أرشيف - غير مصنف

المجتمع السعودي “المسالم” تحت وطأة العنف ..بقلم: حبيب طرابلسي

 

www.saudiwave.com/
ابن يقتل أباه بلا شفقة ولا رحمة، أب ينحر ابنته… وتموت الجدة من هول الفاجعة، سعودي يجرُّ جسد زوجته بسيارته ثم يسويها بالأرض، حتى المعلم والطبيب ورجل “الهيئة” لم يسلموا من الضرب وسفك الدماء. العنف تفشى مثل الفيروس في بيئة كان أساسها الرحمة والتآزر، مما دفع المسؤولين إلى دق ناقوس الخطر.
 
 
 
لا يكاد يمر يوم تخلوا فيه الصحف المحلية من الحوادث المفجعة و التي تحدث لأول مرة بالمملكة، منها ما سماه الدكتور مطلق سعود المطيري “القتل الجماعي للأبناء”. ويذكر من بينها في صحيفة “الرياض” نماذج من العنف الأسري مثل “قتل الأبناء جماعيا رميا بالرصاص” أو “إشعال النار في الأبناء بعد قتل الأم أو تقطيع أو حرق الزوجة” أو “حشر كل الأبناء في بئر قديمة وإهالة التراب عليهم ضمانا لموت بكتم الأنفاس لمن تكتب له النجاة من سقطة البئر”.
 
 
 
و من أبشع ما تحدثت عنه الصحف: مواطن في الحائر(20 كيلومتراً جنوب مدينة الرياض) يجرُّ جسد زوجته المدرسة بسيارته في الشارع قبل أن يباشر بدهسها عدة مرات إلى أن حوّل جسدها إلى أشلاء… على مرأى من الناس في الشارع، و سعودي مدمن على المخدرات ينحر ابنته البالغة من العمر 19 سنة في جدة والتي تقيم مع جدتها بسبب انفصاله عن أمها. ولا يكتفي بطعنها بسكين كان يخفيها في جيبه، بل يقوم بنحرها أمام جدتها التي لم تتحمل هول الصدمة، فتوفيت هي الأخرى بعد ساعة من مقتل الفتاة.
 
 
 
“اضطرابات نفسية”
 
 
 
عادة ما تقول الشرطة أن “التحقيقات الأولية تشير إلى أن الجاني يعاني من اضطرابات نفسية”، كما تذكر الصحف في أغلب حالات القتل، حتى مع سبق الإصرار و الترصد، أو حالات الانتحار، الناجمة في أغلبها عن الضغوط المادية والاجتماعية والإدمان على المخدرات.
 
 
 
واللافت أن حوادث الانتحار، الذي قفزت معدلاتها إلى 185% خلال الفترة من 1994-2006، حسب آخر إحصائية صادرة عن إدارة التخطيط والإحصاء في وزارة الداخلية، تخطت الشباب والفتيات لتشمل الكهول و حتى الأطفال. ففي حادثة وصفت بأنها فريدة، صبي في الـحادية عشرة من عمره ينتحر شنقا ‏في أبريل الماضي في مدينة أبها بمنطقة عسير.‏
 
 
 
لكن “الجاني الحقيقي”، كما تقول الكاتبة ناهد سعيد باشطح في صحيفة “الرياض” هو “نحن، المسؤولون أولا عن تركهم دون علاج أو دون رعاية ورقابة يحتاجونها لئلا يؤذون أنفسهم أو الآخرين”.
 
ولقد أعرب مسؤولون في عدد من مستشفيات الصحة النفسية في السعودية عن قلقهم إزاء تزايد أعداد المرضى في مستشفياتهم، ‏موضحين أن من بين المرضى أطباء وضباط ورجال أعمال.‏
 
 
 
أما الدكتور حمود أبو طالب، فيكتب في “المدينة” تحت عنوان “مجتمع ينهشه العنف”: “إنها قضية معقّدة، تتشابك فيها الجوانب التعليمية والاجتماعية والصحية والثقافية والقانونية والشرعية والاقتصادية وغيرها”.
 
 
 
ويتساءل جميل الذيابي بدوره عن تفسير ل”ظاهرة العنف” التي تفشت بين السعوديين، “الذين يقولون عن أنفسهم أنهم مسالمون، و عطوفون وخجولون، و لا يحبذون المشكلات”.
 
ويضيف الذيابي في “الحياة”: “في أسبوع واحد، صعقت لهول الجرائم الجنائية، خصوصاً ما وقع منها عمداً مع سبق الإصرار والترصد”: شاب يقتل والده طعناً، أب يطعن ابنه، مواطن يدهس وافداً عربياً، شابان يقتلان مدرس، طالبان يقتلان آخر طعناً بسكين، معلم يتعرض إلى ضرب “مبرح” على يد طلاّبه، ممرض يسقط قتيلا بالرصاص في هجوم مسلح على مستشفى و عضو في هيئة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” يتعرض إلى الضرب بالعصا…
 
 
 
“نظام تعليمي فاشل”
 
 
 
في نفس الأسبوع، تطورت مشاجرات جماعية في مدرسة شمال الطائف، واستمرت على مدى أسبوعين، إلى تبادل النيران بـ “الرشاشات” والتناحر بالأسلحة البيضاء الكثيرة الانتشار بين الشباب .
 
 
 
فقد أصبح حمل الأسلحة البيضاء بجميع أشكالها أمرا عاديا، بل يدعو إلى التفاخر، بين الشباب لإثبات رجولتهم، واستخدامها في المشاجرات، واللجوء إليها في حل خلافاتهم، كما بينت صحيفة “الحياة” في تقرير مطول. وغالبا ما تخلف تلك المضاربات جرحى وقتلى.
 
ويتساءل العديد من الأخصائيين والمفكرين عن سبب استفحال العنف في بلد يزخر بثروة نفطية هائلة ومن المفترض أن ينعم بالرخاء والوفرة والرعاية الاجتماعية.
 
 
 
البعض يفسر ذلك الأمر الشاذ والغريب ب”التحولات الاجتماعية السريعة وغير المسبوقة التي تعرض لها المجتمع السعودي”، و البعض الآخر يجد له مبررا في “الضغط النفسي الذي يولده القهر والإحباط بسبب الفقر والبطالة”، والبعض يرى في النظام التعليمي السبب الرئيسي لتفشي ظواهر سلبية في المجتمع كالعنف والتطرف والإرهاب.
 
 
 
 و يعتبر الدكتور علي بن حمد الخشيبان، في مقال صدر في “الرياض” (6 يوليو) أن “غياب قنوات التعبير في المدارس والمنازل والثقافة كلها تؤسس لنمو كتلة من الغضب لدى الشباب”.
 
 
 
ويضيف الخشيبان: “إن الشباب الذين يتميزون بقدر من الثقة بالنفس والقدرة على المحاورة والإقناع مع الآخرين لا نقبلهم لاعتقادنا أن مناقشة الآخرين من الكبار أو المعلمين أو الآباء شكل من تدني مستوى الأدب لدى هؤلاء الشباب”.
 
 
 
وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز قد أعلن في عام 2005 عن مشروع قيمته تسعة مليارات ريال (حوالي 2.4 مليار دولار) لتطوير التعليم.
 
 
 
لكن مدير جامعة اليمامة في الرياض، الدكتور أحمد محمد العيسى، أصدر مؤخرا عن دار الساقي في لبنان، كتابا تحت عنوان “إصلاح التعليم في السعودية: بين غياب الرؤية السياسية، وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية”، يشخص فيه أسباب “فشل مشاريع إصلاح التعليم في المملكة”، حيث يرى الباحث أن “البيئة لم تتطور، والمناهج لم تتحسن، والمعلم لم يعد راضياً ومرضياً عنه”..
 
 
 
ناقوس الخطر … في منابرالمساجد
 
 
 
ويقول أحد الأخصائيين ل”سعوديويف”: “بدون شك، هناك دول كبرى كأميركا وبريطانيا وفرنسا يتفشى فيها العنف أكثر من السعودية، إلا أنه بالمقارنة بين الكثافة السكانية في الدول الغربية والمملكة، يتبين أن العنف في المملكة له هول أضخم ولولا ذلك لما تحول لظاهرة مقلقة دفعت المؤسسات الدينية للحديث عنها”.
 
 
 
ويضيف أخصائي الذي طلب عدم ذكر اسمه: “ثم أن مستوى العنف يتنامى بسرعة فائقة تكاد تعكس عدم ثقة المواطن بكل مؤسسات الدولة، حتى التعليمية منها”.
 
 
 
أمام استفحال ما بات يسمى ب”ظاهرة العنف”، كشف وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، يوم الأحد الماضي عن توجيهات بلغ بها جميع الخطباء لتناول مواضيع العنف الأسري، مؤكدا على أن “المسجد منبر من منابر الحوار المهمة”.
 
 
 
لذلك أكد مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية الأخيرة برئاسة العاهل السعودي على أن “يتكاتف جميع المثقفين والكتاب وأهل الفكر والإعلاميين لنشر ثقافة الحوار البناء” و نوه في هذا الإطار بعقد ملتقى المدربين المعتمدين لنشر ثقافة الحوار الذي ينظمه “مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني”.
 
 
 
http://www.saudiwave.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1443:–qq—-&catid=50:2008-12-02-08-52-24&Itemid=115

زر الذهاب إلى الأعلى