متى كانت المعارضة العراقية خارج العراق ؟
د.وسام جواد
للخبرة أهمية كبيرة لمن دخل الى عالم السياسة, المليئ بالتناقضات والإختلافات والنجاحات والإخفاقات. ولا عجب في ذلك, فالسياسة فن الممكنات . وغالبا ما تتبلور الخبرة السياسية في وقت متأخر, قد لا يتيح لصاحبها الاستفادة منها, فتبدو وكأنها المشط ,الذي تعطيك إياه الحياة, بعد أن تكون قد فقدتَ شعرك ..
ويبدو ان الحياة قد أعطت المشط ( الخبرة ) هذه المرة, للأستاذ عبد الأمير الركابي قبل أن يفقد شعرة, فتمرسَ واحترفَ السياسة, دون أن يحد ذلك, من الاختلاف معه حول بعض ما يصرح به أو ما يكتب عنه.
في مقال “متى تصبح المعارضة العراقية موجودة في الداخل” ؟ كتب الركابي :
“من الحجج التي يطرحها بعض المعارضين, أو من مازالوا يسمون انفسهم مناهضين للاحتلال, القول بان المعارضة العراقية موجودة في الداخل وأن “هيئة علماء المسلمين” بغالبيتها العظمى موجودة في العراق والمقاومة موجودة في الداخل, وكوادر البعث تعمل سرا في الداخل, ظاهر هذا الكلام صحيح مع انه يذكر بنمط من الديماغوجيا الذي يطرح القضايا بسطحية ويريد تسطيح وعي المتلقين ودفعهم لتصديق ماهو خارج الصدد.”
لا تمثل هيئة علماء المسلمين وكوادر البعث العاملة سرا ألا جزءا من أطراف المعارضة, وهناك قوى, قد لا يكون بعضها ملتزما بتنظيمات سياسية أو دينية, لكنها تشكل جزءا مهما من المعارضة في الداخل . ولا أظن أن تعبير ” من لا يزالوا يسمون أنفسهم مناهضين للإحتلال ” موفقا, لأنه ينفي وجود فئات عديدة من الشعب العراقي, مناهضة للإحتلال, وفي هذا إجحاف وإساءة أخطأت العنوان .
ترى,ألا تمثل المقاومة الوطنية ( أية مقاومة للإحتلال في العالم ) الشكل العملي والفعال للمعارضة ؟ أليست المقاومة إنعكاسا وردة فعل طبيعية لنقمة وغضب الجماهير على الأحتلال, والدليل على وجودها الفاعل في الداخل ؟, وهل ما الحقته المقاومة العراقية بالعدو من خسائر فادحة بالأفراد والمعدات, قد تم وهي في الخارج ؟. واذا ما أحاطت عوامل مكشوفة وخفية لتصفيتها فهل يعني ذلك أنها غير موجودة, أم أن وجودها وعدمه يتوقف على ما يقرره الركابي ؟.
لا شك في أن الكثير من السياسيين لا يتفقون مع توجهات بعض الفصائل المقاتلة وخصوصا مع تلك,التي تشكلت على أسس طائفية بغيضة, لكن ذلك لا يعني إلغاء وجودها بالشكل,الذي عرضه الركابي, ولا يحول دون تقديم الدعم لها, وشد أزرها كحركة تحرر وطنية, تحتاج الى توجيه سياسي , كان من الممكن للسيد عبد الأمير الركابي, ان يلعب دورا إيجابيا فيه. وكما يقول المثل: من الأفضل أن توقد شمعة من أن تلعن الظلام ..
“براينا أن المعارضة او قوى مناهضة الاحتلال لم تعد موجودة لا في الداخل ولا في الخارج . وان من يريد التحدث عن هذه المسالة ويتوخى الواقعية والدقة,عليه ان يراجع تاريخ هذه المعارضة.فكلنا يعلم ان المعارضة العراقية بعمومها, كانت موجودة في الخارج حصرا قبل الغزو الامريكي, وبعد الغزو والاحتلال عام 2003 تغيرالوضع والمعارضة الملتحقة بمشروع الاحتلال والغزو عادت مع الغزاة واقامت برعايتهم مشروعها للحكم,الذي هوالجناح السياسي للاحتلال القائم حتى اللحظة والممثل بالعملية السياسية والحكومة”
هل رأيكم هو ما يحدد وجود أوعدم وجود القوى المناهضة للاحتلال ؟ وهل تتمثل الواقعية والدقة في تسمية الزمر,التي قبضت وتعاونت وتحالفت مع العدو بالمعارضة ؟ واذا مثلت الشلة العائدة مع الغزاة الجناح السياسي للإحتلال, فهل بقي لديها أمام الشعب العراقي أية مصداقية ؟. وهل تتحمل المقاومة العراقية التقصير في عدم وجود فصيل علماني واحد, إن لم نقل يساري في صفوفها ؟. وهل تعدى دور اليسار الوطني يوما, حدود الكتابة المعبرة عن الدعم للمقاومة العراقية, الذي يمثل أضعف الإيمان ..؟ .
عجبي حين لا يذكر السيد عبد الأمير الركابي أن القمع والارهاب السياسي ,الذي مارسه النظام السابق مع القوى والأحزاب الوطنية, كان وراء هجرة مئات الألوف من المناضلين والنخب الوطنية وذوي الكفاءات المختلفة, منذ سبعينات القرن الماضي, وان القلة من حثالات الخيانة والعمالة المتعاونة مع الاحتلال لا علاقة لها بالمعارضة العراقية, فما بالك بالقوى المناهضة للإحتلال ..؟ والدليل أنها ” عادت مع الغزاة واقامت برعايتهم مشروعها للحكم, الذي هوالجناح السياسي للاحتلال القائم حتى اللحظة والممثل بالعملية السياسية والحكومة. ” كما يذكر الركابي .
” لا يوجد اي عنوان يمكن ان يطلق على المرحلة التي يعيشها العمل المعارض والمناهض للاحتلال من هنا وصاعدا سوى عنوان العودة الى الداخل, ومع الايام سوف يتبين للجميع ان المبادرة التي اطلقت في 7/3/2009 من بغداد ، كانت موقفا اشار الى فاصل تاريخي نوعي راح يلوح في الافق و يتبلور في الواقع الوطني, وان هذا الفاصل لاخيار آخر غيره .”
هنالك عناوين وأساليب كثيرة للعمل المعارض والمناهض للإحتلال, واذا اتخذتم قرار العودة الى الداخل, فهذا شأنكم ومن حقكم إختيارالاسلوب,الذي تعتبرونه ملائما لنشاطكم السياسي ولكن, ما لا يحق لكم هو وضع مبادرتكم ” كفاصل تاريخي لا خيار آخر غيره” ففي هذا استبداد أهوج وتجاوز, لا يمكن قبوله ..
” ينبغي العمل من هنا وصاعدا على تطوير النشاط التنظيمي لكافة القوى الوطنية, وتوطيد العلاقات التحالفية وايجاد السبل التي تؤمن الصلة بالناس وتعبئهم اعلاميا, ناهيك عن عقد المؤتمرات المصغرة وتوسيعها ، غير ان الاهم من هذا وذاك ان ننتقل الى الخطاب المناسب للحظة, بعد التجربة الكارثية التي عاشها العراق خلال الفترة المنصرمة, لابل وخلال العقود الاربعة او الخمسة الماضية, ونبادر الى تطوير وتبني منطلقات تنسجم مع الشعار او المحرك الملائم والمناسب للحظة الراهنة, فنغادر الى الابد ما يسمى بمعسكر القوى المناهضة للاحتلال, والشعارات التي كان يعتمدها, فهذه مراحل وفترات من العمل انتهت واصبحت جزءا من الماضي .”
بداية جيدة في الدعوة الى تطوير النشاط التنظيمي لكافة القوى الوطنية, وتوطيد العلاقات التحالفية, ونهاية خاطئة ومرفوضة لمغادرة ” معسكر القوى المناهضة للاحتلال والشعارات التي كان يعتمدها.” :
الدعوة لمغادرة المعسكر, تتناقض مع رأيكم في أن المعارضة والقوى المناهضة للاحتلال لم تعد موجودة لا في الداخل ولا في الخارج, وإلا لمن توجهون هذه الدعوة إذن, اذا كانت القوى المناهضة للاحتلال غير موجودة ؟
الشعارات,التي إعتمدتها القوى المعارضة والمناهضة للاحتلال لم تنتهي بعد, ولن تنتهي الا بخروج قوات الاحتلال ومحاسبة المتعاونين معه. وهذا مطلب, لا يقل أهمية عن محاسبة المذنبين في النظام السابق .
يمر العراق حاليا في مرحلة التحرر الوطني, وليس منطقيا, إعتبار شعارات القوى المناهضة للاحتلال جزءا من الماضي مع وجود ربع مليون من قوات الاحتلال والمرتزقة, وحكومة عميلة ..
تطبق في العراق منذ عقود سياسة جديدة هي سياسة “الهيمنة عن طريق الافناء” وهو ما خطط له الأمريكيون وفعلوه بايحاء صهيوني مباشر, وكل من يراجع سلسلة مافعلته الولايات المتحدة من سياسات تدميرية, سواء بتهيئة مناخ الحرب العراقية الايرانية, او العدوان الاول عام 1991, او الحصار, ومن ثم الغزو والاحتلال المباشر. سيكتشف خطة محكمة تفضي بالعراق الى الفناء الكامل والامر على هذا الصعيد بحاجة الى متابعة ومزيد من البحث .
لا يسع المجال, لغير التأكيد على صحة هذا التنبيه للأخطار المحدقة بالعراق واستهدافة وفق مخططات مؤامرة صهيو- أمريكية,أعد لها منذ أمد بعيد, وبمساعدة مباشرة من قبل قوى العمالة والخيانة الوطنية. وكان لغياب وحدة القوى الوطنية وانشغال القيادات السياسية والدينية بخلافاتها وتنافسها, الدور المباشر في إختراق قوى العدوان للجبهة الداخلية, ونجاحها في تمرير مخططاتها .
وأخيرا,لا يجوز للركابي أو لغيره,الاستخفاف أو التقليل من أهمية اللقاءات أو الإجتماعات السابقة, للقوى المناهضة للاحتلال. وإن هو أشار الى إجتماع بيروت, فإن عليه أن يعلم بأن دور الجهة,التي تعرض اليها في مقاله لا يتعدى المساهمة الرمزية وتقديم تسهيلات الأقامة للمدعوين, الذين تشرفت أن أكون أحدهم .
يقول المثل: السلحفاة تعرف الطريق أفضل من الأرنب. فهل للركابي أن يكف عن التسرع ويتمهل قليلا ؟.
موسكو 20.07.2009