في تحليل ثاقب يقدم البروفيسور (رايدر فيشر) تصورا جديدا لتوجهات السياسة الأميركية حول العراق ولاسيما بعد زيارة نائب الرئيس الاميركي بايدن الى بغداد، ويعيد هذه الزيارة الى الثوابت الجديدة للسياسة الاميركية ممثلة بادارة اوباما ، حيث يشير ( رايدر) الى انه في 27 شباط من هذه السنة ، أعد الرئيس باراك اوباما احد افضل الخطب حول العراق المعدة من قبل مسؤولين اميركيين كبار منذ مدة طويلة . وقد هنأ اوباما العراقيين لأنهم قاوموا قوى التقسيم، وفي الوقت الذي اشار فيه الى الحاجة للمصالحة السياسية ، فانه احجم بشكل مناسب عن فرض تفسيره الخاص حول ماهية المشاكل المتصلة وكيف سيتم حلها. وبهذه الشاكلة، فان الخطاب كان متناغما مع المقاطع الافضل لخطابه في القاهرة في حزيران ، والذي خرج فيه عن طريقه ليعلن بوضوح بأن لا نوايا لديه ، لصياغة علاقات اميركا مع العالم الاسلامي من طرف واحد حيث يتم الاهتمام بمصالح طرف واحد فقط. وبالرغم من ذلك ، وبعد اعادة ظهور جو بايدن على المسرح العراقي في عطلة نهاية الاسبوع – ولكن هذه المرة كنائب للرئيس الاميركي ومبعوث خاص كلف لتسهيل المصالحة الوطنية في العراق – فان هناك خطورة معتبرة بان المتفائلين بين العراقيين من خطاب اوباما الاول ، وفي الوقت نفسه ، التقدم الاساسي باتجاه المزيد من النضوج من السياسات المرئية من انتخابات كانون الثاني المحلية ، فان كلاهما قد ينقلب على الضد . والإشارات المقتضبة العلنية التي اعلنها بايدن ، وكذلك ايضا التي اعلنت من قبل كبار المسؤولين الاميركيين المرتبطين بالزيارة ، كلها عرضت انه في الوقت الذي قد ينضج العراق بنفسه ، فان السياسة الاميركية في العراق ليست كذلك . وتصوريا ، تبدو واشنطن في مأزق في لغتها منذ سنة 2007 ، وهي تتقيد بالتالي بالمخاطبات العلنية حول العراق والتي تحمل ذات المعالم القديمة والأنماط المبتذلة من التحليل . وفي الاسوأ فان اختيار الكلمات من قبل القادة الأميركيين قد تساعد في انعاش القوى الطائفية جدا والتي تشير اليها واشنطن بأنها اهتمامها الاساسي .
وربما قد لا يأتي هذا التطور بالكثير من الدهشة . وبعد كل شيء- بحسب رايدر-، وبالنسبة لاوباما فان خطاب كامب ليجون في شباط يمثل شيئا من الاستثناء لمجمل خطابه بالنسبة للعراق . وبسياق اخر ، فان تعهداته المتصلة بالمصالحة الوطنية في العراق هي بكل دهشة خارج الاشارة ، وغالبا ما تصاغ بلغة فات عليها الزمن ، بحيث انها تصبح مختلفة مباشرة مع طموحه المعلن ولكي تكون في مفردات الحوار مع الشرق الاوسط .
وعلى سبيل المثال ، وفقط بعد اسابيع من الخطاب الواعد في ليجون وفي اشارة الى قناة سي بي اس للاخبار في 29 اذار ، فقد علق اوباما بان : ((هناك لازال عملا يجب القيام به على الجانب السياسي لاعادة حل الاختلافات بين مختلف المجموعات الطائفية حول مواضيع مثل النفط ، وحول مواضيع مثل الانتخابات المحلية)). وحيث ان مثل هذا التعليق قد يبدو بريئا وحتى غير مثير للإهتمام في البدء ، فانه يتضمن في الحقيقة خطأ خطيرا يتصل بالعلاقة بين النفط والهوية العرقية- الطائفية . وغالبا فان اساءة التفسير في الغرب كمشكلة حول المشاركة في العوائد بين ثلاث مجموعات عرقية – طائفية ، فان موضوع النفط في العراق هو في الحقيقة لا يتعلق كثيرا بتوزيع العوائد ، ولكن بدلا من ذلك في الحق في توقيع العقود مع الشركات الاجنبية – حيث الحزبين الكرديين الكبيرين يتواجهان بعيدا ضد الكل . ومعظم العراقيين في الجنوب او كردستان ربما يعملون على اعاقة فكرة مثل ((حصة الشيعة)) او ((حصة السنة)) بالنسبة للنفط ، ويبدون موافقين بان عوائد النفط العراقي يجب ان توزع استنادا الى صيغة محددة لكل فرد ، وبشكل متساو عبر العراق برمته. ويقف الشيعة والسنة كلاهما للاستفادة من هذا ، لان كل النفط تقريبا هو متمركز في الجنوب في البصرة ، والتي اظهرت نفسها في الماضي بمظهر النازع للشك بهيمنة الخارجيين من وسط العراق ، سواء كانوا من الشيعة او السنة ، وبكلمات اخرى ، فان النفط في العراق ليس موضوعا يحتاج الى التوافق بين ((المجموعات الطائفية)) كما يعظ اوباما .
ومؤخرا، فقد اكد اوباما افكارا مماثلة، وفي مؤتمر صحفي في حزيران ، اشتكى قائلاً: انا لم اشهد الكثير من التقدم السياسي في العراق ؛ في المفاوضات بين السنة والشيعة والاكراد ، كما اود رؤيته . وقد مضى لكي يعرض بان : ((التحدي الاكبر سيكون ، هل يستطيع الشيعة والسنة والاكراد حل بعض هذه المواضيع السياسية الكبرى ، مثل ما يتعلق بالفدرالية وما يتطلب عمله حول الحدود وكيفية توزيع عوائد النفط)). ومرة اخرى فان العديد من هذه الملاحظات هي اشكالية بالتجربة . نعم هناك مواضيع حدود بين الاكراد والعرب ، ولكن السنة والشيعة في قمة توافقهم فيما يتعلق بالمشاركة في عوائد النفط ، هم الان في معظمهم في اتفاق حول الفدرالية . والانشقاق الرئيسي اثناء الانتخابات المحلية كان بين المركزيين ( ومن ضمنهم الاسلاميين السنة – الاسلاميين الشيعة ، والعلمانيين ) واللامركزيين ( الاكراد وبعض الاسلاميين الشيعة القليلين ) . وقد خسر اللامركزيين بشكل سيء ، ومن المتوقع بصورة عامة بانه في المستقبل – وبغياب أي تدخل خارجي – فانه سيكون هناك دعم واسع النطاق بين السنة والشيعة معا الى المزيد من صيغة الدولة المركزية في العراق جنوب كردستان . وبحسب رايدر فان (الموضوع الكبير الذي ينطوي على عنصر طائفي اكيد ، هو الحاق ميليشيات السنة ((بناء العراق)) في قوات الامن العراقية ، لم يذكر من قبل اوباما في هذا السياق . وبالرغم من ذلك ، وفوق كل شيء فان الاهمية المتناقصة بشكل دراماتيكي بمجرد ان ندرك بان الانقسام الرئيسي هو ليس بين الشيعة والسنة ، وبان سنة العراق ضمن أي درجة هم اكثر من ميليشيا ((ابناء العراق)) ولهم غالبا اولويات غير طائفية اخرى. وبالعودة الى جوزيف بايدن، وقبل انتخابه نائبا للرئيس، كان بايدن من بين الرموز الاميركية الرئيسية من المعتنقين لنظرية بان المفتاح الى السلام في العراق هو نوع من التوافق الكبير بين الثلاث مجموعات العرقية – الطائفية . وبالعودة الى ذلك الوقت ، فقد طور هذا النقاش الى الحل الاقليمي ، حيث طرحت الفدرالية لتكون الوسيلة الاساسية لاعادة صياغة النظام السياسي العراقي . وخطته لاقلمة عملية المصالحة الوطنية بهذه الطريقة ادينت بشكل شامل عبر العراق، وجوبهت لاحقا بالانتقاد في واشنطن ايضا . ولكن حيث سمع القليل حول التكرار الاول لـ (خطة بيدن) منذ ان انتخب اوباما رئيسا ، وعاد بايدن نفسه في تركيز الاضواء بشكل متدرج على الموضوعات العراقية . وفي هذه المرة ، يبدو انه يتهيأ لترويج شكل غير اقليمي للنظرية نفسها للتوافق الثلاثي الكبير .
واثناء زيارة اوباما للعراق في شهر نيسان ، علق بايدن ، ” احد الاشياء التي قالها الرئيس منذ البداية هو بالاضافة الى سحبنا للقوات ، فان من الضروري هناك ، التساكن السياسي المستقبلي بين السنة والشيعة والاكراد “. وفي عطلة نهاية الاسبوع الماضي حيث قام بايدن نفسه بزيارة العراق ، فانه اعلن بان هدفه هو :” اعادة اقامة الاتصالات مع كل قائد بين الاكراد والسنة والشيعة “. كما لو كان لابراز فكرة بان هذا الجهد الدبلوماسي كان عملا خيريا من جهة الولايات المتحدة مصمما لانقاذ العراق قد ينتهي بخلافه الى التشظي الملعون . والنسخة المعدلة غير الاقليمية لخطة بايدن ، كان لها تأثيرها على الوضع في العراق بعدة طرق . فاولا هي تخدم لتأكيد الفكرة المضللة بان المشكلة في العراق هي بالاساس بين ثلاثة مجموعات تتبادل العداء . وهذا الاسلوب هو اشكالي اجتماعي الى حد كبير ، بحيث ان القليل من الاكاديميين يتضايقون من اعتباره جديا بعد الان ( انقسامات داخلية شائعة ، تحالفات طائفية داخلية ، خلفيات اجتماعية مختلطة ثبات الوطنية العراقية والخ ) ولكن حينما تبقى واشنطن ترددها ، فانها يمكن بسهولة ان تغذي مرة اخرى النزاع العراقي . وحينما اراد اوباما ان يعزز المصالحة الوطنية بين المجموعات الثلاث، وحينما اراد بايدن التكلم الى ” كل القادة ” للمجموعات الثلاث، اصبحت الدبلوماسية الاميركية مبنية بطريقة بحيث انها لاحقا جلبت الى الامام هؤلاء الذين يكونون التشكيلة الثلاثية والمفترض انها مصصمة للقتال . وعلى سبيل المثال ، مع هذا النموذج العلماني الذي يصبح حقيقة مستحيلا في العراق ، لان اميركا تريد فقط إجراء مباحثات جدية مع هؤلاء القادة الذين يدعون الى العواطف العرقية والطائفية وسوف يمارسون ( مساومة كبيرة ) على هذا الاساس . والانقسامات العرقية – الطائفية ايضا التي حاول القادة العراقيون تجاوزها في الانتخابات المحلية في هذه السنة ، هي مرة اخرى ، مجسدة ، والعودة بسهولة الى الاجندة لان العراقيين يذكرون انفسهم بطرق قوية . وفي الحقيقة ، ففي كل مرة احتفظ اوباما وبايدن بحاولة اعادة ترديد هذه الافكار حول الحاجة الى التوافق السياسي ” بين السنة والشيعة والاكراد ” حول مواضيع مثل ” المشاركة بعوائد النفط ” فانهم يجعلون الامر اكثر واكثر احتمالا بان الانتخابات البرلمانية في سنة 2010 سوف تكون اعادة لانتخابات سنة 2005 ، مع الولاءات الطائفية في وسط المسرح . وبعكسه ، فان هذه ” القوى الجديدة التي ظهرت بشجاعة في الانتخابات المحلية الاخيرة سوف تشعر بثبوط العزم . وبالتأكيد فان اية مصالحة يتم اجبار العراقيين عليها الان ، كمقدمة لانتخابات 2010 ومع الاختلال الوظيفي الحالي وبرلمان غير ممثل كأطار ، فان النتيجية الخالصة سوف تكون سلب القوى غير الطائفية من الجدال القوي في حملة الانتخابات البرلمانية القادمة . وهذه القوى تريد ان تعطي الرأي العام العراقي الفرصة الوحيدة لاجراء مناقشة مفتوحة للمظاهر الاساسية للنظام السياسي العراقي – وبكلمات اخرى ، فان ، خلاف بعض الانواع من التوافق في الغرف الخلفية بين القادة الطائفيين تحت رئاسة الاميركيين .
والصيغة غير الاقليمية لخطة بايدن لها اسم بالعربية : المحاصصة ، او المشاركة في الحصص – وفي هذه القضية بين المجموعات العرقية – الطائفية . واستنادا الى هذا المنطق ، فان السياسات العراقية مبنية على اساس العلاقة بين المجوعات الثلاث الكبيرة العرقية – الطائفية ، وصيغة المشاركة تستعمل كمرحلة للمضي الى التوافق السياسي الكبير ، وما لم يبدو ان اوباما وبايدن قد فهموه هو ان معظم العراقيين يمقتون بشدة هذا النزوع النفسي للتقسيم بقدر ما يكرهون الصيغة الاقليمية والتي تم تبنيها باسم الفدرالية العرقية – الطائفية في سنة 2007 . وهذه الكراهية واضحة بامعان لخطاب العراقيين المنتقدين للنظام السياسي الذي تم تبنيه في سنة 2005 . وهنا فقد تم تصوير المحاصصة كضعف للسياسات العراقية والتي وضعت بعودة المنفيين العراقيين وبول بريمر في سنة 2003 ، والتي تقيحت منذ ذلك الوقت ، ونمت كمشكلة كبيرة والتي منعت المهنيين والاذكياء من التجذر في الدولة العراقية ، ولكن في الوقت الذي اطرى المراقبون الاميركيون على طبقة المفكرين العراقيين ( ومنهم العديد من الشيعة ) والذين حذروا من تزايد النظام الاستبدادي في الدولة العراقية وكذلك ايضا من تزايد النفوذ الايراني ، فانهم بدو – المراقبون الاميركيون – انهم يقلبون العين التي لاتبصر باتجاه هؤلاء المهنيين حينما انتقدوا مفهوم المحاصصة . وحول هذا الموضوع هناك ببساطة انقطاع كامل في الاتصالات بين العراقيين والاميركيين . وهناك ابعاد اقليمية لذلك ايضا ، ولاحقا ، كان هناك مؤشر ايجابي بان العراقيين هم في عملية التغلب على المحاصصة . واداء المالكي في الانتخابات المحلية في شهر كانون الثاني ، كان معزوا بشكل عام الى مفرداته – المالكي – المرددة عن الوطنية والقيم المركزية ، مع الوعد بالعمل على الاصلاح الدستوري في المستقبل . والدستور العراقي نفسه مفتوح للنظام السياسي القائم على الاغلبية منذ سنة 2010 وما بعدها ، لان الرئاسة الثلاثية – وهي التعبير الاوضح للمحاصصة الرسمية في دستور 2005 واحد المعوقات الاساسية باتجاه تشكيل حكومة حيوية – والتي انقضت بسهولة في نهاية الدورة البرلمانية الاولى . ولكن بالرغم من هذه النزعات الايجابية ، فان هناك ايضا جهود سيئة الحظ في الاتجاه المعاكس ، من هؤلاء الذين يحاولون تذكير العراقيين بهوياتهم التي يخضعون لها كأكراد وشيعة وسنة . وكانت الخطوة الاولى والمتنبأ بها قد جاءت من الشرق ، من ايران . فبعد مشاهدة نجاحات المالكي وفشل المجلس الاعلى الاسلامي العراقي في الانتخابات المحلية . وايران منشغلة الان تحاول اعادة قيام الائتلاف العراقي الموحد لكل الشيعة ، كتحالف وطني مفترض ، بالرغم من ان اشخاصا في حزب الدعوة قد اعلنوا بوضوح بان هذه محاولة من ايران لتوحيد الاحزاب الشيعية مرة اخرى ضمن برنامج طائفي موحد . والاكثر دهشة هو هذا الدفع الاخير من الغرب ، ربما بنوايا مختلفة ، ولكن مع التأثير نفسه تماما : وتماما مثل ايران ، فقد جاء بايدن الى بغداد للتحدث حول ” الاكراد والشيعة والسنة ” في الوقت الذي كان العراقيون يصارعون من اجل تجاوز هذه التصنيفات .
واذا رغب اوباما بان يكون مخلصا لوعده الخاص في الاحترام الكبير للعالم العربي والاسلامي ، فانه يحتاج لان يفهم بان العراقيين سيرفضون الصيغة الاقليمية والنفسية لاسلوب التقسيم . والشيء الافضل الذي يستطيع هو وادارته عمله ربما التكلم قليلا وبقدر الامكان حول ” الشيعة والسنة والاكراد ” في المستقبل ، بدلا من محاولة الاجبار على بعض انواع التوافق مستخدمين افكارا تتصل بوضوح الى الماضي ، ولم تعد فعالية واشنطن تعمل عملها ( رفض المالكي الان عروض بايدن مرتين ) ، ويجب ان تستعمل الولايات المتحدة طاقاتها بمساعدة العراقيين لتسهيل الى الحاجة الى التوافق بانفسهم . والانتخابات البرلمانية القادمة في سنة 2010 قد تتحول الى اللحظ الانتقالية والتي لن يعود العراق بعدها الى 2005 ، وقد تستطيع الولايات المتحدة القيام من طرفها بما تستطيعه بالمحاولة لجعل هذه الانتخابات حرة وعادلة باكبر واوسع قدر من الاحساس ، وبالاحجام بشكل عام باعادة انتاج افكار المصالحة الثلاثية والتي تلعب فقط بايدي القوى الطائفية من الماضي .