بلاغ للنائب العام… أطباء للمحاكمة

للكاتب/ عبدالحليم أبوحجّاج
أن تكون موظفاً وتقبض راتباً شهرياً نظير خدمات تقدمها للمواطنين، فهذا حقك.
     أن تنشئ شركة تجارية أو تقيم مؤسسة خدماتية وتقبض أجراً أو ربحاً من وراء عملك ، فهذا حقك.
     أن تكون طبيبياً معالجاً أو جرّاحاً ، ولك عيادة خاصة أو مركز طبي تخصصي تمارس فيهما عملك نظير مال يدفعه المواطنون، فهذا حقك ما دام العمل مشروعاً والكسب حلالاً حسب ما يحدّده القانون ووفق ما ينص عليه دستور المهنة.
    ولكن ، أن تكون طبيباً معالجاً أو جراحاً ، وأنت موظف حكومي رسمي  تزاول مهنة الطب في إحدى المستشفيات الحكومية وتقبض راتباً شهرياً من الحكومة، حينئذ فليس من حقك أن تستخدم المؤسسات الطبية الحكومية التابعة لوزارة الصحة لنفعك الخاص من خلال عملك في عيادتك الخاصة.                                                 
     إذ ينتهك بعض الأطباء القانون العام ويتجاوزون قانون المهنة بسلوكيات غير منضبطة ، ومتجردة من وازع الدين والضمير والأخلاق، كأن يحيل الطبيب مريضه من عيادته الخاصة إلى هذه المستشفى الحكومية لإجراء عملية جراحية باستخدام غرفة العمليات بكل طواقمها وأدواتها، ويزحزح مدة الانتظار من بضعة شهور إلى بضعة أيام على حساب مريض آخر قد يكون أشد حاجة وأشد فقرًا؛ لأن هذا الطبيب قد سبق له أن فاوض – استغفر الله ، قد فاصل مريضه على أجر العملية ، وقبض منه مئات الدنانير في عيادته وقد يصل الأجر المقبوض إلى ألف دينار وأكثرحسب نوع العمليّة ، مستغلاً منصبه رئيساً لهذا القسم في المستشفى أو منتهزاً صيته الذي أخفق كثيرًا ونجح قليلاً.
    فأين وزارة الصحة؟، وأين دائرة الشئون القانونية فيها؟، بل أين نقابة الأطباء؟، وأين الرقابة الإدارية التي من اختصاصها محاربة الاستغلال العام والمتاجرة غير المشروعة، ومعالجة الفساد الإداري؟.
     هذا بلاغ للسيد النائب العام لرفع الظلم عن المظلومين، وإحقاق الحق للمحقِّين، وتقديم أولئك الانتهازيين الاستغلاليين للقضاء ، ليقول فيهم قولاً يردعهم ويزجر غيرهم إنصافاً للمرضى والمعوزين.
     وإننا نتوجه إلى كل الأطباء وما أكثر الأخيار فيهم، وما أقل الأشرار منهم، نقول لجميعهم اتقوا الله في أعمالكم حين تصبحون وحين تمسون ، واتقوا الله في أبناء شعبكم الذي زادت معاناته وفاضت عذاباته تشتكي إلى الله … فكونوا بهم رحماء وكونوا لهم أوفياء، وإن القناعة كنز لا يفنى…. فزيدوا من أرصدتكم الطيبة في معاملاتكم وسلوكياتكم. ولا تزيدوا في قهر أبناء شعبكم واستغلال ضعفهم بسبب الأمراض التي تستوطن أجسادهم وبلادهم . أين هؤلاء الأطباء الذين حلفوا اليمين القانونية عند تخرّجهم في الجامعة؟… فليبرّوا بقسمهم الذي يلزمهم باحترام المهنة وانتهاج سلوكياتها الإيجابية، والنظر إلى القيمة الإنسانية التي تشكل محور مهنة الطب بجوانبها المهنية والأدبية والأخلاقية، ولا تقصِّروا في عملكم ، ولا تستجيبوا للداعين إلى الإضراب والخراب ، فأنتم رديف لجند الله على الأرض ليل نهار.
     إنه ليحزنني ألاّ يجد المواطن طريقاً لكسب مودة الطبيب ورضاه لإجراء العملية الجراحية وتقريب موعدها في المستشفى الحكومية ، أو للتوقيع بالموافقة على تقرير طبي للعلاج في خارج البلاد ؛ إلا زيارة هذا الطبيب في عيادته الخاصة وتقديم الإتاوة ودفع (البرطيل) التي يطلبها، على الرغم من وجود التأمين الصحي وسريان مفعوله الذي يكفل للمواطن حقه في الانتفاع بالمؤسسات الطبية التابعة لوزارة الصحة بما في ذلك حقه في النوم المجاني وإجراء العملية الجراحية في المستشفى الحكومية وإجراء التحاليل والتصاوير وصرف الأدوية والمتابعة حتى الشفاء التام .
    فلا ترهقوا المرضى بهذه الإتاوات غير المشروعة وقد اشتد عليهم الحصار، واشتعلت نيران الأسعار، وقلت موارد الرزق لديهم، وأغلبهم لا يجد في بيته طبخة عدس، فيضطرون مكرهين إلى أن يستدينوا أو أن يصرفوا ما تبقى بأيدي الزوجات من أساور وخواتم وأقراط لتوفير ثمن العملية للتاجر- الطبيب الذي تعلَّم فنون المساومة من خبرته في شراء البطيخ والبندورة. وقد تنجح العملية وقد تفشل، فلا يعترف بفشله، بل تراه يكابر ويزداد غرورًا. فمن يحاسب الفاشل على إهماله وتقصيره واضمحلال علومه وهبوط مستواه المهني؟! نحن نتمنى على المسئولين في وزارة الصحة ونقابة الأطباء أن ينصفوا الناس ويحموهم من جشع بعض الأطباء وذلك بتحديد تعريفة معقولة لقيمة الكشفية، ومدة للمراجعة لا تقل عن الشهر، فلا يصح أن يُترك الأمر لمزاج الطبيب الذي يخال نفسه وحيداً في اختصاصه، ويرى أنه كلما رفع قيمة الكشفية؛ ازدادت قيمته الفنية والمهنية، وارتفع صيته التجاري. كلا أيها الطبيب المحترم، فليس هذا مقياساً لعلو مكانتك ولا مقياساً لمهارتك . وإني أقترح أن يقوم الأطباء بتخفيض (%50) للطالب المريض أسوة بما تقوم به بعض الدول المجاورة التي تعارفت عليه ولم يشذ ّعنه أحد ، بل وتمنح يوماً من أيام الأسبوع للكشف المجاني صدقة عنهم ، وشعوراً منهم بالإخوة الإنسانيّة والوطنيّة وشفقة ورحمة بالفقراء والمعوزين .
      ونتمنى أن يتخفف الناس من الأثقال المادية التي يدفعها المريض الذي يأتي المستشفى ( العيادة الخارجية ) للعلاج، فيدفع مضطراً ثمن التحاليل التي تصل إلى عشرات الشواقل، ويدفع مُكرهاً (50 ) خمسين شاقلاً عن صورة الأشعة   المقطعية   (C.T)، وقد دخل مستشفى الشفاء همٌّ جديد يُضاف إلى هموم المرضى ، وهو(الرنين المغناطيسي) الذي يتوجب على المريض أن يدفع (150) مئة وخمسين شاقلاً مع وجود التأمين الصحي،ثم ينتظر شهراً فأكثر، وقد يتعطل هذا الجهاز الوحيد شهوراً، والمريض يعاني ويكابد، ولكنها “موضة” العصر والأوان . في حين أن لغة هذا الرنين أعجمية على كثير من أطبائنا في قطاع غزة .
      فما فائدة التامين الصحي إذا كان الدواء في المستوصفات بثمن، والتحاليل بثمن والتصاوير بثمن؟!. وما قيمة المستشفيات العامة إذا تحولّت إلى عيادات خاصة؟، أليس كل هذا إرهاقاً للمواطنين؟. وأنتم أيها السادة، يا أصحاب الأمر والنهي ما بالكم صمّ بكم عميّ عن كل عذابات هذا الشعب الذي تكالبت عليه قوى الشر.؟.. عجيبة يا بلدي!.
    ومن يحمي ويحرس بعض المواد الكاشفة ( Reagent ) باهظة الثمن، كالتي تستخدم في قسم الباثولوجي وفي تحاليل الغدة الدرقية (T3,T4,TSH ) وغيرها التي لا تجدها ، وربما  تجد إحداها مع أن التشخيص يحتاج إلى جميعها لقراءة الحالة ؟. فلماذا لا توجد في مستشفى الشفاء ولا توجد في مركز الرمال الصحي ولا في سائر المستشفيات الأخرى؟. وما تفسير المسئولين لوفرة هذه المواد الكاشفة في مراكز التحاليل الخاصة التي يملكها أو يعمل بها موظفون في أقسام التحاليل  الحكومية وفي مراكزها الصحية ؟. فعلى الرغم من ارتفاع أثمانها فإن المريض مُجبر على دفعها. إنها حقاً ظاهرة غريبة عجيبة تستحق التوقف عندها والمساءلة عنها !!!
     إني أطالب أن يقوم التلفازالفلسطيني باستضافة بعض الأطباء المسئولين الرسميين في الوزارة، والشئون الإدارية بها، ومسئولين من نقابة الأطباء والرقابة الإدارية ؛ لفتح حوار يستمع خلاله إلى شكاوى المواطنين وآرائهم، على أن يجري الحوار بين الرأي والرأي الآخر لترتسم الصورة الواقعية للفساد المهني ، توطئة للقضاء عليه وتخطي مرحلة الظلم الاجتماعي، ومحاكمة كل المتجاوزين وكل المتاجرين برأس المال البشري، على أن يتلو ذلك متابعة دائمة من عين ساهرة لا تنام …..
 
*****
Exit mobile version