يبدو أن ذاكرة الامة أصيبت بالعطب فأصبحت غير قادرة على العمل فهي من جهة ترفض ما يرتكبه الصهيوني من جرائم بحقها وبذات الوقت تنسى وتساهم طوعاً أو كرهاً في ارتكاب الجريمة، تلك أمة لا تصنع الحدث بل تنفعل معه كما في مقاطعة البضائع الامريكية ولو نسبياً رداً على احتلال العراق ودعمه لارتكاب المجازر في فلسطين أو مقاطعة بعض الدول الاوروبيه لمساندتها مواطنيها في قضية الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم والاساءات المتكررة لديننا، فأحيانا تصحو من غفوتها لتثور على الحدث، تنفعل، تملأ الدنيا ضجيجاً ثم تدخل للغيبوبة وكأنها حققت ما ثارت لأجله وانتهت كل الاخطار التي تهددها، هذه الأمة لو كانت واعية فعلاً ومدركة لما يدور حولها لجعلت مقاطعتها لقاتليها مشروع حياة تمارسه بشكل يومي لتشارك في المعركة المحتدمة ولا تتخلى عن مسؤولياتها وواجبها تجاه ما يجري ولا تختصره برد فعل على مجزرة أو إساءة ثم تعود بعدها لتساهم بالجريمة سواء بصمتها أو بدعمها المادي للمجرم بشراء منتجاته التي تصب في النهاية باتجاه قتلنا، وبهذا ليس لأحد أن ينكر أن ابناء هذه الأمة يشاركون المجرم الامريكي بقتل اخوانهم في العراق وضعاف النفوس منهم يعملون معه في معسكراته وقواعدة بمهن وضيعة مقابل راتب مجزي مخزي، ولا ننسى مشاركتهم الصهيوني بحصار وقتل أهلنا في غزه.
لا شك أن الأنظمة قد اتخذت “السلام” مع المحتل كخيار استراتيجي لا تراجع عنه فارتهنت كل مقدرات الامة خدمة لمصالح شخصية، وعلى الشعوب إن لم تكن تؤمن بهذا الاعتقاد أن تضطلع بمسؤوليتها وتمارس حقها بالدفاع المستمر عن وجودها ومستقبل ابناءها بمقاطعة فاعلة نتائجها ايجابية ملموسة وتجنبها قمع وسجون الانظمة إن كانت تعاني من عقدة الخوف والاستسلام ، فهي من ناحية ستؤلم الدول التي تقوم على مبدأ النفعية وسيطرة رأس المال المستثمر بشركات لها قوة التأثير على صانع القرار الذي سيرضخ لسطوة رجال المال الباحيثن عن مصالحهم ولن يقف هؤلاء مكتوفي الايدي في حين شركاتهم تنهار تحت وطأة خسائر فادحة، ومن ناحية أخرى لن تكلفها شيء بل ستشجع الصناعة المحلية وستكون حافزاً لها لتقدم البديل المحلي ولن يكون بمقدورالانظمة مهما امتلكت من بطش وقوة أجبار مواطنيها على استهلاك سلعة لا يرغبونها، وستكون المقاطعة التي يستيهن بها البعض سلاحاً مؤثراً على القرار الخارجي والداخلي بما يخدم قضايانا، وهذا سلاح مجرّب لا ينكر فعاليته إلا أصحاب المصالح والامتيازات الذين يعتبرون الاوطان أرصدة وأعطيات وأولئك الذين يسيّرهم جشعهم الباحثين عن مصلحتهم ولو كانت لدى الصهيوني.
كثيراً ما نغضب ونثور عندما نسمع أو نقرأ عن احد المطبعين مع المحتل الصهيوني – التطبيع عند البعض ليس إنشاء علاقة بل إعلان علاقة قائمة سراً- والامة بغالبيتها ترفض هذا العمل عندما يمارسة البعض تحت ذريعة “مفاوضات السلام” فيما تباركه عندما يلبس قناع الثقافة أو الفن أو الرياضة أو الاقتصاد وكأنها مصابة بانفصام ولا تعلم أن العبور لفلسطين المحتلة في جميع الحالات لا يكون إلا من تحت ظلال الاسلحه وبالنجمه الزرقاء ، فإن كنا فعلاً لا نعترف بوجوده إلا محتلاً لأرضنا فكيف نسمح لأنفسنا أن ندخلها بأمره ومن خلاله!!!، لماذا لا نغضب عندما يطبّع احدهم مع المحتل من خلال أمسية ثقافية ولماذا لا نغضب عندما يطبّع أحدهم مع المحتل فنياً وليس عنا ببعيد ما جرى في لبنان من محاولة مستميتة لإستضافة الصهيوني غاد المليح في مهرجان بيت الدين ، ففي الوقت الذي يقتلنا وينتهك كل حرماتنا ويستبيح مقدساتنا نواجهه بمهرجانات التطبيع وبدلاً من مواجهته بالمدفع أصبح الشعب تحت الاحتلال يتصدى للاحتلال بآخر تقليعة بالتمايل على انغام المدفعي الذي ما دخل إلا مطبعاً ليوهمنا البعض بأن الحياة في مساحة القبر أصبحت طبيعية وكأني بدايتون قد نجح بإنتاج الرجل الفلسطيني الجديد الذي كرمته السلطة بحفل زواج جماعي.
مخطيء من يظن أن فلسطين وحدها في بؤرة الصراع لأنها مقدمة الصراع والجميع في بؤرة الاستهداف ومعني بالصراع ومغفل من يظن أنه خارج دائرة الخطر لينخرط في مشروع الاستسلام والتطبيع ليس بقيامه به بشكل مباشر كما يحدث بالمؤتمرات بل بمجرد عدم اعتراضه على من يمارسه بشكل عملي او تحت شعارات زائفه ويضع له اسبابه ومبرراته التي لا تخرج أبداً عن دائرة التطبيع كما في ارسال وفد لإعادة مواطنيين بحرينيين كانا على ظهر السفينة المتضامنة مع غزه ويندرج تحت هذا المفهوم ما يمارسه الاعلام العربي من إعادة صياغة عقلنا وتشكيله بطريقة ليتقبّل ما يُفرض عليه من تطبيع بكذبة كبيرة يسمونها الرأي الآخر وكأننا بعد كل هذه المآسي والجرائم لازلنا نجهل قاتلنا ونحتاج لإستضافته في مؤتمراتنا وعلى شاشاتنا ليُعرّفنا بنفسه ويُحاضر فينا بالاخلاق وحق الانسان بالحياة ونُظهره بمظهر الحمل الوديع الذي يتربص به الذئب ليقتله، أوليس ذلك تطبيعاً وقحاً ومحاولات مستميتة لفرض القاتل بوجهه القبيح باعتباره أمر واقع لا مفر لنا إلا أن نتقبله. لنزيل الاقنعة عن وجوهنا كأمة وشعوب وأفراد ونسأل بصدق هل ندعم المحتل ونشاركه القتل أم نطبّع معه؟