أرشيف - غير مصنف
واشنطن تحقق: (50) مليار دولار خصصت لإعادة البناء..سرقها (عراقيون) أم (أميركان)
تُظهر التدقيقات الأخيرة للحكومة الأميركية (خليطاً) من النجاح والفشل في ما تسميه جهود إعادة البناء في العراق التي كلفت نحو 50 مليار دولار. العديد من المشاريع –كما تزعم تقارير عملية التدقيق جيدة، فيما كانت مشاريع أخرى قد ذهبت تخصيصاتها المالية هدراً!. ويقول كويل لورنس مراسل شبكة npr الأميركية إن النقاش مستمر بشأن سرعة انسحاب القوات الأميركية من العراق، ونقل السيطرة إلى العراقيين، واحتمالية استمرار انشغال الجيش الأميركي في المشاريع غير المنتهية.
والتقارير الصادرة من مكتب المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة البناء في العراق، تبرز (ضخامة) تلك المهمة، وكم سيكون (صعباً) لوقف ذلك الجهد، وتسليم سلطة بعض المشاريع إلى القوات الحكومية العراقية. وأوضح المراسل إن مشروع الإصلاحية الذي أنشيء في منطقة صحراوية خارج مدينة بعقوبة، والذي يصفه السكان المحليون بالحوت، قُصد به أن يكون سجناً شديد الحراسة، تكفّلت بإنشائه الولايات المتحدة.
ويؤكد لورنس أن الشيء الوحيد (الشغّال) في هذا الموقع الذي لم يكتمل بناؤه الممتد بعرض نصف ميل، غرفة الحراسة المؤقتة، أو الكوخ الذي يرفرف فوقه العلم العراقي. ثمة حارسان من البلدة القريبة (خان بني سعد) يقولان إن الحكومة العراقية لم تُسأل فيما إذا كانت تحتاج إلى سجن في هذا المكان أم لا!.
وتساءل أحد الحارسين قائلاً: ((الشركة الأميركية جاءت لتبني السجن. فمن نكون نحن لنمنعها؟!)). ويشدّد المراسل على القول إن العراق لا يمتلك بالمرة سجوناً حديثة، لكنّ ذلك أمر جانبي. وبعد دفع 45 مليون دولار لشركة أميركية، متخصصة ببناء السجون، أمرت قيادة فيالق الهندسة في الجيش الأميركي بإلغاء المشروع قبل ثلاث سنوات؛ كانت هذه المنشآت قد بُنيت بشكل سيء، ولا قرار صحيحاً بشأنها إلا الهدم، وهو يكلف أيضا بضعة ملايين من الدولارات.
ويقول أحد السكان المحليين، الذي سمّى نفسه (أبو محمد) إن المشروع شكـّل رأيه بالأميركان. وأضاف: ((الأميركان بشر مثلنا، بعضهم سيء، وبعضهم جيد)). وأعرب عن رأيه بأن الأميركان كما يبدو أخذوا بالطريقة المحلية في العمل. وكشف أنه يعرف نقيباً في الجيش الأميركي طلب من مقاول محلي، بلسانه (مالاً)). ويقول (أبو محمد): ((لقد تعلموا ذلك منّا))!. وسأله المراسل فيما إذا كان يقصد أنّ الأميركان تعلموا الفساد من الأميركيين، أجابه ((نعم))!.
و(جنجر كروز) نائبة المفتش الأميركي العام المعين المشرف على مشاريع إعادة البناء في العراق يسمّي مشروع سجن خان بني سعد ((درس ألـ 40 مليون دولار للحكومة الأميركية في كيفية أن لا تعمل في مشاريع إعادة البناء)). ولم يذكر تقرير المفتش العام من الأمثلة الجيدة في هذه المشاريع غير بعض المنشآت الصحية والرواتب التي دفعت للمتمردين السابقين الذين شكلوا الصحوات، وكانوا عاملاً مهماً في تحييد الحرب الطائفية. لكن حكومة بغداد هي التي تدفع الآن تلك الرواتب، والجنود الأميركان انسحبوا من المدن. وكما تقول (كروز) فإن برامج إعادة البناء يجب أن تنكمش أيضاً.
وتضيف: ((إن البرنامج يستمر لتصبح تخصيصاته فقط 500 مليون دولار سنة 2010 في وقت تبدأ فيه القوات الأميركية بالانسحاب، وهناك هدف أن يبقى في العراق 15,000 جندي بحلول شهر آب 2010)). وهذه السنة –يؤكد لورنس- يستنفد الجيش الأميركي وسائله لصرف الأموال، ليعيد الفائض الذي يصل الى 247 مليون دولار الى الخزانة الأميركية.
وينقل كويل لورنس تعبير القادة العسكريين الأميركان في العراق عن ((أسفهم)) لأنّ ظروف التمرّد أجبرتهم على الامتناع عن رفع لافتات تكشف عن تمويلهم للكثير من مراكز الشرطة والمستشفيات، خاصة عندما كانت أهدافاً للسيارات المفخخة، وهذا يعني أن العراقيين لا يعرفون أنها جزء من برامج إعادة البناء، وما يقصدونه هو أن الحكومة لم تنشئ تلك المباني!.
وعلى الرغم من أنّ الجانب الأميركي يدقق منذ أكثر من سنتين في أموال طائلة سُرقت –يقال إنها مليارات الدولارات- والتي حُرمت منها البنية التحتية التي دمّرها الاحتلال وما نتج عنه من حروب داخلية ونزاعات وعنف، إلا أن الحكومة العراقية تلتزم الصمت وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، ربما لأنها تقول (ما فينا يكفينا) فالفساد من أكبر المعضلات التي تواجهها الحكومة حتى الآن، لكنّ الطروحات التي يجب أن يقتنع بها الناس كما يبدو ذلك من سياقات الإجراءات الحكومية في وعودها الكثيرة بملاحقة الفساد، هي أن هناك ((فساداً)) ولكنْ ليس هناك ((فاسدون))!!. وفي واقع الحال لا يعرف أحد –برغم مرور 6 سنوات- هل الذين سرقوا تلك الأموال عراقيون أم أميركان، مسؤولون أم مقاولون، رؤساء عشائر، أم رؤساء أحزاب؟. إن أسئلة مثل هذه تحتاج إلى إجابة، وبعكسه يبقى الجميع تحت طائلة الاتهام في حديث الشارع!.
يؤكد مراسل شبكة npr أن الأميركيين يجدون صعوبة كبيرة في نقل الكثير من المشاريع (المهمة) لتكون تحت سيطرة الحكومة العراقية. ويذكر على سبيل المثال أن الجيش الأميركي بنى فندقاً كبيراً، ومركزاً تجارياً بالقرب من مطار بغداد، لكن الجيش عندما سلم المركز التجاري إلى وزارة النقل، اكتشف أن ((الكراسي الجلدية وشاشات التلفزيون الكبيرة المسطحة، قد نهبت من قبل مسؤولي الوزارة)). ولهذا –يؤكد كويل لورنس أن قيادة الجيش الأميركي في العراق مترددة وربما تمانع في تسليم الفندق، لأنه سينهب حتماً، طبقاً لـ(جنجر كروز) نائبة المفتش العام الأميركي، التي كشفت أن الجيش الأميركي سيستمر في إدارة الفندق من قبل شركة متخصصة، وأوضحت أن أجرة الغرفة الواحدة يومياً نحو 225 دولاراً. وتشير ((كروز الى أن هناك العديد من المشاريع المشابهة في العراق))!.