أرشيف - غير مصنف
( بيدي…. لا بيد عمرو )
بقلم حسين حرفوش
منذ سنوات قليلة كانت تعاني الفقر الى درجة الفاقة ، و تعاني الجهل الى درجة الخرافة ، و تعاني التسلط لدرجة الاسترقاق ، الان تغيرت الصورة تماما فلقد اصبحت غنية تنعم بالرفاهية، علمية و عملية تحقق الاساطير في ميدان العلم و الاعمال ،ديمقراطية قائمة على اوسع قدر من المشاركة الحقيقية من الجميع في اتخاذ القرار. اصبحت انجازاتها معجزات.. و تجاربها نظريات.. و اضحت محل تقدير و احترام و اهتمام… انها النمور الاسيوية كما يقول الدكتور احمد الفضيلي في كتابه الرائع (الادراة في دول النمور الاسيوية).. لقد اكتشفت هذه الدول ان ميزتها و قدرتها على المنافسة لا يرجع في المقام الاول لوفرة الموارد فهناك دول كثيرة وفيرة الموارد لم تحقق شيئا ذا بال ،وان الميزة و القدرة على التنافس يرجع الى المقدرة العقلية و القدرة على الابتكار لدى الانسان الفرد والطموح والرغبة في التفوق لدى الجماعة ،كل هذا دفع الى الفوز في السباق الاقتصادي فلقد أدركت تلك الشعوب ان الفائز في هذا السباق سوف يتمتع بخيرات العالم و سيحقق اعلى مستويات المعيشة و افضل مستويات الامن و احسن مستويات الاستقرار و اعلى مستويات التقدير و الاعجاب و الاحترام … لقد اقتنع قادة الفكر و منظرو السياسة و صانعو القرار في هذه البلاد بأن الانسان الفرد تكمن فيه اسرار هذا التقدم المبهر… لذلك جعلوه محط اهتمام و محل عناية و رعاية … فهيئوا له من المؤسسات التعليمية و التدريبية و التأهيلية ما يحرك فيه طاقة العمل البنّاء وملكة الابداع و ما ينمى فيه قدرته على الابتكار… فاثمر الاهتمام و العناية بالفرد ولاءً و انتماءً لارضه … و اثمر التقدير فخرا و اعتزازا بوطنه …و اثمر التاهيل و التقدير انتاجا و ابداعا و ثقة بنفسه … وهذا يجعلنا نجزم بأن قصور بعض الدول في اللحاق بركب التقدم والمدنية رغم ما تبذله من جهد يكمن في الفلسفة التي تتبناها هذه الدول من الاهتمام بالاثر على حساب المؤثر… ومن الاهتمام بالمظهر المادي للتقدم على حساب الانسان الصانع الحقيقي للتقدم …
ان الخالق الجليل في علاه و العظيم في حكمته ، يعلمنا ما يجب ان نكونه من خلال لفت انظارنا دائما الى حقيقة التفوق… فيؤكد على ان الرسالات السماوية انما اتت لتهتم في مبتداها و منتهاها بالانسان فردا و مجتمعا… فراحت هذه الرسالات تتعهده بالتهذيب و التدريب و التربية ففرض من العبادات مثل الصوم والصلاة وغيرها ما يزكيه جسدا و روحا و ما يؤهله للعمل المثمر المبدع ليغرس مكان الشوك وردا ، و يبدل الوحشة أُنسا ، و التخلف حضارة و رقيا ، فيسعد باثرها و يعيش في خيرها .
فبـُعْدًا لمن غفلوا عن تلك الحقيقة ؛ فاهملوا الاهتمام بالفرد الانسان ، و الويل لمن تعمدوا اهانته انهم لن يجنوا من وراء كل هذا الا الشقاء و التعاسة .
فمن المسلمات أن المظلوم قد يطول صمته و لكنه سيثور، و البركان قد يطول سكونه و لكنه سيفور، و حينها سـيكون الندم حين لا ينفع الندم، و حينها سينادي من غفلوا عن تلك الحقيقة و ما من مجيب ، ويتأكدون من صدق المثل السائر الذي تغافلوا عنه ويقولون حينها ياليتها كانت ( بيدي…. لا بيد عمرو ) .
حسين حرفوش
كاتب وشاعرمصري