أرشيف - غير مصنف
الأمير نايف يلغي مهرجانا سينمائيا ويعزز موقعه سياسيا
فجر قرار إلغاء تنظيم المهرجان السينمائي الذي كان من المقرر افتتاحه السبت الماضي في جدة سيلا من المديح للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، الأمير نايف بن عبد العزيز، ووابلا من التنديد ب”أصحاب الفكر الضال العلماني” على مواقع مقربة من “التيار الإسلاموي المتشدد”، فيما التزمت صحيفة “الوطن”، المحسوبة على “التيار التنويري”، الصمت لليوم الثالث على التوالي.
لقد وردت أغلب ردود الفعل على “قرار الساعات الأخيرة” قبيل افتتاح المهرجان على موقع “لجينات” الإلكتروني الذي نال إعجاب الزوار بعد نشره في يونيو حوارا مطولا مع الأمير خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، الذي طالب بالحجر على أموال شقيقه الأمير الوليد وبمنعه من السفر متهما إياه “بالفسق والفساد والاسترسال في مشاريعه الإفسادية” في المملكة.
ويقود الأمير الوليد، احد أثرى أثرياء العالم وابن أخ الملك عبد الله بن عبد العزيز، جزءا من معركة تطوير السينما في السعودية. والأمير الوليد هو صاحب شركة “روتانا” للإنتاج. و سبق أن أعلنت “روتانا ستوديوز” أنها الراعي والممول الرسمي للمهرجان الذي كان من المفترض أن يحضره نحو خمسين مخرجا سينمائيا من دول الخليج.
وقد رحب الأمير خالد بن طلال بقرار المنع، قائلا على قناة “المجد” الفضائية الإسلامية إن “قرار المنع جاء بعد ما رفعه سماحة المفتي العام للمملكة، الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، لسمو النائب الثاني وزير الداخلية حول أضرار عرض السينما وما قد تسببه من فتن للمجتمع”.
“السقطة الإعلامية”
وجاء في “لجينات”: “الكل يعلم … والكل هنا هو المجتمع السعودي برمته.. يعلم أن سبب المنع كان قرارا واضحا من النائب الثاني ووزير الداخلية سمو الأمير نايف بن عبد العزيز، وفقه الله”، في تعليق للموقع على “السقطة الإعلامية” التي وقعت فيها صحيفتا “المدينة” و “الرياض” اللتان ذكرتا أن الإلغاء جاء بسبب “عدم اكتمال التجهيزات” وقاعات العروض.
أما صحيفة «الوطن”، التي اعتادت نشر كل ما يعبر على الاستياء من التيار المتشدد المتمثل خاصة في الشرطة الدينية، عدوها اللدود، التابعة ل”هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، فقد ألتزمت الصمت.
للتذكير, إن الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، هو مالك صحيفة “الوطن”. و الأمير خالد، المولع بالثقافة والذي يكنّ بغضا شديدا للإيديولوجيات المتطرّفة، كان محل انتقادات “الهيئة” بسبب “تفتحه” في الفترة التي كان فيها حاكما لمنطقة عسير.
وجاءت عشرات التعليقات على موقع “لـُجينيات” مرحبة في أغلبها ب”أمر النائب الثاني بمنع السينما في بلاد الحرمين الشريفين”.
صفعات بالجملة
يقول “محب الآمرين بالمعروف” : “سمو الأمير نايف بن عبد العزيز، جزاه الله خيرا، وجه صفعة أولى لصحيفة “الوطن” والصفعة الثانية بقرار دخول جهاز الهيئة إلى درة العروس، تأتي الصفعة الثالثة واللكمة القاضية لتجهز على مشروع السينما (…) فقد وقف، وفقه الله، في وجه المشروع التغريبي ، وكان أولئك المفسدون ومن خلال تمرير أجندة السينما يخططون لتمرير المزيد مستقبلا (…) نطلب من سموه المزيد من الخطوات الإصلاحية الحقيقة”.
وكان الأمير نايف قد أدان بشدة في يونيو صحيفة “الوطن” متهما إياها ب” نشر أخبار كاذبة” و بأنها” تستكتب أصحاب الأهواء الذين يكتبون ضد العقيدة”. وبالمقابل أشاد الأمير نايف بدور “الهيئة” في حماية الشباب، قائلا: “أنا واثق أنه سيأتي يوم يثني فيه كل أب وكل أم على رجال الهيئة الذين يعملون على حماية أبنائهم”.
وعقب هذه التصريحات، أعطى الأمير نايف “الهيئة” أحقية تفتيش الشاليهات البحرية المتواجدة في محافظة جدة “لرصد كل ما يدور بها والتقليل من حدوث أي ممارسات غير مقبولة دينيا أو اجتماعيا” . كما أمر الوزير بتأسيس مركز خاص لأعضاء “الهيئة” بمنتزه “درة العروس”، الذي يملكه الملياردير السعودي صالح كامل.
واستطاعت “الهيئة” في فترة وجيزة أن تطيح بشخصيات تعمل في العلاقات المحرمة، كان آخرها وأهمها تسديد ضربة لأكبر شبكة للدعارة بالمنتجع، ثم القبض على مسؤول الحراسات، “يمني” الجنسية، بعد علاقة غير شرعية مع امرأة “سعودية” زوجة أحد المواطنين داخل المنتجع، كما أوردت الصحف المحلية.
“تعيين في محله”
وأطنب العديد من القراء في الإشادة بوقفة الأمير نايف في وجه “التيار التغريبي الذي يدعم السينما الفاجرة المجرمة” و “تصديه لبعض القوى الليبرالية التي تسعى للمس بالنظام الإسلامي في المملكة”.
ويقول “أبو عبد الحميد: ”إننا لنمني النفس بالقرارٍ الحكيم من أميرنا المحبوب الذي جعله الله شوكةً في نحور هؤلاء المتفرنجين المندسين بيننا شكرا لفارس الأمن، حارس الفضيلة وحاميها، قاهر الإرهاب والإرهابيين والتغريبيين والتكفيريين، ناصر الحق وقامع الباطل”.
ويعقب ” بندر” قائلا:” إن الدخان الليبرالي العفن الذي قد ظهر في هذه البلاد في الآونة الأخيرة، وذلك عن طريق وسائل الإعلام المرئي منها والمكتوب بل والمسموع، أصبح الآن وبحق يتلاشى بفعل تيارات الهواء النقية… شكرا لحامي الفضيلة الأمير نايف … لقد أرعب العلمانيين، يحفظه الله ويجعله شوكة في حلوق كل من أراد أن تشيع الفاحشة في هذا البلد المحافظ”.
أما “أبو محمد” فيرى أن ” جميع التوقعات قد صدقت عند كثير من المواطنين والمحللين السعوديين، وأن تعيين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز (نائباً ثانياً لرئيس الوزراء) كان في محله (…) فلقد أثبتت الأيام أن الأمير نايف صاحب لُب رزين، وفكر عميق وأن الوسطية الدينية والأمنية التي تحلى بها جعلت منه محط أنظار لدى ولاة الأمر والمجتمع بجميع شرائحه وطبقاته”.
وكان الملك عبد الله قد عين أخاه غير الشقيق الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس الوزراء بعد غياب ولي العهد الأمير سلطان النائب الأول للملك لأربعة أشهر عن البلاد بسبب مشاكل صحية، وهو منصب سيجعله يحتل المركز الثاني في ترتيب خلافة العرش.
وقد أفرز ذلك التعيين تساؤلات علنية بشأن خلافة العرش، خاصة من طرف الأمير طلال بن العزيز، أحد إخوة العاهل السعودي، الذي طلب من الملك عبد الله إصدار بيان يوضح فيه أن ذلك لا يعني بأن الأمير نايف سيصبح وليا للعهد و أن التعيين “ليس سوى ترشيحا إداريا”.
وكان الملك عبد الله قد أصدر في فبراير الماضي تعديلات حكومية شاملة تميزت أساسا بإعفاء رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء، الشيخ صالح بن حميد اللحيدان، وعددا من كبار رجال الدين من مهامهم، مما أعتبره البعض “انقلابا أبيضا” على “الحرس الفقهي القديم” المتشدد.
وكان الشيخ اللحيدان قد أصدر فتوى، وهي عبارة عن دعوة غير مباشرة لقتل أصحاب قنوات التلفزيون التي “تبث الفساد والفسق و/أو تثير الفتنة بين المسلمين”.. فأثار الشيخ اللحيدان، الذي كان يستهدف بصفة غير مباشرة القنوات التابعة لرجال أعمال سعوديين مقربين من الأسرة الحاكمة السعودية، من بينهم الوليد بن طلال، انتقادات شديدة للنظام السعودي في الغرب.
ومن جانبه، أكد الداعية الإسلامي الشيخ سليمان الدويش في موقع “الوئام” أن قرار منع السينما بالمملكة “استأصل بالفعل النبتة من جذورها (…) فالحمد لله على ذلك كثيرا ثم الشكر لمن كان سبباً في تجنيب المجتمع ذلك الخطر الداهم والحلم الشيطاني الذي أزهقه الله وهو في مهده”.
معركة السينما: “لا ناقة لنا فيها ولا جمل”
لكن “خالد” يرى أن “موضوع السينما قد أعطي أكبر من حجمه و ليس أكبر مشاكلنا والهدف منه هو إشغال للناس فيما لا يفيد”.
ويتفق معه ” الناصر لدين الله صلاح الدين” الذي يقول: إعلامنا لا يذكر أمور تهم الناس وتوعيهم، مثل غلاء الأسعار وتدهور المستشفيات والاحتكار ومحاربة الفساد الإداري والمالي ومكافحة البطالة”.
ويتساءل “أبو يعرب”: “لماذا لا نفتح ملفات الفساد المالي مثلا، أليس فسادا أيضا أم هو خارج نطاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ألا تلاحظون أن التيار المتشدد متخصص في قضايا بسيطة ويقوم بتضخيمها لعجزه عن فتح ومناقشة بقية المواضيع ؟”.
فيجيبه “عبدا لله المسلم”: “هؤلاء ليس عندهم إلا المنع والإغلاق وليس عندهم وفي قواميسهم أي إستراتيجية للتطوير. هذه المعركة بين المحافظين والتنويريين هي معركة اجتماعية لا تقدم ولا تؤخر ولكنها مضيعة للوقت ولا تفيد الأمة ولا المجتمع بشيء”.