مسامير وأزاهير ( 82 ) … السيد أبا مازن هلا أصغيت لي قليلاً !!!.
وأتساءل بمرارة في الفم ووجع يعتصر الفؤاد … أليس أمراً مخجلاً مضحكاً مبكياً أن ينتظر رئيس دولة فلسطين أن تتاح له الفرصة لإظهار قدراته وبراعته في خدمة شعب فلسطين من خلال قناعة وتعطف رئيس حكومة العدو الصهيوني!!، وأليس تهديد السيد الرئيس أبي مازن لأمريكا بحل السلطة وإلقاء مسئولية فشل عمله على ممارسات العدو الصهيوني وعدم تعاونه معه مؤشراً ودليلاً دامغاً على أن إرادة السلطة ومشيئتها إنما هي مرهونة بموافقة وقبول ورضا وقناعة العدو الصهيوني !!؟، وبالتالي … أليست ولادة السلطة التي تمت في أوسلو إنما كانت قد دبرت وتمت وفق اشتراطات أمريكية بتنسيق وتفاهم مع الكيان الصهيوني لإمرار ما يمكن إمراره وصولاً لتركيع إرادة الشعب الفلسطيني !!.
وإزاء الحقائق أعلاه … ومادام السيد أبو مازن يدرك أن الكيان الصهيوني ( الذي اغتصب الأرض الفلسطينية وشرد شعبها وأذاقهم المر والهوان !!) غير معني بالمرة بتقديم التسهيلات والتنازلات له كي يبرهن للشعب الفلسطيني أنه قادر على تحقيق ما كان قد وعدهم به من حلم إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة ، فإنه قد كان من باب أولى به وحفاظاً لما تبقى من قطرات حياء ماء الوجه أن يختار أحد الخيارين التاليين :
1. الإعلان على الملأ عن حل تلك السلطة التي أثبتت عدم جدوى وجودها وتأسيسها ومن ثم العودة مجدداً للخيار الطبيعي للشعب الفلسطيني المتمثل بالمقاومة والتصدي.
2. أو انسحابه من المشهد السياسي تاركاً المجال لغيره كي يجرب حظه في انتزاع ما يمكن انتزاعه من مخالب الكيان الصهيوني، وكذا فليفعل السيدان صائب عريقات وأحمد قريع بدلاً من الإصرار والعناد والاستمرار لسنوات طوال على متاهة طاولة مفاوضات عبثية جـرّت الويل والثبور على أبناء شعبنا الفلسطيني!!.
لا أقول قولي هذا اعتباطاً وتجنياً على من ذكرت من أسماء أو قفزاً على الحقائق والمعطيات ، إنما أقول ذاك استناداً لمعطيات ما تمسكوا به وأصروا على صواب منهجه رغم عبثه وعقم نتائجه ، فمذ تبوأ السيد الرئيس أبومازن مهامه باستلامه مقاليد كل من رئاسة السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح بعد رحيل مفاجئ مثير للجدل للمغفور له أبي عمار ( رحمه الله ) فإنه كان قد تناسى وأنكر حق المقاومة الشعبية الشرعية المكفولة المدعومة بقرارات دولية وأصر على الدوام على الخيار الأمريكي فانغمس في مفاوضات عبثية استغرقت فترة ليست بالقصيرة من أجل استكمال ما كان قد بدأه باعتباره مهندس اتفاقية أوسلو والتي كان من نتائجها دخولنا في نفق مظلم معتم ومتاهة سياسية لا أول لها ولا آخر جراء المعطيات التالية :
1. زيادة تعقيد أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية من خلال ارتفاع الجدار الكونكريتي العازل للقرى والمدن الفلسطينية !!.
2. التشبث بخيار السلطة الأيدولوجي المناوئ لفكرة مقاومة الشعب الفلسطيني مما تسبب في زيادة الخناق المفروض على أبناء المقاومة بشتى ألوان فصائلها ( ومن ضمنهم أبناء فتح الأصلاء ) والذي تكلل بزجهم في السجون ومصادرة أسلحتهم .
3. ظهور واتساع حالة التنسيق الأمني بين السلطة والكيان الصهيوني وبشكل لم يسبق له نظير في كل تجارب وقضايا التحرر العالمي لاسيما في ظل تواجد الجنرال الأمريكي دايتون الذي بات يملك مفاتيح كل شيء في رام الله.
4. إرتفاع بوتائر الاستيطان وتزايد بعمليات قضم الأراضي الفلسطينية وهجمة شرسة من أجل تهويد القدس وأحيائها.
5. بعد ما كان الموقف والهم الفلسطيني واحدا رغم اختلاف مناهج الفصائل وتعدد ايدولوجياتها , ها نحن نعيش مرحلة الانقسام والصراع والتفتت الفلسطيني بشكل عام ، وانشقاق داخل حركة فتح ذاتها والذي تمثل بشكل واضح بتلكؤ انعقاد المؤتمر الحركي السادس للحركة وجدل كبير حول مكان انعقاده داخل أم خارج أرض الوطن السليب.
إن كان عذر السيد الرئيس أبي مازن بتشبثه بخيار أمريكا يتمثل بجهله بمكنونات التفكير اليهودي التي تتمثل برفضهم إعادة الأراضي العربية المحتلة إلى أصحابها والخضوع لأطروحات السلام المزعوم من منطلق إيمانهم ( المزعوم !!) بإن تلك الأراضي إنما تندرج تحت إطار ما يعرف بأرض الميعاد وأنها هبة من الرب لهم حصراً وتحديداً لا يجوز لهم التفريط بها أو التنازل عنها … أقول بأن عذره بجهل الأمر هذا إنما هو في حقيقته مصيبة حطت على رؤوسنا ، وأما إن كان يدري ويعي حقيقة مكنونات التفكير الصهيوني تلك ويصر على التواصل والإيمان بإمكانية تحقيق ما وعد به فإنها وحق الله تكون مصيبة أعظم لا حل لها ولا دواء ، وفي كلا الحالتين ( المصيبة والمصيبة الأعظم !!) فإنه يحق لنا وبظل هذا الانشقاق والتشرذم وضعف الموقف الفلسطيني والعناد والإصرار الصهيوني أن نرفع صوتنا فنتساءل بمرارة وألم عن فرص نجاح السيد أبي مازن بانتزاع ما يؤمن به الصهاينة بأنه حق ( رباني ) لهم بهذه البساطة والسهولة!!؟.
ثم … ألا يحق لنا أن نتوجه بالتساؤل إلى السيد الرئيس أبي مازن ومستشاريه الأفاضل عن الاستيطان الذي يطالب الكيان الصهيوني بإيقاف عملياته وتجميده قبل الموافقة على لقاء في بئر السبع كان قد وجهه النتن ياهو قبل أيام من أجل إجراء التفاوض والتباحث :
1. هل أن مطالبة السلطة بوقف الاستيطان تقتصر على وقف الاستيطان المستقبلي أم أنها وضعت في حسبانها تجميده أم إيقاف النمو الطبيعي للمغتصبات القائمةً!؟.
2. وإذا كان مطلب السلطة يقتصر على وقف الاستيطان المستقبلي ، فما موقفها من المغتصبات المقامة في مدن الضفة الغربية والتي قطعت أوصال مدن الضفة وجعلت حياة أبناء الضفة جحيماً لا يطاق !؟.
وفي ظل دعوة النتن ياهو الأخيرة للسيد الرئيس أبي مازن للقائه في بئر السبع من أجل البدء بمباحثات جديدة ، وتوقفاً واستذكاراً لمعطيات جولات المفاوضات السابقة ومشهد ما تحقق حتى الساعة ، فإنني لا أرى بدعوة النتن ياهو تلك إلا تكراراً لما حدث من إضاعة للجهد والوقت في مفاوضات ومباحثات يمكن أن توصف بأنها عملية منظمة مبرمجة اتسمت بالتسويف والمماطلة الصهيونية لم تؤد إلا لترسيخ أقدام الكيان الصهيوني وفرض وجهة نظره بشأن هذه المغتصبات المشادة وغيرها من ثوابتنا الوطنية ، وبالتالي فإننا سنبقى في المربع الأول وفي الحلقة المفرغة من النقاش والجر والعر بحثاً عن إجابة واتفاق في كيفية تنفيذ البند الأول من خارطة الطريق وللاتفاق على تعريف الاستيطان … وهل هو وقف لجميع أشكال الاستيطان أم سيقتصر الأمر على تجميده أم سيكون وقفاً للنمو الطبيعي للمغتصبات القائمة حالياً … وهل هي شرعية أم غير شرعية !!؟، وإن تم الاتفاق أخيراً ( وكما متوقع بتنازل مفاوضنا !!) فإن جل ما سيتم الاتفاق عليه مع الجانب الصهيوني نزولاً للضغط الأمريكي الأخير سيتمثل بقيام حكم ذاتي تحت حراب الاحتلال الصهيوني ووصايته الكاملة على مقدرات شعبنا مع بقاء المغتصبات الصهيونية بمستوطنيها في الأرض الفلسطينية السليبة ، اما الثمن الفادح الذي سندفعه والذي سيجنيه النتن ياهو في مقابل ذاك فهو المزيد من التطبيع العربي وانفتاح المشهد العربي برمته لهم يضاف لذلك رضا واستحسان أمريكي وأوروبي!!.
وقبل أن يعطي السيد الرئيس أبو مازن الضوء الأخضر فيلبي دعوة النتن ياهو للقائه في بئر السبع ، فإنني أتساءل بمرارة أيضاً إن كان السيد أبو مازن ومستشاروه قد تناسوا أم أنهم يتجاهلون تلك الوثيقة المسماة بـ ( اتفاق الرف ) والتي كانت قد أعدتها شعبة التخطيط في القيادة العامة للجيش الصهيوني بتوجيه ومباركة حكومة أولمرت السابقة والتي عرضت على الإدارة الأمريكية في عهد بوش الصغير لتبنيها ودعمها وتسويقها دولياً وعربياً لفرضها على الجانب الفلسطيني بحيث تستثني من المفاوضات والمباحثات النقاط التالية :
1. مدينة القدس ومحيطها.
2. مناطق الاغوار الفلسطينية.
3. الكتل الاستيطانية.
4. جدار الفصل العنصري.
5. مصادر المياه وشاطيء البحر الميت.
6. قضية اللاجئين الفلسطينيين .
لقد باتت خارطة الطريق أشبه بذلك المجسم الصغير ذي الممرات الملتوية والمتشعبة في مختبرات علم الأحياء والذي يتم فيه اختبار ذكاء فأر التجارب ودراسة ردود أفعاله تائهاً بين هذه الممرات بحثاً عن قطعة الجبن الموضوعة عند نهاية الممر … هكذا صار مشهد حالنا مع اختلاف بسيط ، فرغم صعوبة واتساع متاهة ممرات ذلك المجسم إلا أن الصهاينة غالباً ما يحركون بعض حواجز تلك الممرات لتزيد الأمر علينا تعقيداً !!.
سماك العبوشي
15/ 7 / 2009