أرشيف - غير مصنف
الذراع الثقـافي والاقتصادي للتطبيع(2-3)
بقلم/ د. رفعت سيد أحمد
يحدثنا تاريخ الثلاثين عاماً الماضية من قصة العلاقات المصرية الإسرائيلية، أن إسرائيل لم تكتف فقط بإنشاء سفارة توالى علي رئاستها عشرة من رجال المخابرات، أنشئت أيضاً اذرع ثقافية واقتصادية لتخترق بها مصر، كان من أهمها: المركز الأكاديمي الإسرائيلي، ومثل زراعاً ثقافياً لأنشطة السياسة الإسرائيلية، ومثل هذا المركز بؤرة هامة لجمع المعلومات السياسية والاقتصادية عن مصر ، ولكى نلم بالصورة كاملة،من المهم هنا تناول قصة هذا المركز الذى اهتم بدراسة المجتمع المصرى وأحشائه وذلك من خلال البحث فى تاريخ وأنشطة رؤسائه منذ إنشائه عام 1982وحتى اليوم تقول المعلومات المتاحة أن هذا المركز قد أنشىء عام 1982 ، وتوالى على رئاسته ثمانية من رجال المخابرات الإسرائيلية ذوى الاهتمام العلمى المعروف ، الأول هو شيمون شامير ، والثانى هو جبرائيل واربورج ، والثالث هو أشير عوفاديا ، والرابع هو يوسف جينات ، أما الخامس فهو عمانوئيل ماركس ، والسادس ساسون سوميخ والسابع هو يوسى اميتاى والثامن تشومسكي، وبتفصيل دور هؤلاء المديرين نلاحظ ان شيمون شامير قد عمل فى المركز لمدة ثلاث سنوات وأنهى عمله فى تشرين الأول – أكتوبر 1984 وهو يعد من كبار المتخصيين فى الدراسات الشرقية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة وطول فترة ادارته عمل على إعداد الدراسات وجمع المعلومات من خلال وسائل الإعلام المصرى ، وخصوصاً من الصحف والمجلات المصرية واتسمت فترة رئاسته بالنشاط السياسى / الأكاديمى المفيد لإسرائيل ثم عمل سفيراً لها فى القاهرة بعد ذلك نظراً لعلاقاته بالموساد ولخبرته الواسعة عن مصر 0
أما المدير الثانى جبرائيل واربورج الذى تولى رئاسة المركز الاكاديمى فى تشرين الأول – أكتوبر 1984 ، وهو يعد من أبرز الخبراء الإسرائيليين فى مجالات شئون الشرق الأوسط وبالتحديد مصر والسودان ، وأدى تعيين واربورج فى هذا المنصب إلى زيادة صيحات الاستنكار لتاريخه المعروف فى مجال جمع المعلومات لجهاز المخابرات الإسرائيلية وكان واربورج نشيطاً للغاية ، وقام فور توليه رئاسة المركز باستقبال أعداد كبيرة من الباحثين الإسرائيليين القادمين إلى القاهرة لإعداد البحوث الخاصة بالحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المصرية لصالح صانع القرار الإسرائيلى ، وانتهت مدة خدمته فى المركز عام 1987 ثم عـمل بعد ذلك سفيراً لإسرائيل فى مصر لـمدة عامـين ، رحل بعدهمـا لإسرائيل 0
أما المدير الثالث أشير عوفاديا فلقد زار مصر أكثر من 15 مرة قبل توليه منصبه فى المركز الأكاديمى وتعرف خلالها على جميع المحافظات المصرية كما انه شديد الاهتمام بالفن المعمارى الفرعونى والأغريقى ، فضلاً عن انه يركز بصفة رئيسية على الفن المعمارى والإسلامى والمسيحى ، وكان من المتوقع أن يركز المركز الاكاديمى تحت رئاسته على طبقة المعماريين والفنانين التشكيليين المصريين وكان له أيضاً علاقات وطيدة بالخارجية وجهاز المخابرات الإسرائيلى وقد أعد لهم العديد من الدراسات حول التيارات الإسلامية فى مصر وحول مشاعر المصريين تجاه إسرائيل بعد عشر سنوات من توقيع اتفاقات كامب ديفيد واستمر فى المركز من 1987 – 1989م 0
أما المدير الرابع يوسف جينات 22/8/1989 – 1/10/1992 فقد كان من أهم مديرى المركز (كما تؤكد الدراسات المتابعة لنشاطه الثقافى والعلمى) واستطاع أن يستقطب حوله العديد من الرموز الثقافية المصرية – وقد ساعده فى ذلك انه كان من أبرز المتخصصين اليهود فى الأدب العربى واستمر عمله فى عمله من 1989 – 1992 0
أما المدير الخامس عمانوئيل ماركس ، فقد تخصص فى دراسة منطقة صحراء النقب ورأس المركز منذ 1/10/1992 حتى 1998 حين جاء ساسون سوميخ الذى تخصص فى الأدب وبخاصة أدب نجيب محفوظ وكان له علاقات خاصة به ثم المدير السابع (يوسى اميتاى) الذى سبق له أن أعد رسالته للدكتوراة عن (اليسار فى مصر) وله دراسة مهمة عن قوى اليسار وأحزابه وله أيضاً صداقات مع البعض منهم مثل رئيس حالي لأحد أبرز الأحزاب اليسارية الرسمية فى الساحة المصرية وهو معروف باتصالاته الخاصة جداً بالخارجية والأمن فى إسرائيل وكان هذا الرئيس قد أرسل له برقية عزاء في وفاة ابنته في حادث في تل أبيب، ثم جاء المدير الثامن إسرائيل تشوسكى وهو متخصص فى الثقافة العربية والحركات الإسلامية خاصة جماعة الإخوان المسلمين وهو كاره بطبيعته للمصريين والعرب ولايزال يعمل فى مصر حتى اليوم.
* * * *
القنصليتان : الذراع التجارى للعمل السياسى
ولأن شبكة العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية لابد وأن تكون مكتملة لذا كان لابد من وجود (قناصل) لإسرائيل فى مصر يمثلون الذراع التجارى والاجتماعى والاقتصادى لها ، وقد كان ، حيث أنشئت قنصليتان احداهما فى الاسكندرية والثانية (الرئيسية أو القنصلية العامة) فى القاهرة وذلك منذ بداية الثمانينات ، والأخيرة كان يتولى رئاستها حتى فترة قريبة أحد خبراء الأمن الإسرائيلى واسمه [ايلى ليفى] ،ومهمته مساعدة النشاط الدبلوماسى للسفارة الإسرائيلية فى مزيد من التدخل والتعامل السياسى والتجارى مع شرائح وفئات المجتمع المصرى الاقتصادية.
* المعلومات والأرقام المتاحة عن حجم ونوع العلاقات الاقتصادية المصرية الإسرائيلية التى تولاها السفراء والقناصل ، تؤكد حقيقة ، غير متوقعة – وهى أنه رغم ما قد يبدو من توتر فى العلاقات السياسية ، ورغم جمود (المستوى السياسى) للعلاقات على الأقل خلال الفترة من عام 2000 – 2005 (فترة الانتفاضة) ، فإن العلاقات الاقتصادية كانت فى تزايد ونمو ملحوظ حيث تم توقيع اتفاقية الكويز الاقتصادية وعاد السفير المصرى الى تل أبيب ، وأطلق الجاسوس عزام متعب عزام ولعبت مصر دوراً مهماً فى اتفاقات التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد تفاهمات شرم الشيخ (مارس 2005) ووقعت اتفاقات الكويز واتفاقية الغاز وسبق كل هذه التطورات نمو ملحوظ على مستوى العلاقات الاقتصادية الرسمية ، وبعودة إلى الأرقام التاريخية نكتشف أنه فى عام 1997 كنموذج لسنوات التسعينات، مثل البترول المصرى المصدر الأول للطاقة بالنسبة لإسرائيل 30% من احتياجاتها البترولية الاجمالية ، وبعد ان كانت صادرات مصر لإسرائيل عام 1980 تصل الى 12 مليون دولار فى العام اذ بها عام 1996 (بعد انتخاب نتنياهو) تصل الى 116.84 مليون دولار ، وعام 1997 الى 107 مليون دولار ، وفى عام 1980 كان اجمالى الواردات المصرية من إسرائيل يصل الى 7 ملايين دولار ، قفزت فى عام 1996 الى 124.7 مليون دولار ، وفى عام 1997 الى 142.26 مليون دولار واليوم وصلت الى حوالي 300 مليون دولار ، والأخطر من هذه القفزات الرقمية هو انه بقياس ما تصدره مصر الى إسرائيل يمثل 9.72% عام 1996 و8.05% عام 1997 وهما رقمان غاية فى الدلالة اذا علمنا ان اجمالى صادرات مصـر الى الدول العربية فى نفس العامين على التوالى هى 69.1% عام 1996 و63.5% عام 1997 0
(المصدر : وزارة التجارة – مصر – صادرات مصر عامى 1996/1997 – القاهرة فبراير 1998) والأمر ازداد دفئاً فى عهد باراك بل وفى أيام الانتفاضة (28/9/2000) وما تلاها حتى مرحلة شارون وتفاهمات شرم الشيخ ثم مرحلة أولمرت والآن مرحلة تننياهو.
* * * *
* ولعل أبرز المشاريع الاقتصادية بين الحكومتين خلال الأعوام 1979 – 2009 هى المشاريع التى تتم فى القطاع النفطي والتي كان آخرها (اتفاقية الغاز) وقطاع النسيج (اتفاقية الكويز) والقطاع الزراعى بفضل وجود يوسف والى وزير الزراعة الأسبق الذى اشتهر بدوره التطبيعى الواسع مع العدو الصهيونى فى مجال التطبيع الزراعى وبخاصة فى مجالات (الأسمدة – البذور) واستيراد المبيدات الإسرائيلية والتى كانت تمثل 45% من السلع التى يستخدمها الفلاح المصرى والإسرائيلى حيث يوجد الآن لإسرائيل ثلاث مستوطنات زراعية إن جاز الوصف علي طريق الاسكندرية الصحراوى/ العامرية/ المنوفية وهى ملكية خاصة لهم ، وتصدر الوزارة 30 سلعة وتستورد 46 سلعة زراعية وفواكه ، وفى نفس المجال الاقتصادى أنشئت مصفاة للبترول فى الاسكندرية أسسها بعض رجال الاعمال المصريين والإسرائيليين عام 1994 وسميت مصفاة نفط الشرق الأوسط وبدأت عملها الفعلى عام (1998) وتكلفت مليار دولار واشتركت فيها الهيئة المصرية العامة للبترول بنسبة 20% ، وبنفس الإطراد فى المجال الاقتصادى انسحب الأمر على النشاط السياحى رغم أحداث طابا (2004) وما تلاها وتم التعامل أيضاً مع عدد من رجال الأعمال المعروفين في المجالات الاقتصادية والسياحية.
والحديث موصول 000
E-MAIL: [email protected]