أرشيف - غير مصنف

وإنها لانتفاضة حتى النصر..

محمد علي يوسف
قبل انتخابات إيران الرئاسية، العديد من البلدان الغربية واطراف خارجية وآخرون اعتقدوا أن هناك منافسة حقيقية في هذه الانتخابات وأن موسوي سيفوز كمرشح معتدل وسوف يتغير كل شيء في إيران وكانت الشبكات التلفزة الغربية تروج لهذه الفكرة لمدة أسبوعين قبل الانتخابات.
ولكن الذين كانوا يعرفون جيدًا طبيعة نظام ولاية الفقيه وانتخاباتها الزائفة، أعلنوا قبل إجراء الانتخابات «أن هذه الإنتخابات وكسابقاتها، ليست إلا مهزلة وطالما يبقي نظام الملالي على السلطة فإن انتخابات حرّة في إيران ستكون بلا معنى». وجاءت هذه العبارة الصريحة في رسالة وجهتها مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية.
ومباشرة بعد اندلاع الانتفاضة وإجراءات النظام الإيراني القمعية ومن وجهة نظر الأكثر عمومية، برزت هناك نتيجتان محتملتان:
 النتيجة المحتملة الأولى أن يخفق النظام في رأب الصدع في القمة وأخيرًا يخفق في قمع الانتفاضة.. في مثل هذا السيناريو، الانتفاضة ستستمرّ حتى سقوط النظام.
أما النتيجة المحتملة الثانية: فهي أن النظام يستطيع رأب الصدع في القمة ويقمع الانتفاضة بالكامل.
وفي السيناريو الأول من الواضح أن استمرار الانتفاضة سيكون السيناريو المناسب وأقل ثمنًا، لأن سقوط نظام ولاية الفقيه ووصول نظام جديد حتى  نظام ديمقراطي نسبيا إلى السلطة يفيدان أكثر فائدة بالنسبة للمواطنين الإيرانيين والمنطقة العربية.. المهم أن يتمكن معارضو النظام الحالي في إيران ومن ضمنهم المعارضة الر‌ئيسية له أي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية من ممارسة حقّهم في النشاط السياسي والحياة السياسية في ظل النظام الجديد وتكون لها مكاتبها الخاصة وتكون قادرة على المشاركة في الانتخابات الحرّة. في تلك الحالة، سيكون قرار وصوت الشعب هو المقياس أو المسطرة الأدق.
وأما السيناريو الثاني فهو أنه إذا تمكن خامنئي من رأب الصدع الداخلي للنظام وقمع الإنتفاضة العارمة، فالحالة كذلك لا يمكن أن تعود إلى سابقها، بمعنى أنّ الحالة الداخلية والاقليمية والدولية سوف لن تعود إلى الظرف الذي كان سائداً قبل 12يونيو/حزيران 2009 أي قبل إجراء الانتخابات. فالحالة ستكون مختلفة جدًا، ولايمكن القول اطلاقاً بأن الإنتفاضة قد فشلت؛ بل على العكس تماما، فالانتفاضة ستكون لها نتائج مناسبة للخطوات القادمة من كفاح المواطنين ضدّ النظام الفاشي الديني في إيران. وبذلك، وفي هذا السيناريو، أيضا، فالانتفاضة ليست منتكسة اطلاقاً كونها قد سجلت وحققت لحد الايام التي تلت الانتخابات نجاحات وإنجازات كبيرة.
والآن لنرى أي من السيناريوين الاثنين قد ترجح على الآخر؟ وما هو المستقبل؟
وقد نهض الطلاب والشبان والمواطنون البواسل في انتفاضة 9 من تموز (يوليو) الحالي ليضحوا بحياتهم حيث حطموا جدار الاحتقان والكبت المفروض من قبل اصحاب العمائم وهتفوا في أنحاء إيران بشعار «الموت لخامنئي». وتفيد الاخبار الموثوق بها أنه وفي ذلك اليوم كتب بعض الذين توجهوا إلى المظاهرات وصاياهم وآخرون ارتدوا الأكفان وبعضهم أدوا غسل الشهادة ثم توجهوا إلى الشارع، فبذلك استمرت الانتفاضة العارمة للشعب الإيراني حتى الـتاسع من تموز (يوليو) الذكرى العاشرة لقمع الانتفاضة الطلابية أي لفترة 26 يومًا حتى وصلت إلى ذروتها هذا اليوم.
وبعدها استمر القمع الواسع لأبناء لشعب، فامتلأت السجون اكثر فأكثر، وسرقت ازلام النظام جرحى من المسشفيات وقامت بتشديد عمليات التعذيب في السجون، ولكن المظاهرات المتفرقة استمرت في أنحاء إيران بالشعار الرئيسي وهو «الموت لخامنئي».
ولكن المظاهرة التي جرت يوم الجمعة 17 من تموز (يوليو) وشارك فيها ملايين من المواطنين في طهران كانت مظاهرة حاشدة لم يسبق لها مثيل من بين المظاهرات التي جرت في الايام الثلاثين الماضية، حيث جرت تقريبًا في كل أنحاء طهران وكانت تأكيدًا على أن الدرب الذي سلكه الشعب الإيراني، لا رجعة منه، واثبتت أن أيًا من خدع وأضاليل النظام الحاكم لن تتمكن ان يمنع ارادة شعب عزم على التغيير بأي ثمن كان.
إننا نرى أن تصريحات هاشمي رفسنجاني عندما تحدث عن ”أزمة الثقة في إيران” واعترف بقوله ”لقد خسرنا كل شيء” وألمح إلى أن ولاية الفقيه لا تحظى بتأييد الشعب، والتسوية المقترحة من قبله بضرورة اطلاق سراح السجناء السياسيين وإطلاق حرية الصحافة والمناظرات التلفازية، تمثل في الدرجة الأولى ”علاجًا كيمياويًا” لمرض نظام  تأصل السرطان حتى ”رأسه” أي الخلاف بين رفسنجاني وخامنئي. وليس أمام هذا النظام مفرًا من السقوط الأكيد في وقت قريب.. حيث كتب حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة «كيهان» الصادرة في طهران والذي ينطق في هذه الجريدة بلسان خامنئي مخاطبًا رفسنجاني غداة صلاة الجمعة وهو يوضح هذا السرطان قائلاً: «إن القضية ليس الصراع أو التنافس بين الجناحين بل الاعداء استهدفوا النظام الاسلامي والثورة والإمام»!
والذين كانوا يتابعون الثورة المناهضة للملكية قبل 31عامًا داخل إيران أو خارجها، كان يساورهم القلق من أن المواطنين الإيرانيين والمتظاهرين متلاحمون متماسكون في ما يرفضونه ولا يريدونه أي نظام الشاه المقبور ولكن ليس من المحدد ما يريدونه. ولهذا السبب تمكن الملالي من سرقة قيادة الثورة في غياب القادة الرئيسيين الحقيقيين للثورة أي مجاهدي خلق الذين كانوا قيد السجن آنذاك.  وما أشبه اليوم بالبارحة  فوصل التأريخ مرة أخرى إلى النقطة التي برزت الحاجة فيها إلى تيار قيادي تقود صوت الشعب وقوته الكامنة في اتجاه صحيح. وطبعًا اليوم هذا العنصر الحاسم موجود وفي متناول الأيدي وهو المنظمة التي ناضلت ثلاثة عقود وتستطيع أن تقدم الحل والاجابة على هذه الحاجة الماسة. والبديل المتمثل في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية خارج هذا النظام موجود ويحظى بتأييد شعبي واسع داخل إيران من جهة وباعتراف دولي واسع له في خارج إيران من جهة أخرى وهو مستعد وجاهز لأن تستلم السلطة السياسية لتسليمها إلى اصحابها الحقيقيين أي الممثلين المنتخبين من قبل الشعب الإيراني باجراء انتخابات حرة في غضون 6أشهر فقط.
إذن ولتجنب تأزيم الموقف والذي دخانه قد يعمى الكثيرون، يجب الامتناع عن الاعتراف بهذا النظام ورئيسه اللاشرعي وفي المقابل يجب الاعتراف من الآن بالبديل الديمقراطي لهذا النظام.
محمد علي يوسف
باحث وكاتب
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى