أرشيف - غير مصنف

وحدة بالحرب..وحدة بالسلام..هل من طريق آخر؟

وحدة بالحرب..وحدة بالسلام..هل من طريق آخر؟

بقلم: زياد ابوشاويش

لا يمكن لأحد في الدنيا إنكار أن الوحدة الاندماجية بين شطري اليمن في الجنوب والشمال كان خيار الشعب اليمني بأغلبيته الساحقة. وحين بادر القادة اليمنيون عام 1990 بتحقيق الحلم الوطني الأهم والأجمل كانوا بذلك يستجيبون لنبض القلوب والعقول المتطلعة ليمن واحد قوي وعزيز يتجاوزون فيه بوحدتهم كل حقبة الجمود والتخلف الذي أبقى اليمن في القرون الوسطى لسنوات طويلة.

وعلى امتداد التجربة اليمنية الوحدوية قطع البلد شوطاً لا يستهان به نحو العصرنة والتحديث وتطور الاقتصاد بصورة ملحوظة وشعر الناس ولمسوا في الواقع انعكاس ذلك القرار التاريخي على مستوى معيشتهم رغم كل صعوبات وإرهاصات البدايات الأولى ككل التجارب الكبرى في حياة الأمم. من يستطيع أن ينكر التغيير الكبير في صورة اليمن إيجاباً بعد الوحدة؟ وهل يمن اليوم على ما فيه من مشاكل هو ذات اليمن قبل الوحدة؟ يمكننا القول بدون تردد أن قوة اليمن تضاعفت على غير صعيد خلال فترة الوحدة ومنها القوة العسكرية وهيبة البلد وموقعه وتأثيره في الإقليم.

في سياق التعاطي المتسرع مع تقدم العملية البنائية لترسيخ أسس الوحدة اتضح أن هناك من ظن أو اعتقد بوجود هذه الأسس من اللحظة الأولى وأن الاتفاق بين قيادة اليمن الجنوبي والشمالي هي مجرد عودة الجزء للكل أو الابن لوالده وأن اليمن الواحد متجانس كلياً كدولة قومية لا فروق بين أبنائها، وهذا صحيح من الناحية السسيولوجية لكن هذا الأمر لا يمكنه خلق ذات التجانس بين نظامين ومنهجين في وقت قصير كما ظن هؤلاء، واليمن ليس ألمانيا أو تشيكوسلوفاكيا اللتان قدمتا تجربة ناجحة في عملية الاندماج والانفصال، تلك العمليتان اللتان أنجزتا بهدوء وتدرج وبطريقة سلمية استندت لوجود نظام ديمقراطي لتداول السلطة يعتمد على الدستور والقانون والعقد الاجتماعي الذي يحترمه الجميع ولا يتجاوزه الأقوياء.

اليمن احتاج لحرب ضروس بين الأشقاء لتثبيت دعائم الوحدة وبقائها بعد مرور أربع سنوات فقط على البداية، تلك الحرب التي بقيت تتفاعل وتفرز سلبياتها حتى وقتنا الحاضر رغم ضرورتها في تلك المرحلة. وعليه فقد كانت التجربة اليمنية ذات طابع خاص وتعطي دروساً هامة في صيرورة التجربة والبحث عن بر الأمان لذلك الحلم الذي راود مخيلة القيادة والشعب من زمن بعيد.

هذه الخصوصية تنبثق من تزامن منهجين لإقامة الوحدة سلماً وحرباً حيث لم يكن قد مضى على البداية سوى سنة ونيف حين بدا أن هؤلاء المتحمسين لها من قادة الإشتراكي قد قلبوا موقفهم وبدأوا التفكير بشكل جدي في التراجع.

والوجه الآخر لهذه الخصوصية تتمثل في انعدام القواسم المشتركة بين مؤيدي الوحدة ومناهضيها حيث الغلو والتمترس خلف الموقف والفكرة في بلد لا تزال العشائرية والقبلية أهم مكون ثقافي إجتماعي له ولها دور أكبر في تحديد هوية النظام ودوره الإقليمي.

وكما نلاحظ من مجريات الحدث اليمني اليومي فإن الخصوصية التي نذكرها بوجهيها تنعكس مباشرة في صورة هذا الحدث وفي صناعته أيضاً.

المشكلة في اليمن تنمو بسبب التطرف في كلا الاتجاهين على وجه التحديد، وليس من الواضح إن كان هؤلاء سيستيقظون أخيراً ليروا أن هناك طريقاً آخر يمكن سلوكه لحماية مستقبل الوطن اليمني.

الحراك الجنوبي أو دعاة الانفصال يقدمون رواية ورؤية أحادية والحكومة ومناصروها يفعلون ذات الشيء مع تغطية وجدانية عاطفية تتعلق بالوحدة والحرص عليها إلى درجة القداسة التي تغلق الطريق على رؤية تلك النقاط الجدية جداً من الطرف الآخر، وكذلك يفعل الإخوة في الحراك حين تصل قناعتهم بما يطلبون إلى حد القداسة أيضاً واعتبار العمل من أجل الانفصال نضالاً يستحق المبادرون إليه والمضحون من أجله أبطالاً، وكلا الطرفين يعتبر من يسقط في هذا الصراع شهيداً.

المضحك المبكي في المسألة هو تلك القناعة الراسخة لدى البعض بأن الانفصال سيحل المشاكل التنموية والاجتماعية وغيرها يقابلهم من تترسخ لدية القناعة بأن الوحدة تستطيع فعل ذات الأمر حتى لو كانت بالحرب أو قسرية، وكلاهما على خطأ.

هناك جملة من القضايا لابد أن يتحد الجميع لحلها قبل أن نعود لقضية الوحدة بمعنى تجليسها على أسس جديدة متينة وغير قابلة للكسر، وهذه القضايا تبدأ بالمتمردين الحوثيين مروراً بالمصالحة الوطنية واتفاق القوى السياسية على منهجية مشتركة في تخليص اليمن من أوجاعه وانتهاءً بترسيخ القانون واحترام الدستور ووضع آلية لتداول السلطة وتحديد ولاية الرئيس بدورة أو إثنتين على الأكثر. بعد ذلك تصبح عملية البحث عن حل لمعضلة الوحدة أسهل ويحافظ اليمنيون على أهم منجزاتهم. إن الحديث عن الاحتلال الشمالي للجنوب يدمي القلب وكذلك الحديث عن عمالة وارتباط بعض الحراك الجنوبي بالخارج يدمي القلب أيضاً، وإذا كان هناك طريق آخر لبقاء الوحدة بخلاف السلم أو الحرب فهو في جعل هذه الوحدة مطلباً للجميع وذلك لا يتحقق سوى باحترام القانون والدستور، وبمعنى آخر فإن الطريق الثالث لثبات الوحدة بخلاف الاتفاق السلمي بين الطبقة السياسية هنا وهناك وبخلاف فرضها بالعنف هو أن يفرضها الناس بالصيغة التي يجدوها مناسبة لليمن بظروفه المختلفة و هذه تحتاج لعمل دؤوب من كل العقلاء وأصحاب الفكر والرأي اليمنيين ونملك الوقت الكافي لهذا على أن تنتهي أعمال العنف من كلا الطرفين وخاصة من جانب الدولة التي عليها أن تثبت جدارتها في احترام القانون والتزام المعايير الدولية في مجابهة عنف الشارع وتتوقف عمليات الاعتقال العشوائية وغيرها من تجاوزات أصبحت حجة لدى الطرف الانفصالي.

الجميع معنيون بعدم وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة، وهذه مهمة كل حريص على وحدة اليمن.

[email protected]     

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى