أرشيف - غير مصنف
معهد بحوث في واشنطن: (حكومة سُنّية مطلقة) في السعودية تتهم (حكومة أغلبية شيعية) في العراق بـ (الطائفية)!
ينظر باحثون ومحللون سياسيون أميركان إلى طبيعة (التوتر الشديد) في العلاقات العربية السعودية على أنها خطرة، ويمكن إن لم تُعالج أن تأخذ مسارات أصعب، ربما تصل الى مستوى (التآمر المتبادل) بين الطرفين إقليمياً. ولهذا فهم يتساءلون عما وراء (علاقات الحضيض) هذه بين الرياض وبغداد!. إن (العقدة السعودية) تتركز في زعمها أنها (حامية السُنة) في العراق، وأن الحكومة العراقية (الشيعية) خاضعة للنفوذ الإيراني، وأنها خائفة من انتشار (التشيع الفارسي) في العراق، وأنها –أيضاً- لم تف بوعودها في إشراك السُنّة في السلطة، كما وعدت سنة 2004 على لسان رئيس وزرائها. أما الحكومة العراقية فهي تستغرب من (حكومة سُنّية مطلقة) في السعودية، تتهم (حكومة ذات أغلبية شيعية) في العراق بـ(الطائفية)، ومن جانب آخر تتهم أطراف في حكومة بغداد السعودية بتشجيع الإرهابيين المتسللين عبر حدودها لتنفيذ جرائم إرهابية في العراق، وترى أن التفجيرات الأخيرة كانت ممولة من قبل السعوديين. وكانت الفتاوى السخيفة الأخيرة التي صدرت من (وعاظ السلاطين في السعودية) بحسب تعبير بعض المعلقين السياسيين العراقيين والتي تتهم شيعة العراق بأنهم (مرتدون عن الإسلام) ويجب قتالهم، وأن قتالهم (جهاد) لم تكن إلا دعوات مشبوهة لإثارة الفتنة الطائفية من جديد في العراق، الأمر الذي يعني استمرار النزاعات وزعزعة الأمن واستمرار الاحتلال. وبمعنى أن السعودية –كمحور لدول عربية سُنّية أخرى- لا تريد للعراق أن يتحرر والحكومة (ذات الغالبية الشيعية) فيه على الرغم من أن السعودية نفسها ودول تزعم أنها (تقود العالم العربي) تخضع بشكل مباشر للضغوط الأميركية، ولا تقوى على الخروج عن إرادة سياسات واشنطن الخارجية مهما كلفها ذلك، فيما يطالب رئيس سابق لجهاز المخابرات السعودية، وأحد الأمراء المعروفين الذي عين سفيراً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى إعادة العراق إلى عالمه العربي. إن الرأي الغالب لدى العديد من المحللين السياسيين في واشنطن وفي بغداد وفي القاهرة وفي عواصم أخرى، يؤكد أن المواقف السلبية التي تتخذ ضد العراق في الوقت الحاضر، تبقي الساحة مفتوحة أمام التدخلات الإيرانية، بل إنها تشجع بعض التيارات المحلية التي تدعو إلى القطيعة مع العرب وإلى تمتين العلاقات مع إيران بالمقابل. ويرى سياسيون عراقيون كثيرون أن هذه المواقف ستؤدي إلى كوارث مستقبيلة وربما يكون ضحاياها في المقام الأول (سُنّة العراق) لأنّ عملية التدخلات المستمرة ستعقد العملية السياسية وستضيف المزيد من المخاوف لدى التكتلات الشيعية مما يُخطط لها عربياً.
ونقل تقرير صادر من معهد بحوث الشرق الأوسط في الولايات المتحدة عن معلقين سياسيين عراقيين قولهم: إن السعودية وراء الإرهاب في العراق، ولن تقبل أبداً بـ (الحكم الشيعي) في هذا البلد. وأكد التقرير أن العلاقات الثنائية العراقية-السعودية الحالية في (الحضيض). ومع أنّ العراق كرر رغبته رسمياً بتقوية العلاقات، وبحل جميع الخلافات مع المملكة العربية السعودية، فإنّ الأخيرة لم تكن متحمسة لذلك في إجاباتها. إن السعوديين رفضوا بشكل متكرر اقتراح العراق بزيارة رئيس الوزراء (نوري المالكي) إلى الرياض، أو مقابلة الملك (عبدالله بن عبد العزيز) كما جرى تأجيل افتتاح السفارة السعودية في بغداد على الرغم من أن العراق أرسل فعلاً سفيره الى السعودية.
ويتابع تقرير المعهد الأميركي قوله: إن الملك (عبدالله) رفض مقابلة (المالكي) على هامش قمة الدوحة التي عقدت في 30 آذار من السنة الحالية على أساس أن السعودية ((لم تكن متأكدة من أن المصالحة قد تحققت في العراق فعلاً)). وأن (المالكي لم يحافظ على وعده باسترضاء كل القوى السياسية في العراق وإشراكها في العملية السياسية)). ومثل هذه المؤشرات توضح طبيعة الخلاف بين الحكومة السعودية (السُنّية بشكل مطلق) وبين حكومة العراق (ذات الغالبية الشيعية). وبمعنى –حسب تقرير معهد بحوث الشرق الأوسط في واشنطن- أن السعودية تعدّ نفسها (حامية) الأقلية السُنّية في العراق.
ويقول التقرير إن السعوديين يفترضون أن إيران تمارس نفوذها داخل حكومة (المالكي)، وأنها تخشى من انتشار النفوذ الشيعي-الإيراني في العراق. ولهذا، فإن الأمير (تركي الفيصل) الرئيس السابق للمخابرات السعودية، والسفير الحالي للسعودية في الولايات المتحدة، وبريطانيا، يدعو إلى إعادة العراق إلى العالم العربي مهما كلف ذلك، ولكي يلعب دوره الطبيعي كجدار ضد التدخلات الخارجية في شؤونه أو في شؤون الدول العربية الأخرى.
وفي الرد على ذلك هاجم العراقيون السعودية مؤخراً، مشيرين إلى أنها تعمل على زعزعة الوضع الأمني في العراق. ويرى خبراء المعهد الأميركي أن أول من هاجم السعودية هم (معلقون سياسيون عراقيون) اتهموا السعوديين بمساعدة الإرهابيين للتسلل إلى العراق، وقالوا إنهم وراء التفجيرات الانتحارية التي تنفذ على التراب العراق، وبخاصة في ضوء الفتاوى الأخيرة التي صدرت في السعودية والتي (تحلّل) الهجمات الانتحارية وتعدّها ((جهاداً ضد قوات الاحتلال)). واتهم معلقون سياسيون آخرون السعودية بالنظر “نظرة استصغار” إلى العراق، ورفض حكومته الشيعية، ودعا هؤلاء المعلقون رئيس الوزراء (نوري المالكي) الى الكف عن الرغبة المستمرة بزيارة السعودية، ونبذ فكرة اللقاء مع ملكها، ووصفوا هذه المحاولات بأنها (مذلة) لـ(المالكي) ولـ(الشعب العراقي)، وللحكومة العراقية.
ومن جانب آخر –يقول محللون سياسيون في المعهد الأميركي- دعا معلق سياسي عراقي إلى التهدئة في العلاقات مع جيران العراق، بضمنها المملكة العربية السعودية، وطالب بتطمينهم وتهدئة مخاوفهم، حتى إذا كانت هذه البلدان تتدخل فعلا في شؤون العراق الداخلية.
وعلى خلاف هؤلاء المعلقين السياسيين، امتنع المسؤولون السعوديين عن تفسير الاتهامات ضد بلدهم. وفي 18 نيسان 2009، دعا رئيس الوزراء (نوري المالكي) الدول المجاورة للعراق –من دون أن يسمي إحداها- إلى وقف دعمها للإرهاب، وإظهار حسن النية تجاه العراق. لقد قال (المالكي): ((أوقفوا ذلك الذي يؤذي العراق من خلال حدودنا، ولا يريد أن يكون العراق مرغماً للدفاع عن نفسه)). وأضاف: ((اكشفوا عن نواياكم لصياغة علاقات إيجابية ودية مع العراق)) و((وأشروا لنا بإصبع واحد، ستجدون أننا نؤشر بيدينا كلتيهما في المقابل)).
وإذ زادت نسبة العمليات الإرهابية، قبيل الـ30 من حزيران، موعد اكتمال انسحاب القوات الأميركية من المدن، بدأت مصادر عراقية مسؤولة باتهام السعودية –بشكل علني- بمساعدة الإرهاب في العراق بهدف منع انسحاب القوات الأميركية. لقد اتهم (هادي العامري) رئيس اللجنة الأمنية والدفاع في البرلمان العراقي، المملكة العربية السعودية بترؤس مجموعة بلدان المنطقة التي ترفض الانسحاب الأميركي من المدن.
لقد قال إن السعودية كانت مسؤولة عن التفجيرات الأخيرة في العراق، ويجب اتخاذ موقف ضدها. وأضاف قوله أن التفجيرات موّلت من خارج العراق، وأن الجناة كانوا أعضاء في تنظيمات القاعدة، وفي حزب البعث العراقي. وطالب (العامري) باتخاذ موقف قوي ضد البلدان التي تدعم الإرهاب، مشيراً إلى (الفتاوى) المعلنة ضد المواطنين العراقيين الشيعة بعدّهم مرتدين والتي صدرت مؤخراً من رجال دين سعوديين والتي جعلت الشيعة هدفاً للعنف والهجمات الانتحارية.
والسعودية من جانبها، اتهمت القوى والعناصر العراقية المدعومة من قبل إيران بمحاولة فك ارتباط العراق مع بعده العربي، وتجيير ذلك لصالح إيران، وأوضحت أن الإحصاءات التي تُظهر أن الإرهابيين السعوديين هم الأكثرية في العراق، إنما هي محض كذب وادعاءات.
وفيما يلي نظرة عامة سريعة للتطورات الأخيرة –بشأن هذه القضية- كما عكستها الصحافة العربية والعراقية خلال الأشهر الأخيرة الماضية:
-كان مستشار الأمن العراقي (موفق الربيعي) قد تمنى –بعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن- تطوير العلاقات العراقية مع السعودية، وحل جميع الخلافات بطريقة ما وبما يخدم مصالح الطرفين. ووعد بحدوث بعض التطور في العلاقة خلال المستقبل القريب. وقال إن البلدين يناقشان مسودة اتفاقية قدمت من قبل السعودية لرسم إطار للتعاون المستقبلي، ولتقرير مصير السجناء العراقيين والسعوديين في البلدين.
-ذكر وزير الداخلية (جواد البولاني) أن اتفاقية عراقية-سعودية ستوقع قريباً تهدف الى تطوير التعاون الِأمني بين البلدين، وقتال الإرهاب، ومكافحة الجريمة المنظمة، وتهريب السلاح، وكذلك تسليم الأفراد المطلوبين من قبل الحكومتين، وتبادل المعلومات.
-كان السفير العراقي (غانم الجميلي) الذي عين في الرياض بعد قطيعة 18 سنة أن المشاكل العالقة بين العراق وبين العربية السعودية، تتعلق فقط بقضايا الأمن المحلي والتي تمنع السعودية من افتتاح سفارتها في بغداد.
-أوضح وزير الهجرة (عبد الصمد رحمن سلطان) أن السعودية تحتجز 1,000 عراقي حتى الوقت الحاضر، معظمهم بتهمة الدخول غير الشرعي إلى المملكة العربية السعودية، فيما ذكرت مصادر تابعة للسعودية أنها تحتجز فقط 800 عراقي، وأن العراق يحتجز 100 سعودي، معظمهم بتهمة الإرهاب وبالدخول غير الشرعي الى العراق. وقد جرت فعلا عمليات تبادل بعض السجناء في شهر أيلول من السنة الماضية.
وبعد فشل كل المحاولات التي كانت تهدف إلى تحسين العلاقات من خلال تبادل الزيارات، وبالتحديد من خلال لقاء رئيس الوزراء (المالكي) مع الملك (عبدالله) بقيت العلاقات الثنائية في (حضيضها) بحسب توصيف معهد بحوث الشرق الأوسط في واشنطن. ولم تفلح زيارة (رافع العيساوي) نائب رئيس الوزراء –خلال موسم الحج- في إقناع السعوديين بالموافقة على زيارة (المالكي). وبرغم كل شيء، فإن الولايات المتحدة –كما يؤكد المعهد في تقريره- تمارس ضغوطاً كبيرة على السعودية وغيرها من الأقطار العربية الرئيسة في الشرق الأوسط لتحسين علاقاتها مع بغداد.