الإمام الشيخ محمد عبده – في ذكرى مولده ووفاته –
الإمام الشيخ محمد عبده – في ذكرى مولده ووفاته
ولد محمد بن عبده بن حسن خير الله سنة 1849 م في قرية حصة شبشير بمركز طنطا في محافظة الغربيه في مصر، من أم مصرية وأب كردى من مصر، ترجم له الدكتور الرومي في كتاب : ( ،المدرسة العقلية الحديثة في التفسير )فبين حقيقة الرجل ، وأصله،( ص 124 – 169 ) وذكر ترجمة مستفيضة له ، وأورد من ضمن الترجمة علاقته بكتاب ” تحرير المرأة ” للكاتب “قاسم أمين” ، وذكر قصة الكتاب، وأنهُ من تأليف محمد عبده ، راي متطابق مع ما اورده محمد عمارة في كتاب ” الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ” (1/247 – 248 ) فقال : ” والرأي الذي أؤمن به والذي نبع من الدراسة لهذه القضية هو أن هذا الكتاب إنما جاء ثمرة لعمل مشترك بين كل من الشيخ محمد عبده وقاسم أمين … وإن في هذا الكتاب – يعني كتاب تحرير المرأة – عدة فصول قد كتبها الأستاذ الإمام وحده- والحق أن من يرد ذكره بعد مماته هو من عمل واجتهد، والشيخ الإمام ثورة مشتعلة، وذات فاعلة تركت بصماتها في مختلف المجالات، البداية كانت من الجامع الأزهر، الذي التحق به سنة 1886م إلى نيل الشهادة العالمية سنة 1877 م وفي سنة 1879 م إلى ميدان تدريس لتاريخ في مدرسة دار العلوم1879م والمشاركة في ثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز عام 1882م، و حكم عليه بالسجن ثم بالنفي إلى بيروت لمدة ثلاث سنوات بعد فشل الثورة، سافر بدعوة من أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس سنة 1884 م، حيث أسس صحيفة العروة الوثقى، ليغادر باريس إلى بيروت سنة 1885م، وفيها يؤسس جمعية سرية بذات الاسم،: “العروة الوثقى”، قيل أنها ذات صلة بالمحافل الماسونية 886العالمية تحت شعار و زعم – التقريب بين الأديان – ليعود الى التدريس في المدرسة السلطانية عام1886 م وفي بيروت يتزوج من زوجته الثانية بعد وفاة زوجته الأولى. وفي سنة 1889 م – 1306 هـ عاد محمد عبده إلى مصر عام 1889م بعفو من الخديوي توفيق، ووساطة – سعد زغلول- وإلحاح نازلي فاضل على اللورد كرومر كي يعفو عنه ويأمر الخديوي توفيق أن يصدر العفو فكان ذلك، وقد اشترط عليه كرومر ألا يعمل بالسياسة فقبل. عين قاضياً بمحكمة بنها عام 1889م، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق فمحكمة عابدين،عين عضواً في مجلس شورى القوانين في25 يونيو1890م، ليرقى إلى منصب مستشار في محكمة الإستئناف عام 1891 م، وفي 3 يونيو عام 1899 م عين في منصب المفتي، وأصبح عضواً فاعلا في مجلس الأوقاف الأعلى. لما قضي على جمال الدين بالأبعاد من هذه الديار المصرية قال يوم وداعه لبعض خاصته:
(لقد تركت لكم الشيخ محمد عبده وكفى بهِ لمصر عالماً) . وتقلب محمد في بعض المناصب العلمية بين تدريس في المدارس الأميرية وتحرير في ” الوقائع المصرية ” وكتابة في الدوائر الرسمية حتى كانت الحوادث العرابية . فحمله أصحابها على السير معهم وهو ينصح لهم أن لا يفعلوا وينذرهم بسوء العاقبة . ولما أستفحل أمر العرابيين وأختلط الحابل بالنابل وسيق الناس بتيار الثورة وهم لا يعلمون مصيرهم . فدخل الإنجليز مصر والشيخ محمد عبده في جملة الذين قُبض عليهم وحوكموا . فحكم عليه بالنفي لأنهُ أفتى بعزل توفيق باشا الخديوي السابق.
أسس جمعية إحياء العلوم العربية لنشر المخطوطات، عام 1900م، وزار العديد من الدول الأوروبية والعربية. وفي الساعة الخامسة مساء يوم 11 يوليو عام 1905 م توفى الشيخ بالإسكندرية بعد معاناة من مرض السرطان عن عمر57عاما فرثاه العديد من الشعراء والكتاب ودفن بالقاهرة.
عندما نرجع ونتتبع آثاره نجد الكثير من الاهتمام حول شخصيته،، فقد نشرت، مجلة الرسالة التي كان يصدرها فضيلة الأستاذ الأديب “أحمد حسن الزيات”العدد 576 ، بتاريخ : -يوم الاثنين 26 رجب سنة1363هـ – الموافق 17 يوليو سنة 1944م ، وهي السنة الثانية عشرة من عمر المجلة ، صدر مقال بعنوان : ” الشيخ عبده وطريقته في التفسير للأستاذ محمود شلتوت ” ، رأيت فيه ملامح عن شخصية الإمام المصلح الشيخ محمد عبده رحمه الله تعالى ودوره في التفسير بقلم شيخ الجامع الأزهر في زمانه العلامة الشيخ محمود شلتوت رحمه الله تعالى ، وهي عبارة عن كلمة القاها الشيخ محمود شلتوت في ذكرى الأستاذ الإمام المصلح محمد عبده “ يوم الثلاثاء 11 يوليو سنة 1944م،أكد من من خلالها تأثر الإنسان ببيئته بقوله: – أن البيئة تؤثر في الإنسان تأثيراً كبيراً فهي تطبعه بطابعها وتنشئه على أخلاقها وتحمله بقوتها وسلطانها على أن يكون عضواً فيها ، يعيش كما تعيش ، ويـفكر كما تـفكر، وينزل على إرادتها وحكمها مطمئن القلب راضي النفس ، ولكن مع هذا قد يظهر في الأمة أو الجماعة من الحين بعد الحين أفراد يجعل الله منهم مظهر رسالة خاصة إلى الأمة أو الجماعة ، فيصنعهم على عينه ويعصمهم من التأثر ببيئاتهم ، فينشأ الواحد منهم بيئة برأسه أو أمة في نفسه ، لا يتأثر بجماعته ، ولا يتقيد بقيودها – في إشارة إلى مسار الشيخ محمد عبده” كان الشيخ عبده من هؤلاء العباقرة الذين عصمهم الله من التأثر ببيئاتهم ومكّـنهم من التأثير فيها” ، ولا يزن الأشياء بميزانها بل العكس يؤثر هو فيها و يقتحم عليها حصونها ، ويعيش معها ما عاش في كفاح وجلاد وهو في كل يوم يفتح فتحاً جديداً ، ويدك حصناً عتيدا ، ويتعهد من وراء ذلك بذوره التي يضعها حتى ترسخ أصولها ، وتسمك فروعها ، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، أولئك هم المصلحون في كل زمان ومكان ، منهم رسل الله المبلغون عنه ، المؤيدون بوحيه ، ومنهم دون ذلك من عباقرة الأمم وأفذاذ التاريخ ، ولقد كان الشيخ عبده من هؤلاء العباقرة الذين عصمهم الله من التأثر ببيئاتهم ومكّـنهم من التأثير فيها،كانت بيئة الشيخ عبده هي البيئة الأزهرية التي تكونت في أواخر القرن الثالث عشر من الهجرة ، وكان طابعها الركود الفكري ، والتعصب المذهبي ، والتقديس للآراء و الإفهام والسمو بها عن النقد ومحاربة كل رأي جديد ، وقد وصل الأمر بهذه البيئة إلى أن أوجبت التقليد في دين الله وحرمت الاشتغال بالعلوم العقلية والرياضية وقاومت من حاول الخروج عليها في ذلك زمناً طويلاً ***”وظل القرآن في هـذه النزعة يدرس دراسة أساسها الإسراف في المناقشات اللفظية لعبارات المفسرين ، والاعتماد في قصصه على الروايات الغريبة والإسرائيليات الموضوعة وفي تشريعه المذاهب الفقهية وفي عقائده على الآراء الكلامـية ، وقد صار القرآن بهذا كأنه تابع لا متبوع ومحكوم عليه لا حاكم”. من هنا كانت ثورة الشيخ الإمام على المحاكاة والتقليد الأعمى، والخروج بأسلوب جديد للدراسة والتفسير، والدعوة إلى الإصلاح. هذا تذكير ببميزات الشيخ عبده في ذكرى وفاته الموافقة ذكرى مولده.
معذرة على التقصير في حقه فذلك بعود لعدم قدرتنا على الاحاطة بميات حياته.