عبد الناصر: شعبنا الفلسطيني يناديك
عبد الناصر: شعبنا الفلسطيني يناديك
بقلم: زياد ابوشاويش
كما كل عام يستمر دفق الحب الكبير للرجل الكبير مع إطلالة فجر الثالث والعشرين من يوليو المجيد، وسيبقى الوفاء لرجل الوفاء حتى انقطاع النفس، وكلما ذكرنا فلسطين هتفت أرواحنا جمال عبد الناصر. لم يرتبط قائد عربي باسم فلسطين قدر ارتباط الزعيم الخالد بها وبأهلها ونكبتهم وسعيهم للحرية واستعادة ما فقدوه.
تطل علينا الذكرى ونحن أحوج ما نكون لكلماته ومواقفه الواضحة تجاه قضية الشعب الفلسطيني ونستعيد تلك الخطابات المفعمة بالإرادة والعزيمة والكرامة تجاه تحرير فلسطين وهي كثيرة وتملأ أرجاء الوطن كما العقل والوجدان.
كانت كلمة السر في كل حياته المليئة بالعطاء والحب لأمته فلسطين، كانت نقطة الإرتكاز للمشروع القومي ولحلم الوحدة فلسطين، وكانت فلسطين وجعه الدائم ونبضه الذي لا تفارقه حروفها في أحلك اللحظات وأصعب الظروف.
حين نراجع تلك الخطابات القومية حول فلسطين سواء كانت في غزة أو دمشق أو القاهرة ندرك كم كان جمال عيد الناصر يشعر بعقدة الذنب تجاه ضياعها رغم أنه بالمعنى الشخصي قام بكل واجبه دفاعاً عنها ومن أجل حمايتها من المآل الذي رسمته قوى الاستعمار العالمي لها منذ وعد بلفور.
لقد مرت على شعبنا الفلسطيني لحظات حزن وألم كثيرة قبل النكبة وبالأخص بعدها وكان يتحمل ويكابر على الجرح لكني لم أر حزناً ودموعاً يذرفها شعب منكوب من أجل رجل واحد كما رأيتها في مآقي الناس وقلوبهم حين تنحى جمال عبد الناصر في التاسع من يونيو حزيران عام 1967.
الرجل يكبر بأهله وقومه وبما تصنعه يمناه وبالصبر على المكاره والإيمان بشعبه، وفي هذه جميعاً بل وأكثر كان عبد الناصر كبيراً. كان كبيراً بثورته على النظام الملكي وإسقاطه في عشية وضحاها متحدياً الوجود الاستعماري لبريطانيا العظمى، وكان كبيراً في كسر احتكار السلاح، وفي بناء السد العالي وتحديه للاستعمار الفتي في الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت تمويل بناء السد العالي، وكان كبيراً حين أمم قناة السويس وتحمل بكل رباطة جأش مسؤولية ذلك وانتصر على العدوان الثلاثي، كان كبيراً في تعميم مجانية التعليم ومساواة الناس فيه، وكان أكبر حين أنهى نظام الإقطاع القريب من نظام الرق ووزع الأرض على الفلاحين، وكان كبيراً وعظيماً حين انتصر لثورة اليمن وحين اندفع لنصرة سورية العربية عند وصول معلومات عن حشود إسرائيلية على حدودها مع فلسطين وكانت مقدمة النكسة التي لا زال البعض يعتبرها الأمر الوحيد الذي يجب أن نقيم الرجل الكبير على أرضيته.
اليوم وشعبنا الفلسطيني يعيش مرحلة الانقسام ولا تنفع مع قيادته كل الوسائل لرأب الصدع والحفاظ على مصالحه باستعادة الوحدة الوطنية كما الجغرافية، ويفتري علينا العدو ويتغطرس ولا راد لعدوانه وغطرسته إلا القوة فلا نجدها في فرقتنا وتنازعنا وحماقة بعضنا، نتذكر بكل الحسرة وبكل الحب أيضاً زعيم الأمة وروحها الخالدة جمال عبد الناصر الذي لو كان حياً لوجدنا طريقنا إلى الوحدة بيسر. إن اعتبار عبد الناصر عودة فلسطين فصل الخطاب في كل المشروع القومي ظل ملازماً له حتى وفاته الحزينة بل استشهاده وهو يحاول وقف شلال الدم في المؤامرة الكبرى على قضية شعبنا وثورتنا، حرب أيلول الأسود التي استهدفت إغلاق الجبهة الأوسع والأطول مع إسرائيل والتي يتواجد على ضفافها العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين، ويدرك الجميع اليوم كيف انعكس نجاح تلك المؤامرة على مستقبل الثورة الفلسطينية وأين وصلنا اليوم مذ غادرنا الأردن
عبد الناصر سيبقى قبلة كل الباحثين عن الحق العربي في فلسطين، والشعب الفلسطيني سيبقى وفياً لروح الرجل الذي أبقى الشعلة متقدة في ضمائر الناس وقدم النموذج الأكثر سطوعاً على حب فلسطين وأهل فلسطين، ولذلك نستلهم اليوم من روحه ونبضه الذي لا يغيب ومن فكره النير وعنفوانه العربي الأصيل ما يساعدنا على لملمة شتاتنا واستعادة الإحساس بالكرامة وكيف نواجه عربدة العدو الصهيوني في كل ما يحيط بشعبنا في الضفة وغزة وحتى الشتات.
إنهم يهودون القدس، إنهم يكملون الجدار، إنهم يبنون المزيد من المستوطنات، إنهم يصادرون الأرض ويهدمون المنازل، إنهم يقتلون أبناءنا ويطاردون المقاومين، إنهم يحاصروننا ويضعون لنا الحواجز على الطرقات ويقطعون أوصالنا، إنهم يضربون عرض الحائط بتاريخنا وثقافتنا ووعينا وإرادتنا وحقنا في الحياة، فكيف نرد؟
في ذكراه العظيمة وذكرى ثورته المجيدة نحن في أمس الحاجة لكبريائه المعتمدة على عظمة أمته وتاريخها المجيد، وفي الذكرى نستعيد كل معاركه من أجل الحفاظ على الكرامة والحقوق ونصرة المظلومين في كل مكان، فهل نواجه كل الذي تحدثنا عنه بتمثل قيم وسلوك ذلك القائد الكبير؟.
ليس هناك نموذج أفضل أو أسلم من ذلك النموذج الذي قدمه جمال عبد الناصر في تحديه للاستعمار وللاستكبار وخاصة حين تكالبت عليه كل قوى الظلام في المنطقة والعالم عام 1967 فقد أبى الرجل الخضوع والاستسلام وقبل تحدي الهزيمة ليصنع بعدها جيش مصر نصره المؤزر عام 1973 والذي تم للأسف تبديده على يد السادات في اتفاق مشؤوم يشبه اتفاق أوسلو المشؤوم أي اتفاقية العار في كامب ديفيد.
اليوم ينادي شعبنا الفلسطيني روح الزعيم الكبير وقائد الأمة الذي لا يغيب من أجل نصرته ومن أجل وحدته، وسنجد ذات كلمة السر عند أحرار هذه الأمة طال الزمن أم قصر. السلام على روحه الطاهرة في يوم ثورته المباركة، والسلام لشعب مصر الأبي الذي أنجب جمال عبد الناصر.