أرشيف - غير مصنف
لماذا تستهدف قيادات الابداع الفلسطينية
محمود عبد اللطيف قيسي
راهن العالم الأرعن والأعور المتآمر منه والمستهتر بقضايا الشعوب المستضعفة أو المغلوب على أمرها والطامع بتجاوز حقوقها ، على حتمية وصول الشعب الفلسطيني لمرحلة نكران الذات والقبول بالمقترحات المطروحة أمامه بهدف المساهمة وبتوقيع يديه على حل القضية الفلسطينية بما لا يتناسب مع ثوابته ولا يتوافق مع خياراته واستراتيجياته ، والتي كانت تسمى قبل عهد الريادة والإنجاز وانطلاقة الثورة الفلسطينية الحديثة بالمشكلة الفلسطينية ، ظانين بإمكانية اندحار الهوية الوطنية الفلسطينية والمشروع الوطني للشعب الفلسطيني الراغب بدولة ذات سيادة فوق أرضة الفلسطينية ، كباقي شعوب المنطقة العربية التي تمكنت من أوطانها بعد زوال الاستعمار الاوروبي الحديث عنها ، كما وظانين بحتمية انصهاره في البوتقة العربية ليس من أجل الوحدة العربية ، الأمل القومي للجماهير العربية بمن فيها الفلسطيني التواق لها ، بل بهدف طمس الهوية الوطنية الفلسطينية الخاصة ودمجها بلا هوية في محيطها العربي الرافض هو ذاتة لمثل هذه المشاريع التصفوية ضد الشعب والقضية الفلسطينية .
وكما هو مدون في صفحات التاريخ فإن الشعوب كلها ومنذ تفجر الحضارات الإنسانية تُخص بقيادات ريادية تخرج من بينها حاملة مشاعر النور، لتنقلها من مرحلة الخنوع والأنا والعبودية لبعضها أو لغيرها ، الى مرحلة العزة والشموخ والمجد العلي وبناء الذات والشخصية الوطنية ، لنيل المطالب الوطنية إذا ما تمت مصادرتها من الأخرى القريبة أو البعيدة ، وذلك بالإصرار على البقاء والنضال والتحدي .
والشعب الفلسطينيي تحديدا من بين الشعوب القليلة المتعثرة سياسيا التي واجهت خطر الإنكسار والإندثار ، وفاقدة الحق بالدولة مع وجود الوطن الخاص بها بفعل التداخلات الإستعمارية منذ نشوء الحضارات وحتى اليوم ، المستهدف من الآخر الأقوى الفاقد للإنسانية والراغب بالسيطرة على أرض ووطن غيره ، إلا انه امتاز أكثر من غيره بقوة المنطق وبإصراره على الحق والوطن الذي له ، والصراع من أجل البقاء مع الأقوى الذي حاول وما زال طمس معالم وجوده وحقوقه ، الصفات الحية التي ميزت كل ابناء الشعب الفلسطيني داخل الوطن المصادر من الكيان الإسرائيلي وخارجه ، كما وتميزهم بالمسلكيات الوطنية الثورية والتي كان من بينها وأهمها النضالية الجهادية ، في حين أنّ غيرها في تلك المجموعات المستهدفة ممن مرت بنفس ظروف القضية كانت نتيجة ضعفها وعدم إصرارها على نيل حقوقها ، إما أبيدت كشعب الهنود الحمر في الأمريكيتين ، أو تمازجت وذابت في محيطها الجديد مع المستوطن القادم بسلاحه وجبروته غازيا بحجة أنه المستكشف الجديد الذي إنتهك حرمة أوطانها وفتك بسكانها كما في أستراليا مثلا ، أو تكون هاجرت وتركت أوطانها لغازيها وقاتليها ومدمري حضارتها وثقافتها كبعض شعوب بحر قزوين التي ربما تكون عزت عليها حياتها المهددة أكثر من أوطانها المستهدفة ، فبحثت عن الأمن والأمان في عالمها الجديد الذي رحب بها وأنصفها .
إلا أنّ الشعوب العقائدية في تلك المنظومة من الشعوب المستهدفة ذات الطابع الثوري المقاوم إنتصرت كلها على عدوها المستعمر مع أنها كانت الأضعف قوة والأقل ناصرا ، لإصرارها على حقوقها وثباتها في أراضيها ومتناغمة بأمر الواقع الثوري مع قياداتها المتجانسة معها موقفا وأهدافا وعقيدة ، فقد أجبر المستعمر الأقوى على التخلي عن مشاريعه لتغير معايير الزمن والمكان والإنسان ، ولتغير مقتضيات الصراع وظروفه ، كصراع الجزائري صاحب الوطن مع الفرنسي الطامع بضم الجزائر والجزائريين لدولته وواقعه الغربي ثقافة ووجودا ، أو كصراع الليبي مع معذبه الإيطالي الطامع في وطنه وكنسه منه بعد إفناءه ، والذي إنتقم منه بغفلة من الزمن من منتطلقاته الفاشية العنصرية ضد وجوده كعربي مسلم ، أو كصراع الزنجي الأسود مع المستوطن العنصري الأبيض في نابيميا وفي جنوب أفريقيا الذي رغب بالسكن في أرض شاسعة وغنية جديدة دون أدنى محاولة منه للفتك بالزنجي صاحب الوطن او محاولة إقتلاعه من أرضه وذلك من أجل استعباده وتصديره كسلعة اقتصادية كعبيد عاملين لأوروبا وأمريكا ، إلا أنّ الفئة الأقل حظا من ذات الشعوب العقائدية صاحبة الحق والأرض هوالشعب الفلسطيني الأقل قوة لازاحة غيره الأقوى القادم من بعيد بهدف مصادرة وسرقة أرضه وخيراتها وخلق دولة كيان له على حساب دولة فلسطين الحق التاريخي والأزلي للشعب العربي الفلسطيني بأي ثمن ومهما كانت النتائج ، حتى لو كان الثمن أقترافه جرائم ضد الإنسانية الفلسطينية ، الفعل الإجرامي المقترف والمشهود منذ قيام دولته الكيان وحتى اليوم ، من أجل بقاء اليهودي المستوطن والصهيوني المارق وهما الطرفان الأقوى في معادلة الصراع الأخطر والأطول مدة الذي شهده وعرفه وعرّفه العالم ببدايته بالصراع اليهودي الإسلامي ، وبقدرة الغرب الغادر والداعم للكيان الإسرائيلي وتمهيدا لبرمجة أهدافه المرحلية وترجمتها عمليا ضد المجموع العربي تحول إلى الصراع العربي الإسرائيلي ، وأخيرا بقوته وبقوة ودهاء اليهودي المتذاكي الضال الآتي من أوطانه له في الغرب والشرق والتي نبذته لإفساده وفساده الديني والاقتصادي والثقافي وغيره تحول إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، ومن غير فطنة وإدراك وسوء تقدير للموقف من الفلسطيني المخدوع بدموع تماسيح العالم ، والمخدوع وما زال بالإستراتيجيات والتكتيكات الجديدة لليهودي الصهيوني المعتقد خطأ أو ضغوطا بإنه الشريك الحقيقي معه لصنع السلام ، تحول كما هي رغبة الإسرائيلي إلى الصراع اليهودي الفلسطيني بهدف تكريس حل الدولتين ( اليهودية والفلسطينية ) فوق أرض فلسطين ، بما يعني ضمنا ووضوحا من المنطلقات السياسية والقانونية المستحدثة الجديدة بفعل السلام الذي لم يتم التوصل إليه إلغاء حق العودة الفلسطيني المشروع للأرض التي يمتلكها وهجر منها بسبب قيام دولة البغي والإرهاب الاسرائيلية عليها ، مع بقاء حق العودة المزعوم لكل يهودي في العالم يرغب بالإستيطان فيهما .
وحتى تتمكن الشعوب العربية المستهدفة ومن بينها الشعب الفلسطيني المهدد أكثر من غيره بالاقتلاع من أرضه ووطنه من قبل الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل الكيان ، كان لزاما عليها الإبداع في مواجهتها مع المحتل القاتل الراغب بوئد أحلامها ومصادرة حقوقها وإحتلال أوطانها وسلب خيراتها ، وذلك لن يكون إلا من خلال قيادات ريادية مبدعة تخرج من بين صفوفها تأخذ على عاتقها قيادة الشعب والمركب لبر الأمان نحو الأهداف الوطنية المشروعة وإبعاد المحتل ومشاريعه وأجندته السياسية عنها ، لامتيازها بالتضحية والعطاء لأنها لا ترى إلا المصلحة الوطنية والقومية لشعبها ، وتكون مستعدة دائما بالتضحية وبإصرار وإبداع لإيصال الشعب ووصولها معه لغاياته وأهدافه الوطنية المشروعة ومصالحه الوطنية العليا .
وكما منّ الله على الشعوب العربية التي قاومت الاستعمار المقيت بقيادات وطنية أوصلتها لمراحل الإستقلال والتطور ، فقد منّ الله على الشعب الفلسطيني أيضا بمجموعة كبيرة من القيادات الوطنية الواعدة التي عنونت مسيرتها بالبذل والعطاء وحددت أهدافها بالنصر والتحرير ، فذكرها التاريخ وما زال بخير في متصفحه ، وخطّ أسمائها على صفحاته بأحرف من ذهب ، حيث تمكنت هذه القيادات والرموز الوطنية من بناء الثورة الفلسطينية وتمكينها من الانطلاقة في وقت كانت المؤامرة الغربية والصهيونية قد استكملت حلقاتها للسيطرة على كل فلسطين ودفع الشعب الفلسطيني كله داخل وخارج وطنه للقبول بالخيارات الاجتماعية والانسانية دون أي أفق سياسي وحتى ثقافي من أجل شطبه ومعالمه وتاريخه وحقوقه وهويته ، في وقت ظنّ فيه العدو المحتل والداعم له أنّه بات قاب قوسين أو أدنى من نهاية شيء إسمه شعب فلسطيني ، ونهاية آخر فصل من فصول القضية الفلسطينية التي ما نظروا لها يوما إلا على أنها قضية انسانية لشعب لا أرض ووطن له .
وكثيرة هي الرموز والقيادات الوطنية الفلسطينية التي أبدعت في كافة حقول المعرفة والنضال وخاصة العسكرية منها والسياسية الرديفة لها ، وهذا الأخير الذي لا يتمنى المحتل والمستوطن الصهيوني على الفلسطينيين أن يتقنوا فنونه والاعيبه ، لمعرفته وتأكده أنّ به مقتله وبه نهاية مشروعه الكيان ودولته القائم على الضعف العسكري العربي والجهل السياسي الفلسطيني ، فوضع وبمكر ودهاء الخطط الكفيلة بهدف الاطاحة بها وقت السعد الفلسطيني إن جاء موعده ، فهيأ الأسباب التشهيرية التي ابدعت وتفننت بها كل دوائر الجاسوسية الدولية والتي من بينها وأهمها وأقدرها الموساد الاسرائيلي ، الذي نجح كثيرا بإبعاد قيادات فلسطينية رائدة عن قاعدتها الشعبية التي بدورها رفستها أحيانا بإرادتها بعيدا ، لوقوعها في شباكه التي هي من اوهن البيوت مع إنكشاف أمرها وفساد حبائلها ، ولوقوعها ايضا في شباك بعض الفلسطينية الرديفة لها لتقاطع المصالح بينها ، التي يقبع بها أعداء الشعب والثورة وفلسطين وذيولهم وأفواههم ملأى بالسموم منتظرين دائما ساعات الحسم للانقضاض على الجسد الفلسطيني إن إرتخى ووقع بحبائلها ، وهي ما زالت ترى بالبناء الثوري الفلسطيني سياجا منيعا لا بد لها أن فكرت بإجتيازه من إزاحة وفرط العقد الفلسطيني والزج به في صراع الأخوة ، صراع القوة والمكسب والنفوذ ، والذي لن يتم كما إقتنعت وتأكدت إلا من خلال بعض الإرادة الفلسطينية العفنة المتناغمة معها ، الممانعة للحلم الفلسطيني بالنهوض والتحرر ، والمعارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب العربي الفلسطيني وقيادتها المبدعة الخلاقة ، لذلك تراها إجتهدت واعتمدت على إستراتيجيتها العدائية ضد كل الشعب الفلسطيني وعلى تكتيكاتها الإجرامية ضد قيادته وخاصة ضد من وصل لإعلاها وأهمها وقاد المركب بإخلاص وبراعة ، وقد خدمها في إستراتيجيتها وتكتيكاتها المنزلق الخطير والفخ الأخطر الذي أوقعت به بعض قيادات حركة فتح ذاتها والذي سحبت اليه بعد إجتهاد وجهد من خلال السلام الذي ذهبت اليه كخيار إستراتيجي والذي يسعى إليه كل الشعب الفلسطيني صاحب فلسطين أرض السلام ، بل من خلال ذات السلام غير الحقيقي وغير العادل القائم وحتى الآن على أسس غير قانونية من بينها عنصري القوة والاكراه ضد الفلسطيني من قبل الشريك الإسرائيلي المخادع والمتنكر لمواقفه وخياراته ، الذي ما زال ينظر إليه كخيار تكتيكي لبناء وتقوية وضمان استمرار كيانه ، والذي لم يزل البعض القيادي بالشعب الفلسطيني لم ينظر إليه كما ينظر إليه البعض الآخر منه على أنه المركب المخروم بفعل الجرم الصهيوني الذي قد يوصل للهاوية والنهاية للقضية الفلسطينية ، وعلى أنه الرهان الخاسر بفعل الخداع والرفض من الاسرائيلي غير الصادق والضبابي بتكتيكاته الواضح باستراتيجياته وعدائيته للفلسطنيين ، والذي أراده الصهيوني المتذاكي صاحب الخبرة الطويلة بالتدليس والتزوير والخداع وقتل الانبياء والتنكر للمعاهدات والإتفاقيات عبر التاريخ قديمه وحاضره ومستقبله طريق آمنا لثبيت دولته وتأمين حدوده ، كما والذي أراده المستوطن الارهابي القاتل صاحب الباع الطويلة بالإستيلاء على الأرض وطرد أصحابها الشرعيين منها لتوسيع مستوطناته وإقامة المزيد منها على حساب الحق الفلسطيني بالوطن والدولة ، والذي أراده أيضا الداعم الدولي لدولة اسرائيل لرغبته بتفعيل أجندته السياسية على حساب الشخصية العربية والحقوق الفلسطينية لضمان تمرير مخططاته بقصد التلاعب بواقع ومستقبل ومصير الحكومات والشعوب العربية ، في حين أرداه وما زال الشعب الفلسطيني الصادق الصابر المرابط سواء القيادي المبدع منه أوالعادي ومن وراءه كل العرب وأحرار العالم لتمكينه من أرضه ووطنه بإقامة دوله المستقلة وعاصمتها القدس ، وتأمين حق العودة إليه .