرة من شخصيات سورية ولبنانية وبرعاية سورية عليا ولم يأتي الرد اللبناني على هذا المؤتمر على قدر الخطوة  السورية الغير مسبوقة والمرعية من أعلى سلطات البلاد . 
خرج السوريون من لبنان فهل تاب اللبنانيون عن عادة الإستزلام للخارج ؟ هل توقف الطاقم السياسي اللبناني في شقه الثوروي ” الحمادي ” ( لأسباب لا علاقة لها بالثورة ولا بالثوار)  عن إستدراج الخارج للتدخل في كافة الشؤون اللبنانية ؟ 
أربع  سنوات من عمر الشعب اللبناني مرت وسواد الحرائق التي إفتعلها السياديون على الطريقة الحمادية (نسبة لمروان حمادة) يغطي العلاقة اللبنانية السورية فما الذي حققه للبنان هؤلاء المستزلمون للخارج ؟
“  السيادة والإستقلال “  تحولت معهم إلى صورة من  أبشع صور الإستعمار القديم من خلال رعاية مباشرة وعلنية يقدمها لهم سفراء ونواب رؤساء ووزراء أجانب ، وهي رعاية – فضيحة- تشكل صك إدانة   للسياديون الحماديون  الذين  لا يملكون من أمرهم شيئا بل أن كل أمورهم هي  بيد بلاد وأنظمة تدير حركتهم السياسية وفقا لأجندتها الخاصة  . فهل ستثق سوريا بعلاقة  ندية معنا  ونحن أزلام لآخرين ولا نملك السيادة على قراراتنا الشخصية ؟
 بلغ حب الوصاية الخارجية في نفوس بعض   اللبنانيين حد لجوء الكثيرين منهم خلال الفترة الماضية إلى
 ” العزيز جيفري”   لكي يمنع تحرك سياسي معين لشخصية يعتبرونها هم أنها أكبر زعاماتهم . إذا كانت قوى لبنانية بعينها تعتبر أنها إنتصرت في الإنتخابات لا تتورع عن اللجوء إلى موظف أميركي ليوافق أو ليمنع تحرك سياسي داخلي  لرئيس أكبر كتلة برلمانية منتخبة في لبنان فمن هو المسؤول السوري الذي سيثق بالعلاقة الندية مع لبنان ؟
في عواصم أخرى غير بيروت يجري تشكيل الحكومة اللبنانية، أما في العاصمة اللبنانية  فأكثر المباحثات المتعلقة بتأليف الحكومة أهمية تجري  في السفارات الغربية وفي بعض السفارات  العربية ، وأحد الوزراء وخلافا لرأي زعيم  كتلته النيابية  ” شطح “  عن الجو العام للتهدئة وأعلن  بلسان أميركي رفضه لمقولات الإنفتاح على آلاخر  في الموضوع الحكومي  (المعارضة )  وأعلن عن رفضه التهدئة في العلاقة مع الآخر خارجيا (أي مع  سوريا )،  في وقت يقدم زعيمه ورود المحبة بالكلمات إلى المعارضة وإلى سوريا ، فمن نصدق ؟ الوزير الذي شطح ، أم الزعيم الذي تغير ولم يغير من هم حوله ؟ 
هل هذه الأطراف السياسية مؤهلة للتعامل الندي مع سوريا؟  وهل هذه الأطراف مصدر ثقة للسوريين لكي يتحاوروا معهم على أساس من الندية المتقابلة ؟
بعد أربع سنوات من بداية الحكم المناويء لسوريا في لبنان ما الذي تحقق من السيادة والإستقلال ؟ ولماذا يعود السياديون الحماديون اليوم لطلب التدخل السوري لمصلحتهم ؟ اليس في هذا الأمر إنتقاص من سيادة  لبنان ؟
 الناظر إلى ما يجري اليوم على الساحة السياسية اللبنانية يكفر بهذا البلد وبالطاقم السياسي الذي يدير هذا البلد ،  لأن الإرتهان والخضوع لرغبات الخارجيين زاد وتجذر حتى على صعيد القبول الشعبي به،  بل إن بعض الفئات تتفاخر به بوصفه مؤشر على عظمة لبنان ! 
وعود على بدء العلاقة اللبنانية السورية نسأل :
ما الذي تغير منذ الخروج السوري حتى يصبح الغزل بسوريا هو المأدبة الصباحية والمسائية لبعض الحاكمين المحكومين من غيرهم ؟
لا زالت سوريا هي سوريا ولكن هم من غيرتهم القناعات الدولية والإقليمية بوجوب الإنفتاح على سوريا . وللآسف فإن المحاسبة في لبنان غائبة ولا  يمكن لأي كان   أن يحقق العدالة لشعب لا يحاسب من يسيئون إلى مصالحه اليومية.
بعض اللبنانيين خصوصا من الطامحين الجدد للتموضع في الحضن السوري (إضافة إلى تموضعهم الأبدي في أحضان الآخرين) لم يفهم المعادلة السورية في التعامل مع لبنان بعد :
سوريا غير معنية بألاعيب ” أطفال المعجزة “  اللبنانيين ممن يلجأون ” لعمو” الدولي أو الإقليمي لتأمين مصالحهم الداخلية في لبنان .
سوريا معنية بما يفيد مصالح شعبها والشعب اللبناني وهي ستوافق على ما يتوافق عليه اللبنانيون جميعا فيما يختص بالمواضيع الخلافية بين الدولتين .
سوريا غير معنية بتفاصيل الوضع في لبنان إلا بمقدار ما يعنيه حسن الجوار وحسن العلاقة بين شعبين أحدهما أعطى الكهرباء للآخر حتى يتم الله على الناخبين إنتخاباتهم (في نفس اللحظة التي كان فيها البعض يتطاول على سوريا  ) .
سوريا معنية بلبنان كدولة وكشعب   وكمقاومة  من منظور إستراتيجي يضمن عدم تحول  لبنان إلى منطقة أوبئة أمنية وإستخبارية ضدها (كما ضد الشعب اللبناني وهو ما حصل حين سمحت قوى معينة في لبنان للإرهابيين ولأجهزة دولية بالعمل ضد سوريا إنطلاقا من لبنان ) 
في مقابل هذه السياسة الواضحة من سوريا تجاه لبنان بعد خروج الجيش السوري منه ، هل يعرف اللبنانيون ماذا يريدون من سوريا ؟
بعض الموتورين لا يزالون يصرون على التعدي على مصالح الشعب اللبناني بإعلان عدائهم لسوريا وأحدهم للأسف في موقع روحي  يصر على أن  ” لا بديل عن العداء الأبدي لسوريا ولو طارت العنزة ” . هؤلاء لو قالوا ما قالوه بحق السوريين  لدولة آخرى لدفع اللبنانيون ثمنا باهظا  ومع ذلك :
بقي لبنان هو الوجهة الأولى للسوريين الراغبين في السياحة الخارجية .
بقي اللبنانيون هم الأكثر وجودا في المراكز العليا في القطاع المصرفي السوري الخاص .
بقي اللبنانيون هم الأكثر وجودا من بين المدراء والخبراء في شؤون الإتصالات وفي مراكز هامة في قطاع الإتصالات السوري الخاص.
بقي اللبنانيون هم الأكثر إستفادة (دون أن يدفعوا قرشا)  من الطفرة  الإستهلاكية والإستثمارية السورية .
بقي اللبنانيون هم الأكثر  تلقيا للترحيب في الربوع السورية شعبيا ورسميا .
 سوريا أعلنت تكرارا ومرارا بأنها على إستعداد لفتح صفحة جديدة في كتاب العلاقة بين دولتين وشعبين شقيقين لهما مصلحة مشتركة في التعاون في المجالات الإقتصادية والتنموية وفي مجال المواصلات والإتصالات والسياحة  فهل نحن في لبنان حاضرون لملاقاة الطرف السوري في رغباته تلك ؟
المصلحة لا العاطفة هي من تقرر نوع العلاقة وشكلها بين الدول فهل في لبنان من يعرف مصلحة شعبه ويعمل من أجلها؟

Exit mobile version