أرشيف - غير مصنف

على دائرة الإنتظار

 موسى أبو كرش
أنا شخصياً أكره الإنتظار” ! لا طاقة لي عليه و لا إحتمال ! وأستفز جداً عندما يقول لي أحدهم : إنتظر أو احدى مرادفاتها أو معانيها!.
الإنتظار يعنى لي تبديد الوقت، وحرق الاعصاب ، ومزق الشرايين بلا طائل أو نتيجة _اللهم إلا من رحم ربي.
ذات شفر وجدتني على قائمة الانتظار، يحلو لبعض المولعين بالسفر عادة أن يسمونها الويتنج ليستفما سافرت و جاءت الطائرة، فترجلت من المطار إلى مكتب إحدى الشركات ،أكدت الحجز، وتكبدت الخسائر، وبعد أن اكلني الانتظار غادرت .
وذات إجازة وجدتني في مطار القاهرة ، أعلك الوقت بإنتظار السماح لي بالدخول ، وفي النهاية رأيتني أعود أدراجي على ذات الطائرة من حيث أتيت!
وذات عثرة أدركتني انتظر في صالة الأنتظار على الجسر بإنتظار ختم أوراقي والسماح لي بالدخول إلى عمان.. مضى الوقت كئيبا ورأيتني أُحمل مخفوراً إلى السجن!.
ان تكون فلسطينياً ،فعليك ان تحسب للسفر حسابه خاصة، إذا أردت المرور أو الولوج إلى إحدى عواصم الشقيقات العربيات، حتى وإن حصلت على جواز السفر واذن الدخول ، وتناولت غداءك أو عشاءك في الطائرة ونزلت أرض المطار الذي تقصد ، فثمة وراء الأكمة ما وراءها.
فإذا كان قدر يهود أن يكونوا كما يزعمون شعب الله المختار فقدرنا نحن الفلسطينيين أن نكون شعب الانتظار بإقتدار وإمتياز وإنتظار أيضاً .
منذ النكبة الأولى ونحن نتظر .. إنتظر أجدادنا وأباؤنا العودة إلى ديارهم وبيوتهم التي هُجّروا منها، تناسخوا وتكاثروا وتناكحوا ، وأصبح لهم بنون وحفدة وبيوت بعيداً عن قراهم ومدنهم ..من انفك من لا يزال منهم على قيد الحياة ، ينتظر لحظة العودة أو ساعة الموت!
وانتظرنا الامم المتحدة أن تطبق قراراتها الخاصة بنا فما استطاعت حتى حماية مقراتها!
وانتظرنا الثورة حتى تحقق لنا نصراً مؤزراً يحقق لنا بعضا من حقوقنا فجاءتنا ب” أوسلو”، وانتظرنا أوسلو أن تاتي لنا بدولة وعلم، فما حصدنا غير العلقم والندم! وتوسمنا خيراً في انتخابات يناير فما حصدنا غير الكعك الداير !.
وإستبشرنا خيراً بإتفاق مكة، وما جنينا غير عكة وانقسام!
وتأملنا خيراً في مباحثات القاهرة فما جنينا غير طحن المواعيد! فلا وحدة حققنا ولاوئاماً خلقنا.. فمركب فلسطين لا زالت بزاجلين وخمسين ألف رباباً وقبطاناً ! الارض تنهك وتنهب، والموستوطنات تتوالد وتتناسخ، والجدار الافعوان يتلوى ويتمدد فوق أرضنا ،مياهنا تنهب، وقدسنا تحاصر وتصادر، ونحن ننتظر وننتظر ..انتظرنا رحيل بوش ومجىء أوباما لبنصفنا ويعطينا بعضاً من حقوقنا، فما حصدنا غير وعد بحل الدولتين!!! وانتظرنا خطاب نتيناهو وما سمعنا غير تنكر لحقوقنا وتعهد بعدم تسمين المستوطنات لأسابيع وأيام !!! فما زالت الحواجز على حالها ، والمعابر موصدة في وجوهنا..نتلوى في دائرة الانتظار .. نكدح حتى اخر الشهر بإنتظار الراتب,, نصطف طويلاً في طوابير أمام الصراف ، ثم نعود ادراجنا إلى البيوت لنجرى الحسبة ، فتبتلعنا الفواتير!
نتقدم للامتحانات وننتظر النتيجة بصبر أيوب نستلم الشهادات، فنجد انفسنا ننتظر في طوابير العاطلين عن العمل !
نربي البنات ونعلمهن وننتظر الخطاب .. يفوتهن القطار فينضممن في عقد العنوسة!
نفلح الارض وننتظر المطر .. نحصد المحصول فنسمع البائع الجوال ينادي عشرة بمية يا بندورة !! 12 بميه يا بطيخ ! الكيلو بشيكل يا ملوخيه!
يتوارى الصوت ويبتعد ويأتي كصدى بعيد.. حبش ملوخ ,,,ع/ السكين يا بطيخ .
نجوع ونشبع ، ننام ونصحو، ونشرب حتى تنتفخ أوداجنا وتتضخم كروشنا ونحن نرزح في دائرة الانتظار!!

زر الذهاب إلى الأعلى