أرشيف - غير مصنف
الأميركيون العرب: سيرة ومسير
بقلم: جيمس زغبي
في العشرين من يوليو الجاري، دعتني وزارة العدل الأميركية لإلقاء الكلمة الختامية في مؤتمر نُظم لإحياء الذكرى الخامسة والأربعين لقانون الحقوق المدنية، وفي ما يلي بعض من مقتطفات ذلك الخطاب:
إن قصة الأميركيين العرب كجالية منظمة يمكن وصفها بأنها قصة أميركية كلاسيكية -قصة مهاجرين جاؤوا إلى هذا العالم الجديد بحثاً عن الفرص، واستفادوا من حريات أميركا، ولكنهم عاشوا أيضاً الجانب المظلم للتمييز الذي وصم تاريخ بلادنا. وعلى رغم أن معظم الأميركيين المنحدرين من أصل عربي ينتمون إلى موجة المهاجرين الذين قدموا إلى أميركا في فترة ما قبل، الحرب العالمية الأولى، وما بعدها، إلا أن تطورنا كجالية منظمة يعتبر مع ذلك حديثاً نسبياً.
وكعرب أميركيين، كنا قد شاركنا نحن أيضاً في المسيرات والاعتصامات المطالبة بالحقوق المدنية، واحتفلنا بالانتصارات العظيمة التي تحققت في تلك الفترة. ولكن مع تحول حركة الحقوق المدنية إلى صحوة قومية ثقافية، كان ثمة تأثير إضافي عميق، يستحق الآن التذكير به. فبينما كان الأميركيون الأفارقة يؤكدون على “جذورهم”، بدأت مجموعات إثنية أخرى كثيرة تشعر بأن لها هي أيضاً “جذورها”. وهكذا، اكتشفنا نحن الأميركيين المنحدرين من أصل عربي، حين توحدنا، مصدر فخر مشترك بانتسابنا الموحد إلى إرث جامع عظيم. ثم بدأنا، بعد ذلك، مهمة إنشاء منظمات نقلت وعبّرت عن بواعث قلقنا ودافعت عن حقوقنا، حيناً بحين.
غير أننا واجهنا، أثناء كل ذلك، صعوبات كثيرة، بعضها يعزى إلى أشخاص سعوا إلى إسكات صوتنا، وبعضها الآخر عائد إلى تفشي الصور النمطية والجاهزة التي شكلت عقبة أمام تقبلنا وجهودنا للتعريف بأنفسنا. وبالتالي، فليس من قبيل المصادفات أننا خصصنا أول منظمة وطنية كبيرة للأميركيين العرب لمحاربة الصور النمطية السلبية والتمييز، وأيضاً لتوفير الخدمات لجاليتنا. وفيما بعد، وفرت الحملات الانتخابية الرئاسية لجيسي جاكسون في 1984 و1988 للأميركيين العرب أول فرصة، كجالية منظمة، للمشاركة كفاعل سياسي يحسب له حساب. فسجلنا ناخبينا وعبأناهم.
ثم جاءت الهجمات الإرهابية الفظيعة في الـ11 سبتمبر التي شكلت مأساة كبيرة ومؤلمة بالنسبة لجميع الأميركيين. بل إنها كانت مأساة مزدوجة بالنسبة للأميركيين العرب؛ لأن بلدنا، باعتبارنا أميركيين، تعرض لهجوم، وأيضاً لأن أميركيين عرباً ماتوا في تلك الهجمات. غير أن المحزن هو أن العديد من العرب الأميركيين أُرغموا على الانسحاب من الحداد مع بقية مواطنينا الأميركيين وتحولوا إلى أهداف لجرائم الكراهية والتمييز. ولكن شيئاً مهماً حدث حينها، حيث هب الشعب الأميركي للدفاع عنا ومساندتنا. كما ندد الرئيس بوش بقوة بالكراهية التي تعرضنا لها، ومرر كلا مجلسي الكونجرس قرارات تندد بجرائم الكراهية ضد الأميركيين العرب والمسلمين. ولأول مرة، نشطت الوكالات المعنية بفرض احترام القانون في التحقيق في مثل هذه الجرائم ومتابعة المتورطين فيها، ودافع مواطنون عاديون عنا وأسهموا في حمايتنا ولم يسمحوا للمتعصبين باختطاف أميركا.
إن العرب الأميركيين فخورون بالدور المهم الذي لعبوه خلال مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر؛ لأنهم عملوا على الخطوط الأمامية للحرب على الإرهاب كأفراد شرطة ومطافئ وجنود وعملاء في مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” ومترجمين، ولأننا كنا لا نتردد في مساعدة الوكالات المعنية بفرض احترام القانون على المستوى الفيدرالي أو في الولايات أو المدن حين يُطلب منا ذلك.
غير أن ذلك لا يعني انتهاء المشاكل، إذ بموازاة مع هذه التطورات الإيجابية، كانت ترسَل رسالة سلبية مختلفة تماماً. ولعل أكثر ما يثير قلق العرب الأميركيين في هذا الصدد هو موجز حول رسم الملامح العرقية في 2003 طبقه وزير العدل أشكروفت وسمح برسم الملامح الإثنية والعرقية والدينية للأميركيين العرب والمسلمين، وهي مبادرة طورها أكثر في 2008 وزيرُ العدل موكاسي الذي فتح موجزه الباب أمام تجاوزات أكبر، مما يرخي بغيوم من الشك والارتياب على أبناء جاليتنا كلهم.
ولكنني أعتقد أننا اليوم في بداية عهد جديد، حيث التقى زعماء في جاليتنا مع القيادة الجديدة في وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي، كما أن علاقاتنا مع الـ”إف بي آي” قد تطورت وتؤتي أكلها في كثير من الحالات. والواقع أن هذا المؤتمر لا يمثل استحضاراً للانتصارات الماضية فحسب، وإنما أيضاً يجسد تجديداً للالتزام بالبناء على هذا الماضي لضمان غد أكثر حرية، مما يرسل رسالة واضحة بأن مسيرتنا كعرب أميركيين ستبقى مستمرة