أرشيف - غير مصنف
((حركة فتح اليوم )) ونقطة سوداء على اللوح الأبيض
بقلم : منذر ارشيد
كتبت كثيراً ضمن عنوان (نقطة بيضاء على اللوح الأسود)
ربما لا يدرك أحدٌ أني كنتُ في أسعد لحظات حياتي وأنا أكتب تلك الحلقات , والتي كانت تتحدث عن تلك الإضائات العظيمة التي أوجدتها حركة فتح وخاصة بعد سواد مرحلة ما بعد نكسة حزيران الأليمة
فما وضعته حركتنا الرائدة من إضائات على مساحة الوطن طلت بأنوارها حتى شملت خارطة الوطن العربي الذي كان يعيش حالة من الإحباط واليأس جراء نتائج حرب حزيران المدمرة والتي قضت على أحلام مواطننا العربي
فبدل استرداد فلسطين ضاعت الضفة الغربية وضاع الجولان والأهم من ذلك ضاعت مصر عبد الناصر
فتح أعادت الروح للأمة من محيطها إلى خليجها وهي ترى نشامى العاصفة يسجلون نقاط بيضاء على الظلام الذي ساد الوطن العربي فاستعادت الأمة كرامتها من جديد مع إطلالة معركة الكرامة التي تشارك الفلسطيني والأردني في عرس عنوانه الكرامة ” ويا لها من مصادفة أن تكون الأرض إسمها الكرامة حيث أعيد للأمة كرامتها
كتبت حلقة عنوانها (الكرامة نقطة بيضاء على اللوح الأسود )
وكنت أشعر بالفخر مع كل كلمة كنت اخطها سواءً كانت عن حادثة أو معركة أو شخص من شخوص تلك المرحلة
وخاصة القادة الشهداء العظام بداية من أبو علي إياد أو ابو صبري أو أبو جهاد أو أو ..! وآخرهم القائد الرمز أبو عمار والذي تشرفت بلقائه لأول مرة عام 67 في جنين وكتبت (أبو عمار في جنين نقطة بيضاء على اللوح الأسود)
وكم كنت أحلم بإصدار كتاب وما زال حلمي في هذا العنوان (نقطة بيضاء على اللوح الأسود )
توقفت قبل سنوات وما عدت أعرف كيف أكمل رغم أني أحمل نقاطاً بيضاء كثيرة في جعبتي
ولكن كيف .! وقد إنطمست من ذهني وفكري تلك الأيام الرائعة التي سطر فيها أحبائي من الشهداء ملاحم العز والفخار وما عدت أستطيع الكتابة بعد الحلقة العاشرة لأني أصبحت في حيرة وأنا أرى المشهد قد تغير
والضبابية بدأت تلف حياة شعبنا الفلسطيني وخاصة بعد أوسلو الذي كنا نأمل أن يكون فاتحة خير لتحقيق
حلمنا في العودة واقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصتها القدس
وقد بدأت الصفحة البيضاء بالتراجع والإضمحلال رويداً رويداً وأنا أحاول أن أمسك ببعضٍ من بياضها
محاولاً بكل جهدي , ولكني كنت كماسك للريح
الله الله يا فتحنا الحبيبة يا روحنا يا تاريخنا المشرف ..الله الله يا ابو علي إياد أيها الشهيد الحي الذي لا يفارقني لحظة
وأنا أعيش على ذكراك الطيبة وهي ما بقي لي من ذكرى فخر واعتزاز “ يا حبيبي يا والدي الذي فقدته
وأنا الذي لم أفارقه لحظة واحدة منذ دخولي الى الأحراش “الله يا ربي لماذا كان القدر بأن أبتعد عنه قبل ساعتين من استشهاده وأنا الذي رفضت عرضه بأن أحمل منه رسالة لأبو عمار رغبة منه بأن يخرجني من دائرة الموت المحقق
لأنه كان يريدني شاهداً على ما جرى معه وللأسباب خاصة جداً حيث كنت حينها عريساً
كيف لم أفكر وهو يرسلني لأبلغ إخوة لنا كانوا محاصرين في منطقة هناك لأخبرهم بأن أبو علي بخير لتقوية معنوياتهم بعد ان أذاعت الأخبار عن استشهاده مسبقاً .!
كيف وقد كنت مصمما ً ( رجلي على رجله ) وكان ما كان واستشهد دون أن أراه
كيف يا إلاهي كتبت لي الحياة لأعيش هذا اليوم الأسود من تاريخنا الذي كان أبيض.. كيف ..!
فوالله ما نعيشه اليوم ما هو إلا شقاء ما بعده شقاء
لا اعتراض على حكمك وأنت القائل (وبشر الصابرين )
وكما أسلفت بدأت النقاط البيضاء تتلاشى حتى بقي فسحة من أمل وضوء خافت كما قيل في نهاية النفق
وكما قيل أيضاً “أشعل شمعة بدل أن تلعن لون العتمة “
أشعلنا شمعة وسرنا في النفق نتحسس خطواتنا
نتعثر .. نقع.. ننهض .. ثم نكبوا.. ثم ننهض “تعودنا على هذا الحراك التراجيدي مع كل مراحل التراجع في قضيتنا
قالوا المؤتمر …قلنا أحلى خبر
وبدأ الحراك واستيقظ النائمون وبدأت الدماء تجري في العروق وتفتحت العيون التي كانت قد طُمست
وتحركت المفاصل التي كانت قد تكلست
وعادت المركزية إلى الصورة بعد غياب طويل… واستبشرنا خيراً
وهتف الفتحاويون غلابة يا فتح
جرى ما جرى من تداخلات وتداعيات وإرهاصات “
قلنا كله خير المهم أنهم يعملون, وللمؤتمر ذاهبون
ثلاث سنوات من العمل حتى جاء يوم الفصل …وانتظر الفتحاويون الدخان الأبيض ”
وإذا بنا ندخل بفصل جديد لا لون له ولا طعم ولا رائحة
لا قرار …بل خلاف …وتراشق واتهامات … فلان السبب …علان حرد وذهب
الفتحاويون …ما الخبر .. وهل هذا هو الثمر..!
نحن مع ..نحن لسنا مع .. هات وخذ .. وتعال يا مجلس ثوري, واحسم الأمر
الجواب … الله جبر في بيت لحم المؤتمر
قلنا ماشي الحال رغم أننا كنا نرغب في الخارج لأسباب يعرفها الجميع ” ولكن ورغم هذا بدأ سجال من نوع جديد
حول العضوية والأعضاء ..قلنا ربنا هو الستار ولعل وعسى أن يخرج الإخوة بمؤتمر يحافظ على ثوابتنا
وكيف لا وهم أبناء الوطن ويعيشون ظروف القهر والإحتلال ولا يمكن إلا أن يكونوا رجال
تفاؤل وأمل وكيف نعيش بلا أمل ..! لعلنا نرى شموعاً تخرج من ظلمة بيت لحم المسيج بالجدار
وكانت المفاجئة …وأي مفاجئة ..!! قنبلة أبو اللطف …إنفجرت ..إضائت …فأظلمت
إنفجرت…. فسمع دويها العالم
إضائت… فاستنهضت من غابت عنه ذكرى ياسر عرفات
أظلمت …فبدأ العراك والصراخ والعويل والتكذيب والتخوين
هي قنبلة لا بل أكبر” تداعياتها أكبر من قصف سرب من طائرات تعمل يوماً كاملا ً
اليوم فتح تعيش في ظلام …اليوم ما عاد من خطوة إلى الأمام
الله أكبر يا فتح ….الله أكبر يا أبا عمار
أبا عمار ينهض اليوم من قبره ليقول …
ما هذا الذي أرى ….!!
رحلت شهيداً وأبقيتكم
سنداً لشعبٍ كنت قائده الأبهرا
مالي أراكم رجعتم القهقرا
أيقظتموني و قبري هادراً مزمجراً
قلت ما الذي يجري يا هل ترا..!
قتلتموني مرة وتقتلوني اليوم… ماذا جرى ..!!
هذه فتح التي بدمي بنيتها…. ارحموها من مصير أغبرا
أين كرامتكم ” أين ضميركم “ وهل قميص قد اهترى ..!
وأخيرا أقول إن ما جرى ويجري إنما هو غضب من الله علينا لأننا لم نراعي فيه إلاً ولا ذمة
سرنا في طريق ملتوٍ لا نهاية له …سلمنا مصيرنا للمجهول
أضعنا قائدنا من خلال التهاون والتسويف والتأجيل
قتلناه ….نعم قتلناه ومشينا بجنازته ..واليوم نخرجه من قبره
لماذا …
هل ليسير أبو عمار في جنازة فتح ..!!
عد إلى قبرك قرير العين” فحقيقة اغتيالك ستظهر عاجلاً ام آجلاً
إسرائيل هي التي قتلتك نعم هي التي قتلتك غدراً …ونحن قتلناك أيضاً
إلى روحك الطاهرة أيها الأب والحبيب “
قسوت علينا في حياتك فأنت الأب الحاني ولا ننسى أفضالك”وأنت تُعلم أبنائنا وتساعدنا في حياتنا
وتداوي جراحاتنا وترسل الى المستشفيات مرضانا “ما رددت طالب مساعدة “
يُصرف لفلان كذا” يحول للعلاج ” مساعدة زواج “أجرة منزل “
يااااااااااااااااااااااه كم نفتقدك .!
يا الله كم كنت عظيما محباً حنوناً ” يا لحبك الذي ما عدنا نراه من أحد بعدك”
وأنت تعانقنا وتقبلنا وتحضننا
لا حضن لنا اليوم ……اليوم اليوم أشعر باليتم يا حبيبي .
نم قرير العين يا والدي ولا تخاف على فتح ..ففيها الأوفياء كما فيها الأشقياء
والحق أحق أن يُتبع
اللهم ارحمنا من النقطة السوداء التي ربما ستكون الأكثر كارثية في تاريخنا الفلسطيني
منذر ارشيد