مسامير وأزاهير ( 81 ) … أمثال باتت تحاكي مشهدنا الفلسطيني !!.
كلما اختليت إلى نفسي إما طلباً للراحة أو لاستجماع شتات تفكيري تمهيداً واستعداداً لجولة أخرى من مقالات تحكي ( بالضرورة ) عن تداعيات مشهدنا الفلسطيني المبكي والمزري ، فإنني غالباً ما أجري مسحاً ومراجعة في أرشيف ما أحتفظ به من عبارات وأمثال أثيرة كانت قد جرت على ألسنة مفكري شعوب الأرض وحكمائها لأرى مصداقية فكرتها وتطابق حدثها مع ما يجري في عالمنا المعاصر ، فلا أرى لها وجه مقارنة إلا بما يجري في مشهدنا وعلى ساحتنا الفلسطينية ، وتعتريني الدهشة ويتملكني الاستغراب لدقة محاكاتها لواقعنا العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً برغم تقادم بعضها الزمني حين قيلت وجرت فبدت لناظري وكأنها ما قيلت إلا في شأننا نحن لاسيما تلك التي تتحدث عن واقعنا المزري تحديداً!!!.
الأمثال التي قيلت وما ينطبق على أسباب تردي أوضاعنا ومصابنا كثيرة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما جاء على لسان وليم شكسبير من وصف لأهمية عامل الزمن ومساوئ عدم استثماره حين قال ((الزمن …بطيء جدا لمن ينتظر، سريع جدا لمن يخشى، طويل جداً لمن يتألم، قصير جدا لمن يحتفل))… فإننا في الوقت الذي قد رأينا شعوب الأرض في معظمها قد آمنت بما قاله شكسبير وأيقنت تماماً بما جرى على ألسنة حكمائنا العرب بأن ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه … قطعك ) فراحت لساعتها وعند اشتداد محنها تعد العدة باجتهاد وتفان وتضع الخطط الكفيلة لاختصار الزمن لتقفز على واقعها آنذاك فكان النجاح في خاتمة المطاف نصيبها فأمسكت بأسباب عزتها وكرامتها وحققت لنفسها الرفاهية والعيش الكريم ، فإننا في الوقت ذاته كنا ( وما زلنا !!) وكأننا في واد آخر ، فما احترمنا عامل الزمن وما أدركنا حقيقة ما يتصف به من تسارع برغم ما أصابنا من ويلات ونكبات متكررة جعلتنا سخرية ومضرباً للمثل السيء بعدم احترام للزمن وعدم اتخاذ الحيطة والحذر من سهام غدر الزمان في هذا الكون المتسارع الخطى نحو امتلاك أسباب الكرامة والسيادة ، فكنا تماماً أسوأ الناس حالاً وأتعسهم مآلاً بسبب قوة شهوة بعض من تسيد أمرنا للمنصب وضيق بصيرته فما عاد يرى من الدنيا غير الجاه والكرسي ، وفي ذاك ما أجاب به حكيم حين سؤل يوما عن أسوأ الناس حالاًً حيث قال ساعتها ودونما تردد : من قويت شهوته .. وبعدت همته.. وقصرت حياته .. وضاقت بصيرته!!.
وعلى سبيل المثال لا الحصر … أيضاً ، ما جاء على لسان الفرنسي الشهير روسو عن عزم الرجال وفعلها وقوة همتها في صنع مستقبلها ومستقبل أجيالها اللاحقة حين قال (( لا يجرؤ بعض الناس أن يكونوا ملوكا حتى في أحلامهم ….))، فقد رأينا قادة في هذا العالم وهم يصنعون مجد أممهم واجتازوا مع شعوبهم التي قادوها خط الأزمات والنكبات فنالت شعوبهم كرامتها وحققت أمنها ومستقبل أجيالها اللاحقة ليدخل أولئك القادة التاريخ بصنيعهم ذاك من أوسع أبوابه ، فيما ضرب بعض قادتنا وأولي أمرنا أتعس صورة من التخاذل وقلة الهمة وضعف الشكيمة ما يندى له الجبين وتقشعر له الأبدان.
فكلنا أبناء نكبة فلسطين ، وجميعنا قد عانى من نتاجها وتداعياتها، وحين انطلقت الثورة الفلسطينية بعد النكبة وتحديداً بعد نكسة حزيران 1967 فإننا كنا قد هللنا وكبـّرنا وامتلأنا فخراً وزهواً وأيقنا ساعتها بأن فلسطين قد صارت قاب قوسين أو أدنى منا ، هذا كما وتنادى الشباب الحر الأبي لاحتضانها، فما بُخـِل عليها بدم ولا جهد حثيث من أجل ديمومة فعلها ، فإذا بتلك الثورة الفلسطينية التي صنعها شرفاء أمتنا ومجاهدوها قد بات أمرها بعد لأي وقرب أوان قطاف ثمارها في غير مسارها وما انطلقت من أجله من تحرير أرض وحق عودة واستعادة كرامة ، وها هي اليوم تلك الثورة المعطاءة قد حرف نهجها واستبدلت أولوياتها بعد أن استحوذ على مقدراتها أناس ممن يتصفون بقلة الهمة وضعف العزيمة وتعالي لغة المصالح ، فكان أن بتنا جراء ذلك على أعتاب قبول بفتات ما يعرض من حلول على موائد الساسة الغربيين المنصاعين للأجندة الصهيونية ، فضاع بذلك جهد المخلصين من أبناء الثورة من أصحاب الأحلام العريضة وتشتت شملهم ولف النسيان صدى صوتهم المطالب بالحق الشرعي والتاريخي، فصار بذلك خير ما ينطبق من وصف على ثورتنا ورفضنا للاحتلال وممارساته ما جاء على لسان المناضل الأممي تشي جيفارا حين قال يوماً قولته المأثورة (( الثورة يصنعها الشرفاء ويستغلها الأوغاد)), وليس بغريب أبداً أن يختفي عن أنظارنا وعن ساحة فعلنا الفلسطيني من قادة أفذاذ سطروا أروع الملاحم من أمثال خليل الوزير أبي جهاد والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين والمهندس فتحي الشقاقي وكمال عدوان وصلاح خلف أبي إياد ( رحمهم الله أجمعين ) ، كما وليس بمستغرب ولا بالعجب أن يستمر في الساحة الفلسطينية مدعوماً محاطاً بالعناية الدولية من طغى نهجه حثيثاً يدعو لترهات حلول لا تعني إلا استمراراً في هدر للكرامة ولا تصب إلا خدمة للكيان الصهيوني، وأخشى في ختام ما نراه من ممارسات تصب في هذا المسعى أن يأتي يوم ليس ببعيد لتكون عبارة الشهيد كمال ناصر واقعاً ملموساً يطغى على مشهدنا الفلسطيني برمته حيث قال (( سيأتي عليكم يوم تصبح فيه الخيانة مجرد وجهة نظر))!!.
لقد بات منطق ( قصر النظر السياسي ) والقبول على مضض بما يعرض علينا من حلول ومقترحات هزيلة طابعاً طاغياً في مشهدنا السياسي ، وما اختزال مطالبنا وحقوقنا المتمثلة بأرض فلسطين التاريخية وتراجع قادتنا وأولي أمرنا عن اللاءات الثلاثة المشهورة للكيان الصهيوني والتي أتخذت أيام المد القومي العروبي تزامناً مع عنفوان الثورة الفلسطينية المتصاعدة إلا دليلاً ساطعاً وبرهاناً قوياً على حسن تخطيط العدو وإدارته لملف الصراع وولائهم المطلق لكيانهم الدخيل من جانب … وضحالة همة قادتنا وأولي أمرنا والذين باتوا على قناعة تامة بـ ( تاريخية ) ما أنجزوا وقبلوا به من حلول مهينة وتافهة باعتبار أنها تندرج ضمن خانة أحسن الممكن ضمن الظروف الدولية من جانب آخر ، وبذا فإن خير ما ينطبق على هؤلاء الساعين والممسكين بمقدراتنا ما جاء من وصف على لسان وليام آرثورد حين قال (( إن أبواب الإنجازات تتسع لذلك الشخص الذي يرى في الأشياء التافهة إمكانيات غير محدودة ..))!!.
وما دام أمرنا يسير هكذا حيث (( لن يستقيم ظلنا والعود فينا أعوج )) أولاً ، ولا أرى منجاة مما نحن فيه ولا خلاصاً في المدى المنظور مما يجري الآن وفق ما قاله بن غوريون بعد النكبة (( الكبار سيموتون والصغار سينسون )) ثانياً … فإن لحديثنا هذا ( حتماً ) بقية … إن بقي من العمر شيء!!!.
سماك العبوشي
10/ 7 / 2009