أرشيف - غير مصنف
فتح وحماس وفشل الحوار الفلسطينى
دكتور /ناجى صادق شراب
لقد كشفت جلسات الحوار الست التى عقدت بين حركتى فتح وحماس وبمشاركة هامشيه من بقية القوى الفلسطينية ألأخرى ، وعلى الرغم من الدور المصرى المستمر والجهد الذى يبذل والزيارة ألأخيرة للوفد المصرى والذى التقى فيها بقيادات من القوتين ، أن المعضلات والخلافات بينهما ما زالت قائمه ، ويبدو وعلى الرغم من التصريحات ألإعلامية المتناقضه والمتضاربه والمتصارعة أحيانا ، أن القوتين تدوران حول نفسهما وفى دائرة مفرغه وتراهنان على عنصر الوقت ، فتح تنتظر مؤتمرها العام وما شكل القيادة التى قد يأتى بها المؤتمر ولا تريد إلتزام مسبق ، وحماس ما زالت تنتظر شكل التحركات الإقليمية والدولية وما قد تسفرعنه من تعاطى مع الحركة أم لا، وان هناك خشية من المصالحة التى قد تفقد كل منهما ما قد أنجزه فى منطقة سيطرته وحكمه ، وبدلا من أن تضيق دائرة الخلاف نراها تتسع على ألأرض من إعتقال وفرض أمر واقع يصعب تغييره بإتفاق مصالحة ، والمشكلة فى كل هذا الخلاف هذا الدور الإسرائيلى الذى يلعب دورا مباشرا فى تحريك عناصر المشهد السياسى الفلسطينى بما يخدم مصلحة إسرائيل فى محاولة منها لإجهاض خيارى المقاومة وخيار السلام ، فإسرائيل لا تريد السلام وتواجه ضغوطات كبيرة فى هذا الشأن من الولايات المتحدة ألأمريكية ، وفى الوقت ذاته لا تريد المقاومة وتريد التهدئة الطويلة ، والسؤال كيف لإسرائيل وبأى خيار يمكن أن تحقق هذة المصلحة وهذا الهدف؟ هذا السؤال ما يجب على الفلسطينيين وخصوصا حركتى حماس وفتح أن تجيب عليه . وأخشىما أخشاة ان يكون عن طريق العامل الإسرائيلى تحقيق ألأهداف الضيقة فى السيطرة وبالتالى نسعى دون أن ندرك ذلك إلى الوقوع فى الفخ الإسرائيلى ولو جاء ذلك على حساب المصلحة الفلسطينية ، وعليه لماذا المصالحة الفلسطينية ؟ فلو تمت من وجهة نظر إسرائيل قد تفرض عليها مزيدا من الضغوطات الدولية وقد تسقط بحكومة نيتنياهو ، ولذلك بدلا من سقوط حكومته ، البديل قد يكون فى سقوط الحكومة والسلطة الفلسطينية ولكن أى حكومة وأى سلطة وهذا السؤال مطروح فلسطينيا ، وأعود وأقول من يستطيع أن يحول دون سقوط حكومة نيتيناهو ؟. أعود ثانية إلى فهم هذا الواقع الفلسطينيى غير المعقول ، وكما أشرت فى مقالة سابقه بعنوان ما لغزة لغزة وما للضفة للضفة أن هذا الخيار كارثى ويعكس حجم ألأزمة بين الحركتين ، لأن من شأن هذا الخيار ان يعطى ويعيد لكل منهما سيطرته وحكمه بدون ألأخر ولكن على حساب الدولة الفلسطينية .
وبقراءة تطور العلاقات بين الحركتين منذ قدوم السلطة الفلسطينية وتفرد فتح على الحكم والسلطة ومرورا بفوز حماس فى الإنتخابات التشريعيى وتقاسمها للسلطة ثم بسيطرتها الكاملة على غزه وتفردها بالحكم فيها ان هذه
العلاقات المتأزمه بين حركتى فتح وحماس قد تجاوزت حالة الإستقطاب والإحتقان السياسى إلى درجة أكثر تعقيدا على سلم درجات ألأزمه ، ومما يزيد من تعقيدات ألأزمة بينهما أن عناصر ألأزمة لم تعد قاصره على العوامل الداخلية أو العوامل البنيوية المتعلقة بهشاشة النظام السياسى الفلسطينى ومؤسساته ، بل تعدتها إلى العوامل الخارجية لتلعب دور المتغير الرئيس فى هذه ألأزمة ، ولذلك باتت ألأزمة تقارب فى أحد جوانبها الأزمة اللبنانية وهى إرتباطها إنفراجا أو تعقيدا على درجة التوافق أو الإختلاف بين القوى الإقليمية الرئيسة وتحالفاتها الدولية ، هذا على الرغم من إرتباط ألأزمة فى هذا السياق بدوافع ومصالح قد تكون بعيده عن المصالح الفلسطينية .
ومن خلال إستقراء تطور الأزمة بين الحركتين ليس فقط منذ سيطرة حماس على غزه عسكريا وإقصائها لحركة فتح ، ولكن منذ سنوات طويله قد تعود فى جذورها الى سنوات قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ، يمكن التأكيد على أن هذه الأزمة لها أبعاد ومظاهر كثيره ، فمن ناحية ترتبط ألأزمة فى أحد ابعادها بالأبعاد الشخصية التى تربط وتتحكم فى سلوكيات صانعىالقرار فى كلا ألحركتين ، وفى بعد آخر ترتبط بطبيعة البرنامج السياسى لكليهما ، ، وفى البعد الثالث ترتبط بهشاشة النظام السياسى الفلسطبنى وقدرته على توفير إطار سياسى واسع للتوافق السياسى بين جميع الحركات السياسية الفلسطينية . وليس فقط بين حركتى حماس وفتح . وفى بعدها الرابع ترتبط بضعف وهشاشة مؤسسات المجتمع المدنى بما فيها ألأحزاب والقوى السياسية وقدرتها على خلق حالة من التوازن تخفف من حالة الإستقطاب السياسى الثنائى وإختزال النظام السياسى الفلسطينى بالقوتين الرئيسيتين ، وفى بعدها الخامس ترتبط وكما سبق أن أشرنا بدور العوامل الخارجية الإقليمية والدولية وهو الذى ظلت القضية الفلسطينية عبر مراحلها الطويلة مرهونة بشكل التحالفات وموازين القوى التى حكمت علاقة القوة بين القوى الإقليمية والدولية الساعية للسيطرة على موارد المنطقة وخصوصا الولايات المتحده وعلاقاتها التحالفية مع إسرائيل .وفى السياق ذاته لا يمكن تجاهل دور المتغير الإسرائيلى بإعتباره متغيرا رئيسيا فى معادلة الصراع والقوة فى المنطقة ، ودورها فى تعميق أسباب ألأزمة من خلال التحكم فى المتناقضات بين الحركتين وتصويرهما على أنهما حركتين فلسطينييتين متعارضتين وغير متقابلتين سياسيا . وكأن إحداهما تعارض المقاومة بالمطلق وألأخرى تدعم المقاومة وخصوصا المسلحة منها .
هذه الأبعاد والعلاقات التفاعلية المتبادله بينها تفسر لنا حجم عمق ألأزمة بين الحركتين والتى إنعكست فى العديد من المظاهر تتفاوت ما بين التشكيك فى شرعية كل منها ، مرورا بالخطاب الإعلامى التحريضى والتخوينى ، والتنازع على السلطة وأحقية كل طرف بموقفه وإنتهاءا بحملات الإعتقالات واللجوء إلى بعض أساليب القوة فى حسم ألأمور .
هذا وتتجه ألأزمة بين الطرفين على حصر التفكير ليس فى البحث عن المخارج والحلول ، بقدر الدفع فى إتجاه مزيد من ألتأزم والتصعيد وذلك بهدف الخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب ، وبلغة إدارة ألأزمات الطرفان يمارسان إستراتيجية لعبة المباراة الصفرية بمعنى زائد واحد مقابل ناقص صفر للطرف الأخروهذا ما قد يفسر لنا بعض المواقف المتشدده فى داخل الحركتين ، ورفض التعامل حتى ألأن مع ألأزمة مع كل الحلول والمبادرات المطروحة .
وفى يقينى تذهب العلاقات بين القوتين الرئيسيتين على ما يعرف بلعبة أو إستراتيجية الكتكوت ، وهى عبارة عن سباق بين سيارتين مندفعتين بسرعة كبيرةفى إتجاه واحد فى طريق ضيق لا يتسع إلا لسيارة واحده ، وأمامهما الخيارات التالية ، إذا إستمرا فى سرعتها فالإصطدام بينهما حتمى وسيؤدى الى تدميرهما ، وإما إذا توقف إحداهما حتى يمر ألأخر فقد يكون من وجهة نظره ونظر ألأخرين موضع إستهزاء ، ولذلك الخيار ألأفضل هو أن يتوقف كل منهما فى نفس اللحظة تفاديا للخيارين السابقين . وهذا الخيار هو الخيار الفلسطينى الذى يستند على المصلحة الوطنية والحوار الوطنى الجدى بمشاركة الجميع من أجل بناء نظام سياسى لمواطنيه جميعا وليس لهذا التنظيم أو ذاك .
دكتور /ناجى صادق شراب /استاذ العلوم السياسية /جامعة ألأزهر /غزه