أرشيف - غير مصنف
لاعصابة الأربعة.. ولاعصابة الثلاثة !!
بقلم حسين حرفوش
اللون الأخضر يكسو المكان من جهاته الأربع ..رائحة العشب الطري ..وضوء القمر الفضي ..ونسمة الليل الباردة في حَرِّ الصيف ..تنعش الذاكرة ..وتوقظ ذكرياتُ أحلام الصبا والشباب .. وتمنيني بقضاء أمسية رائعة مع صديقين من أعز أصدقاء العمر .. فرغم أن الزمان فرقنا جسدا لكن مازالت الأرواح تتناجى فتتسامح ..وتتلاقى فتتصافح .. وأنا في لحظة التأمل التي أخذني فيها موجُ ذكريات الماضي .. انتبهت على صوت أحدِهم مُردِّدًا قولَ أبي العَتَاهِيَة : ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يومًا .. فأخبرُهُ بمَا فعلَ المشيبُ
ثم تنهّدَ فقلتُ له حَسْبُكَ يا صَدِيق ..ما زلتَ في بدايات الأربعين .. سن الفكر العميق..
وبدأ الحديث ولكنها لم تكن كجلسات الأيام الخوالي التي كنا نقرأ فيها ما نهوى من الشعر والنثر..فقد غطت هموم العصر..وما أتت به الأيام من عجائب..على جل تفكيرنا .. وخاصة عندما رأينا المعاناة من الفساد تزداد في كل اتجاه كأمواج متلاحقة .. لا تنتهي موجة حتى تضربنا موجة وتهزنا فضيحة ..وبدأنا نعاني من غياب القدوة ..واضطراب المعايير .. وفساد الكبير .. وعبث الصغير .. والبقية الباقية من الشرفاء غير كافية لمواجهة هذا الكم من روائح الفساد التي زكمت الأنوف..وكما يُقال “الكثرة تغلب الشجاعة “وباعتباري أُعَـدُّ من المُغْتَربين..فتفاصيل الأمور يغيب عني معظمها..إلا أنني أعرف كثيرا عن أبعاد تلك الصورة من خلال وسائل الإعلام المختلفة..وبدأت الحديث بدءا من مكاني وأرضي فتحدثتُ عن الزراعة ..فوجئتُ بصاحبيَّ يقولان : مزارعنا تشكو عطشا..لأن الماء تحول لأراضي المحاسيب الجدد..!! فغيرت حديثي إلى السؤال عن وظائفهم وشعار الرجل المناسب في المكان المناسب..قالا: الوظائف محجوزة بمسابقات لأولاد المحاسيب الجدد..!! وإن تحدثت عن مهمة في دائرة حكومية نقضيها .. يقولان: لابد من رشوة تُؤديها لأحد المحاسيب الجُدد ..!! حتى وَصَلَ الأمر إلى أن تحدثت في جميع مجالات الحياة..فقال لي صديقي بعد أن أصابه الملل..أوجزُ لكَ وأقول : لن تتحقق لكَ أي مهمة هنا بسهولة ..ولن تقضيَ أي أمرٍ من أمور حياتك أبدا من المرَّة الأولى ..إلا إذا كنتَ من المَحَاسِيب .. أو كنتَ ثعلبا ..أو ذيب ..!! فهؤلاء الثلاثة لهم الآن (السطوة) .. ويتمتعون (بطول اليد) .. و(سعة الخطوة) ..
لأنك إن كنت من المحاسيب فقد ملكت ختم الجودة والحصانة .. فلا عتاب ولاحساب ..!! وإن كنت من الثعالب .. فربما ملكت باليمين والشمال .. ..وأصبحت من زمرة المالكين الذين يسيطرون على السُّوق .. ويملكون ” الأرانب “.. أما إذا كنت ذيبا من الذئاب .. فستفتح لك الأبواب ..وخاصة إذا كنت تعرف من أين تؤكل الكتِف.. وتصل بسهولة إلى الهدف.. وربما تترقي في السلم إذا كنت ماهرا في الترويج لمبادئهم ..من خلال العواء في شاشة ..أو جريدة ..أو كتاب ..!! وأظهرت لمن خالفك التكشير .. وأمعنت في التحذير .. وأجدت الطعن والتجريح في الدين أو المعارضين بمخلبٍ وناب ..
فضحك أحد الأصحاب وقال ما أعجب الحديث !! .. سبحان مغير الأحوال ..أتذكرون كيف كنا نجلس في ذات المكان .. ونحلم بأن نُكَوِّنَ جمعية ثقافية ..تهتم بإبداعنا وإبداع زملائنا الشباب.. نثرا وشعرا..؟! فرد عليه آخر وقال : وما زالت فكرة الجمعية قائمة .. ما رأيكم في تكوين مجموعة !! ويكون من أول أهدافها المشروعة.. أن يصبح أحدنا من المحاسيب ..والآخر من الثعالب ..والثالث من الذئاب ..؟!..ولكن الهدف هو الخيرليس إلاَّ.. ولكن المفاجأة أن من حولنا من الأولاد صمم أن ينضم إلى المجموعة .. وكانت المشكلة في تسمية تليق ..فقالوا
إذا كان الماضي يخبرنا عن “عصابة الأربعة” في الصين وبراعتها في الشر ..فلنكن نحن “مجموعة الأربعة ” .. في خير البلاد والعباد.. في الحاضر والمستقبل ” فربما سحبنا البساط من تحت أرجل العصابة الموجودة !!! فاعترض أحدنا قائلا أنا متشائم من تلك التسمية.. ألا تذكرون ما حدث لعصابة الأربعة ” ؟! نسميها “عصابة الثلاثة “.. على الأقل العدد فردي ..يعني وتر ؟! فقلت لهم أيها المغرورون ..أيها المغترون .. أنا متشائم منكم جميعا .. لن تفعلوا شيئا ..مادام الاختلاف ديدنكم ..وخذوا من الماضي عبرة للحاضر والمستقبل .. فالله يمهل ولا يهمل ..كما هلكت عصابة الأربعة .. ستهلك أي مجموعة ليس هدفها الخير ..قولا وفعلا وسلوكا ومنهجا .. ألا تذكرون مصير : فرعون وهامان وجنودهما.. وقارون والمعجبين به السائرين على دربه ؟ ! ودَبَّ بيننا اختلاف في وجهات النظر..كشأن قومي في الصغيرة والكبيرة .. ووجدتني مُوَدِّعًا لهم وعازما على الرجوع من حيث أتيت لأظل مهاجرا ..وكتبت تلك الأبيات ..واصفا بها حالتي وأحوالي..ورحت أرددها :
واليوم يا وطني مضىَ عهدُ الصِّبا والشَّيْبُ حلَّ بياضُهُ يغشانا
في حاضِري أرسلتُ نظرةَ ناقِـدٍ …فرأيتُ حَظـاً بالشَّـقا مُزْدَانا
وَطَنَ السَّلامِ نَسَيْتَنِي فَجَرَحْتَني..وجعلتَ كأسِيَ بالأسَي مَلْآنا
وطني..وإنِّي ما هَجَرْتُكَ عنْ رِضًا..لَكِنْ رَأيْتُ الحُرَّ فيكَ مُهَانا
فاعْـذر رَحِيلِي عَنْ ثرَاكَ لأنَّنِي.. لاَ أَرْتَضِي وَلَدِي يراني جَبَانا
حســـــين حـرفـــوش