كرت إل “عايز”.. كرت جوال
موسى أبو كرش
بهذه العبارة عادة، ينادي باعة كروات الهواتف النقالة على كروتهم في غزة .. عبارة تطرق سمعك كلما مررت ببائع من باعة هذه الكروت،” أم العشرين والخمسين.”. قبل مدة يسيرة كان هناك من ينادي في الأسواق و الميادين أيضا: ” مفتاح العايز., مفتاح الغاز” أو من يقول ” مفتاح الغاز بنعاز” و قبل هؤلاء بأمّة سمعت بائعا عجيبا ينادي في سوق فراس قائلا : “انكش تولع” ، و الأنكش تولع هذه، مادة غريبة عجيبة، تحكها على رأس” بابور الكاز” إذا انطفأ و أخرج دخانه الأبيض، فيعود للاشتعال مرة أخرى! بيد أن هناك في غزة من لا يزالون ينادون حتى تتمزق حناجرهم:” حبش يا ملخ “!،” أصابع البوبو يا خيار” ع السكين يا بطيخ “، “بلدي يا سمك”! “مايا يا مانجا “! مع أننا لا نعرف مايا هذه و اخواتها، “مخال يا كلمتينا “! و” كدار يا بندورة”! و لن نعدم من يتحفنا في الأ سواق بقوله : سم العرس.. سم الفيران!
فإذا كان هذا حال الباعة مع بضاعتهم، فإن لمشتري كروت الجوال، والمشتركين مع شركتها شأنا آخر مع هواتفهم النقالة ! فطريقة حمل هذه الهواتف ، ورنات استقبال مكالماتها ورسائلها و حجومها و ألوانها و أنواعها و ألوانها و طرق استخدامها تظهر بعضا من طبيعة مستخدميها و نفسياتهم ومستوياتهم الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية أيضاً! فمنهم من يحمل هاتفه في راحة يده أبدا ، وهؤلاء عادة من فئة الشبان الدائمي العبث بمفاتيح هواتفهم وازرتها، و الاستماع الى موسيقاها و رناتها ، ومنهم من يعلق جواله و يربطه في حزام على وسطه مظهراً إياه ، ومنهم من يخفيه ويسدل القميص عليه حتى يبدو و كأنه مسدس! وبعضهم يحمل هاتفين أو ثلاثة في اشارة إلى أهميته,, مع أنه لا يملك رنة واحدة في احداها، و إذا قابل صديقه قال له:” مسجلي” و منهم من يضع جواله في جيب سرواله أو قميصه، و الكثيرات من حاملات الهواتف النقالة يضعنه في حقائبهن، فإذا رنّ لا يسمعنه حتى تطلع روح الشخص المهاتف ,, و القليل من هؤلاء وأولئك ضرب عن الجوال صفحاً، لا يحب أن يراه، أو أن يستمع الى رناته ونغماته. !
أما عن رنات الهواتف النقالة فحدث ولا “عوج.”: فمنهم من يختار موسيقى هادئة ناعمة تدل على صفاء روحه، ونبل أخلاقه و أصالة محتدة! وبعضهم يختار موسيقى صاخبة صارخة، تدل على غوغائية ووحشية في طبعه، و”عوج “في مزاجه! ومنم من يختار موسيقى راقصة لحول في وسطه! وبعضهم من يفاجئك بالآذان و الدنيا ضحى أو بعد مضي الهزيع الثاني من الليل!! و الويل لك إذا جلست بجانب واحد من هؤلاء المولعين بموسيقى”فدعوس” فانه سيخرق طبلة اذنك حتى يتفضل بالرد على هاتفه، واذا ما رد تجمع عجباً و صياما في غجب”! يتحدث كأن العالم خلق له وحده! يزعق وينعق حتى يقنعك برجولته و فحولته. واذا قيمت ما استمعت من حديثه، تجده تافها فارغا أجوف لا يستحق المكالمة أو عناء الأستماع او الرد.. كذاك الذي فاجأني ذات يوم شديد الحر والزحام بقوله ردا على زوجته ” شو بتقولي طابخة .. بيتنجان! على الطلاق منا مروح و لا ميكل!” و تلك المرأة التي كادت أن تذوب خجلا في مقعدها الخلفي من السيارة و هي تسنفذ طاقتها في توصيف المكان الذي وضعت فيه مصروف ابنها و هو لا ينذل!
والغريب أن بعضهم خبير بالهواتف النقالة .. ماركاتها و استخداماتها ورسائلها وامكانياتها و لا ينتقي أويقتني الا أجملها و أخفها وزنا وأغلاها قيمة. .. يشلّح والديه كل ما معهم من نقود لشراء جوالا يباهي به زملاءه و أصدقاءه على مقاعد الدراسة ، مع ان مصروفه في اليوم لا يزيد عن شيقلين او ثلاثة شواقل!
وهناك جماعة أبو رنة، فئة عجيبة غريبة الأطوار ترن عليك رنة بالكاد تسمعها .. وإذا ما “طنشتهم” أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، بمعاودة رنتهم ،فإذا ما تماديت في التطنيش ، سلّطوا عليك”اس أم أساتهم” حتى تقوم بالاتصال أو ” تنفلق” و تفاجأ في كل مرة، أن فحوى المكالمة تخصهم وحدهم، وأن لاناقة لك فيها و لاحتى دجاجة !وهناك جماعة أبو رنتين وأبو ثلاثة إذا إسطدت الواحد منهم قطع عليك الخط حتى تعاود الاتصال ،وإذا عاتبته قال لك بوقاحة :خلصت رناتي!
و الأغرب من هولاء فئة من المدعين يوهمون الآخرين بأنهم” مهمون”، فجوالاتهم دائمة الرنين، ويفضلون الحديث ووجه الهاتف إلى أفواههم، أو يضعونه ملاصقا لشحمة أذنهم. و يطول بك انتظار أن يصمتوا فلا تجد إلى صمتهم سبيلا، وفجأة ترن جوالاتهم، فيسقط في أيديهم وينفضح أمرهم!!.
غير أن السؤال الذي ما انفك يحيرني، و لم أجد له جوابا، هو: لماذا بناتنا و” المراهقات “منهن بالذات، هن من أكثر نساء العالم عبثا بهواتفهن واستخدام ألعابها وعيون كاميراتها و الاستماع الى رناتها وموسيقاها في البيت و الشارع والحديقة و الجامعة أيضاً؟!