أرشيف - غير مصنف
مخاض حل الدولتين
جيمس زغبي
بعد موافقة نتانياهو على قيام دولة فلسطينية (وإنْ وفق شروطه الخاصة) ودعوة منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا إلى إصدار مجلس الأمن الدولي لقرار يعترف بدولة فلسطينية في تاريخ محدد، يمكن القول إن الفكرة باتت عادية اليوم. وبات من المسلم به تقريباً، حتى هنا في الولايات المتحدة، تصوير حل الدولتين باعتباره النهاية الوحيدة المقبولة للصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني. ولأن الأمر لم يكن دائماً هكذا، فمن المفيد في اعتقادي رصد تطور هذا القبول في خطابنا السياسي -واستحضار مدى صعوبة دعم الحقوق الفلسطينية قبل بضعة عقود فقط.
ففي أواخر السبعينيات، أسستُ “حملة حقوق الإنسان الفلسطينية”، وهي عبارة عن ائتلاف يضم أميركيين عرباً وزعماء الحقوق المدنية وممثلي الكنائس الأميركية الرئيسية ونشطاء سلام بارزين. وكنا ندافع عن ضحايا حقوق الإنسان الفلسطينيين (ضحايا التعذيب، والسجن بدون محاكمة، ومصادرة الأراضي) ونعارض كل أشكال العنف وندعم حل دولتين. وعلى رغم أننا حظينا بدعم جماهيري واسع، إلا أننا كنا مرفوضين من قبل المؤسسة السياسية في واشنطن؛ بل إن ائتلافاً للمنظمات التقدمية (ائتلاف سياسة خارجية وعسكرية جديدة) رفض طلب انضمامنا لأن أجندتنا المؤيدة للفلسطينيين، كما قال بعض أعضاء الائتلاف، ستثير الانقسامات وستضر بعملهم. كما تلقينا تهديدات وتحرشات؛ وفي 1980، أحرق مكتبي.
وقد شهد عقد التسعينيات مؤتمرَ السلام في مدريد واتفاقات أوسلو، ولكن لا اعتراف رسمياً بدولةٍ فلسطينية بعد. ولعل أفضل ما استطاع بوش الأب القيام به هو تغيير لغة “كامب ديفيد” قليلا حيث دعا إلى “حقوق سياسية فلسطينية مشروعة”. ثم جاء كلينتون الذي غيّر اللغة أكثر حيث أيد “حق (الفلسطينيين) في العيش كشعب حر يقرر مصيره على أرضه”. وتُرك الأمر آنئذ للسيدة الأولى حينها، هيلاري كلينتون، لتكون أول شخص يتحدث فعلا عن دولة فلسطينية -مثلما فعلت في 1998– قبل أن تخرج إدارة زوجها وتوضح أن تصريح السيدة الأولى لا يعكس السياسة الرسمية. وعندما هدد ياسر عرفات بإعلان دولة فلسطينية بشكل أحادي بعدما أصيب بالإحباط جراء عدم تقدم عملية السلام في أواخر ولاية كلينتون، كان الرد من واشنطن صارماً ومهدداً. وكان لابد من الانتظار إلى غاية 7 يناير 2001 لكي يتحدث بيل كلينتون، في الأيام الأخيرة من ولايته، عن دولة فلسطينية، ليكون بذلك أول رئيس أميركي يفعل ذلك.
وفي 2002، وعقب إعادة احتلال إسرائيل للضفة الغربية وتدميرها التام تقريباً للبنى التحتية الفلسطينية، التزم الرئيس بوش بحل الدولتين، ولكنه فعل ذلك فيما سميته حينها “خطاباً غريباً على نحو يتصف بالكمال”، حيث دعا الفلسطينيين إلى إقامة نظام ديمقراطي ناجح أولا قبل قيام دولتهم! وخلال السنوات الست التالية، تغير نقاش السياسة الأميركية بعد أن أصبح الاعتراف الرسمي بحل الدولتين شائعاً؛ غير أن المحزن هو أنه خلال كل هذه الفترة التي كان المفهوم يحظى فيها بالقبول، كان الواقع في الضفة الغربية وغزة يتدهور مما يجعل تحقيق ذلك الهدف الذي بات مقبولا اليوم أكثر صعوبة.
واليوم، نحن في العام الثالث والأربعين للاحتلال وتضاريس الأراضي المحتلة تغيّرت بشكل جذري: نصف مليون مستوطن يعيشون هناك؛ وقد أدت شبكة من الطرق الخاصة بالمستوطنين فقط، إضافة إلى الجدار العازل، إلى تقسيم الأراضي إلى كانتونات؛ والقدس تنمو فيها ومن حولها المستوطنات كالفطر وباتت معزولة عن الضفة الغربية؛ وعلاوة على ذلك، فإن الانفصال المادي الطويل، إضافة إلى الانفصال السياسي اليوم، جعل من وحدة فلسطين أمرا أكثر صعوبة. ونحن اليوم في عهد أوباما، وقد التزم الرئيس بحل الدولتين الذي يقول عنه إنه يصب في مصلحة الولايات المتحدة، وأظهر حتى خلال الأشهر الأولى من ولايته التزاماً بممارسة ضغوط متوازنة على الجانبين، وبانخراط نشط وفعال لتحقيق هدف حل الدولتين.
إن المعركة السياسية من أجل دولة فلسطينية قد ربحت كثيراً. وبالتالي، فعلى مؤيدي حل الدولتين اليوم أن يقيّموا الظروف التي تميز الواقع الراهن على الميدان. فالمعارك القديمة تبقى معارك قديمة؛ والآن، هناك تحديات جديدة ينبغي مواجهتها، ولعل أهمها: كيف نستطيع تحقيق الهدف الذي ناضل من أجله الكثيرون طيلة عقود، ألا وهو إقامة دولة فلسطينية آمنة ومستقلة ومتصلة جغرافياً وقابلة للحياة