أرشيف - غير مصنف

حاجز تياسير نقطة إذلال على مدار أربع وعشرين ساعة

بقلم/محمد أبو علان
عندما قررت قوات الاحتلال الإسرائيلي فتح حاجز تياسير على مدار الأربع وعشرين ساعة كان ذلك عامل بهجة وفرح لدى الكثيرين من سكان مدينة طوباس ومنطقة الأغوار الشمالية، حيث كان هذا الحاجز يسمح بالمرور من الساعة الخامسة صباحاً وحتى التاسعة مساءً فقط، مما كان يعطل مصالح المواطنين ويعيق حركتهم، تم تمديد ساعات المرور عبر الحاجز وبقيت إجراءات الإذلال عليه كما هي حيث لم تشملها كذبة التسهيلات على الحواجز، وكأن الموضوع كان عبارة عن قرار لسلطات الاحتلال بزيادة عدد ساعات الإذلال على الحاجز ولم يكن القصد زيادة ساعات المرور للتخفيف عن المواطنين.
بالأمس قررت اصطحاب عائلتي لزيارة منطقة الأغوار الشمالية (بردلا، كردلا، عين البيضاء، الفارسية والمالح)، ومنذ الانطلاق من البيت وأسئلة أفراد العائلة تتمحور حول إجراءات المرور عبر الحاجز، إن كان عبورهم سيكون بالمركبة أم سيراً على الأقدام؟، وهل سيتعرضون للمسألة من قبل جنود الحاجز؟، وماذا سيجيبون في حال تعرضهم لبعض الأسئلة؟.
حاولت التهدئة من روعهم وإعطائهم الانطباع أن الأمر سهل ولا يحتاج لكل هذه التساؤلات، والأمر لا يتطلب غير حيازتهم لبطاقة الهوية الشخصية فقط، ما أن وصلنا على مشارف الحاجز حتى كان عليهم النزول من المركبة والعبور سيراً على الأقدام لعشرات الأمتار ومن خلال بوابة الكترونية كتلك الموجودة على المعابر الدولية وذلك وفق أوامر الجنود المتمركزين على الحاجز، لم يأخذ الجنود بعين الاعتبار أن والداتي تجاوز عمرها الستون عاماً، ولا لأطفالي الذي كان أصغرهم ابن ثماني سنوات وأكبرهم خمسة عشر عاماً، شاهدت الخوف في عيون الأطفال، والتوتر والريبة في عيون الكبار من لحظات عبور الحاجز.
بعد مرورهم جاء دوري للعبور بالمركبة على الحاجز، وهنا تأتي قمة الإهانة والإذلال، إذ كان عليّ التوقف على بعد عدة أمتار من الحاجز، ومن ثم رفع ملابسي حتى يظهر الجزء العلوي من جسدي لعيون الجنود على الحاجز للتأكد من خلو جسمي من أية متفجرات أو أحزمة ناسفة، وهذا الإجراء مطلوب من كل سائق مركبة يريد العبور على هذا الحاجز، حينها لم استطع تقدير الحد الذي وصل إليه خيال أطفالي وأنا في هذا الموقف المهين أمامهم، ولم أدرك أن عرفوا مقاصد الجنود من وراء إجراءات العبور المهينة على هذا الحاجز أم لا؟.
الطريق المقام عليه حاجز تياسير يعتبر شريان رئيسي لمحافظة طوباس التي يسكنها ما يقارب أل (51000) مواطن يضطر معظهم لاستعمال هذا الحاجز كونه يشكل منطقة العبور الوحيدة للأراضي الزراعية في المحافظة، كما أن هذا الحاجز يعيق الحركة بشكل مباشر ويومياً لما يقارب أل (5500) مواطن يعيشون خلف الحاجز في تجمعات (بردلا وكردلا وعين البيضاء والفارسية والمالح، وتل الحمة) يضطر معظهم لعبور هذا الحاجز بشكل يومي إما للعمل أو الدراسة أو العلاج أو الزيارات العائلية.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتذرع بالضرورات الأمنية لبقاء هذا الحاجز، ولكن بعد مرورك عن الحاجز والنظر إلى قمم الجبال تكتشف زيف وبطلان هذا الإدعاء، الهدف الرئيسي من ورائه هو التضييق على السكان المحليين بهدف تهجيرهم من أراضيهم لصالح المستوطنات الزراعية التي أقيمت في منطقة الأغوار الشمالية ومنها على سبيل المثال لا الحصر مستوطنة “روتم” التي أقيمت على أراضي منطقة “الفارسية” ، ومستوطنة “ميحولا” التي تعتبر أول مستوطنة زراعية أقيمت في الضفة الغربية في أعقاب الاحتلال مباشرة في العام 1967 على أراضي قرية “عين البيضاء”، هذا ناهيك عن المساحات الواسعة التي أغلقت لأغراض عسكرية منها للتدريب ومنها ما أقيم عليها معسكرات ضخمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي كما هو الحال في منطقة المالح.
هذا غيض من فيض مما تعيشه هذه المناطق التي يطلق عليها “سلة خضار فلسطين” تصادر وتهود بصمت كغيرها من الأرض الفلسطينية، ولا نملك غير الشجب والاستنكار والإدانة لإجراءات الاحتلال في هذه المناطق، فالاحتلال ماضٍ في إجراءاته من مصادرة وإغلاقات وتوسيع للمستوطنات، ونحن ماضون في خلافاتنا إلى يوم تبعثون.

زر الذهاب إلى الأعلى