أرشيف - غير مصنف
إغتيال رئيس
دكتور ناجى صادق شراب
إغتيال او موت أى رئيس فى دولة من الدول له تداعيات ونتائج سياسية كبيرة تصل إلى حد البركان الذى يقتلع الجذور من أعماقها ، والجذور هنا هى جذور النظام السياسى ذاته . وهذا التأثير يتباين من نظام سياسى إلى آخر , ففى النظم السياسية الثابتة والمستقرة فى عملية تداول السلطة حتىلو حدث ألإغتيال يمكن أن يتم ملء الفراغ السياسى بسهولة ويسر ، لأن هناك مؤسسات وقواعد تحكم عملية إسناد السلطة ، وأمثلة ذلك كثيره أمريكا بإعتبارها صاحبة نظام سياسى ثابت شهدت إغتيال الرئيس كيندى وغيرة لكن النظام السياسى له من المناعة ما يمكنه ان يستوعب ويحتوى آثار الإغتيال بهدوء .أما فى النظم السياسية التى تسودها ظاهرة الشخصانية وهيمنة شخص الرئيس على كل بنية النظام السياسيى فإن إغتيال الرئيس من شأنه أن يحدث دويا وفراغا هائلا قد ينتهى بإقتلاع جذور النظام السياسى كله ، ويحوله إلى نظام آخر مغاير ، فقد يقود إلى سيطرة العسكر ،أو سيطرة حزب آخر حاكم ، والأسباب هنا كثيره ولكن أهمها هشاشة المؤسسات السياسية القائمه ، وغلبة النزعة الشخصانية وإحتكارها لكل مقاليد صنع القرار والتحكم فى مصادر القوة المادية ، وغياب أساليب متفق عليها ولها قوة القانون والدستور لتولى وشغل المنصب بعد وفاة الرئيس بالإغتيال أو بالوت الطبيعى أو غير الطبيعى كالتسمم مثلا ، وتسميم الرؤساء وسيلة معتاده فى التخلص من الرؤساء عندما يقفون فى وجه تيار سياسى داخلى أوخارجى قوى أو لتمرير مشروع سياسيى آخر ، وأعتقد أن هذا قد ينطبق على الحلة الفلسطينية . مشكلة النظم السياسية فى مجتمعاتنا أن هناك تغييب لقوى المجتمع وللمواطن الذى تبتلعه وسائل القمع والخوف وتنتزع من داخلة قوة الرفض والتغيير . وهناك جدلية كبيرة تثيرها مسألة ألإغتيال أو الموت الطبيعى أن الرئيس يحكم لمدد زمنية طويله وبذلك تتعطل دورة الحكم والتجديد وهذا قد يساعد فى خلق فجوة واسعه بين الأجيال الحاكمه أو المتطلعة إلى الحكم . والرؤساء ليسوا بنفس الوزن أو التاثير ، فقد يغيب رؤساء فى دول صغيرة هامشية ولا يكون لهم تأثير إقليميا أو دوليا ، لكن فى بعض الدول والنظم الحاكمه التبديل والتغيير يكون له تداعيات خطيرة قد تصل إلى درجة التدخل الخارجى , مثلا الصومال وعلى الرغم من أنها دولة صغيرة فقيرة لكنها دولة لها موقع إستراتيجى مهم يؤثر فى مصالح دول عديده لا يسمح ان يشكل فيها نظام حكم يهدد هذه المصالح . وهناك نماذج لرؤساء يستمدون أهميتهم من اهمية قضيتهم وإنعكاساتها على أمن وإستقرار ليس فقط المنطقة بل على المستوى الكونى مثل النموذج الفلسطينى . وأعرف أن الحديث عن هذا الموضوع فلسطينيا قد يثير تساؤلات وردود فعل متباينه ومتفاوته قد يكون الكاتب فى غنى عنها ، لكن مجرد رؤية وقراءة إستشرافية مستقبلية لا بد منها وقد يكون ألأستاذ صلاح القلاب وآخرين قد أشاروا إليها وفجروها . وانا هنا أحاول أن أقدم قراءتى لهذا السيناريو الخطير ؟ وبداية السؤال من مصلحة من التخلص من أبومازن ؟ أولا وقبل المضى فى الإجابة على السؤال أريد أن اوضح ان الحفاظ على حياة الرئيس أبومازن مصلحة وطنية ، وليس هذا تدخل فى ألأقدار فالموت حق طبيعى ومكتوب ومقدر . أعود وأتساءل لماذا مصلحة وطنية والحرص على حياته مصلحة للجميع؟ ولعل السبب ألأول حالة ألإنقسام السياسيى التى تعنى أن غياب الرئيس لن تسمح فى كل ألأحوال بإنتقال السلطة بسلاسة وهدوء ، بل قد تعقبها حالة من السيطرة العسكرية وألأمنية وتكريس للإنقسام بدرجة نهائية ، وقد يترتب على ذلك شكل من أشكال التدخل الخارجى وخصوصا إسرائيل التى سترى فى ذلك فرصة لها . وأعود للتساؤل من جديد لمصلحة من إختفاء الرئيس ؟ هناك من يلوح ويهمس أن من مصلحة حركة حماس أن يذهب الرئيس ،لأنه فى هذه الحالة سيأتى الدكتور عزيز دويك للسلطة وبعده تستطيع الحركة أن تتحكم فى الإنتخابات أو قد تمددها ، ويربطون بين هذا الرأى والإفراج عن الدكتور دويك . وفى هذا الراى الذى من الضرورى إثارته حتى نزيل عنه بعض سؤ الفهم واللغط قد يبدو انه من الناجية الشكلية القانونية الدستورية أن من مصلحة حماس ذلك ، لكن فى الواقع أن تداعيات هذا الخيار ستكون لها آثارا وتداعيات على الحركة أكثر من غيرها ، وخصوصا فى الضفة الغربية التى قد تقود كما أشرنا إلى سيطرة العسكر وألأجهزة ألأمنية ، وقد تدخل المنطقة كلها فى حالة من الفوضى وإحتمالات حرب أهلية غير مسبوقه تنتهى بتدخلات خارجية وفى النهاية سقوط كامل لكل محاولات قيام الدولة الفلسطينية ، وإنهيار شامل للتجربة الديمقراطية الفلسطينية ومن ثم إنهيار لكل مؤسسات السلطة الفلسطينية قد يدخلنا فى دوامة من العنف والصراع قد تأخذ فى طريقها كل إنجازات الشعب الفلسطينى ، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بشكل السيناريو بعد ذلك لكنه سيناريو مفتوح لكل الإحتمالات . ولذلك أقول أن مصلحة الجميع الحفاظ على حياة الرئيس للننهى حالة ألإنقسام السياسيى ونرسخ لأسس التعامل الديموقراطى فى تداول السلطة بما يضمن للجميع مشاركة سلمية شرعية حقيقة وبما يضمن الحفاظ على القضية الفلسطينية . إذن غياب الرئيس غياب للقضية وإنهيار لخيار السلام برمته ، وإنهيار للمؤسسات السياسية الفلسطينية , وكل هذا يصب فى صالح إسرائيل . ولذلك إذا قلنا هل من مصلحة مباشرة لإسرائيل فى ذهاب الرئيس ؟أقول نعم ؟ ولماذا نعم ؟ لأن أخطر ما يواجه إسرائيل فى ظل حكومة يمينية متشدده يقودها نيتناهو هو المشروع السياسى الذى يمثله الرئيس عباس ، إسرائيل لا تريد السلام ، ولا تريد دولة فلسطينية مجاورة ، وتبحث عن الوطن البديل أو سلطات حكم ذاتيه للفلسطينيين فى مناطقهم . إذن الرئيس بما يمثله من مشروع سياسى قد يشكل خطرا على إسرائيل ، ولذلك ألأسهل لها التخلص من الرئيس وبرنامجه وسلطته ، لخلق حالة من الفراغ السياسيى قد تملئها مؤقتا حتى يتم الترتيب لحلول إقليمية لتصفية القضية . تدرك حكومة نيتيناهو حجم الضغوطات التى تمارس عليها من الولايات المتحدة ألأمريكية وتدرك أن أحد أهم الخيارات أمام ألإدارة ألأمريكية إسقاط حكومة نيتيناهو ، وبدلا من أن يسقط نفسه يسقط الطرف ألضعيف وهو الطرف الفلسطينى مستغلا حالة ألإنقسام السياسيى والصراع بين القوتين الرئيسيتين حماس وفتح ، لأن المتهم ألأول سيكون حماس ، إسرائيل لها مصلحة مباشرة فى خلق حالة فلسطينية متصارعة داخلية بدلا من الصراع معها .فى ضؤ هذه القراءة السريعة أقول أن من المصلحة فلسطينيا الحفاظ على حياة الرئيس حتى تنتهى حالة ألإنقسام السياسيى ـ لأنه وكما أكده فى لقائه مع الدكتور دويك أنه لن يرشح نفسه ثانية للرئاسة ، ولذلك من يسعى لهذا المنصب فالطريق لذلك الإنتخابات والإرادة الشعبية التى توفر الحماية للجميع ، ويبقى أن من مصلحة على مستوى امن وإستقرار المنطقة الحفاظ على حياة الرئيس حتى نصل إلى حل الدولة الفلسطينية الثابته والمستقرة والمقرة من قبل مجلس ألأمن والتى سيشكل قيامهابداية مرحلة سياسية جديده فى حياة الفلسطينيين لا ينبغى تفويتها بذهاب الرئيس .
دكتور ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه