ملخص الزفرات السابقة ……
رحلة البحث اللاهث نحو الزفرات العربية المتلاحقه , رحلة عبر صراط اغوار الزمان وخرائط المكان لازالت مستمرة ولااحسبها ستتوقف , انها زفرة لاامرأة عربية في البحث عن الجذور في بلاد الفردوس المفقود , حيث تصلها رسالة لحضور موتمر لعلم الاثار ينعقد في مدريد , ولانها ذات تخصص نادر في البحث , واكتشاف الحضارات المندثره , فانها بشوق ولهفة تمضي مسرعة من بلادها الى هناك , وهناك تطلب زيارة سياحة لغرناطة, في الوقت الضائع قبل انعقاد الموتمر , فتقرر شركة السياحة ان يرافقها لوكا, ذلك الاسباني , الخبير باللغة العربية ,الذي يجيدها اجادة تامة ويجيد ايضا تفسير تاريخ حضارة الاندلس , وهناك يفضي اليها بسر غريب , فتصبح زفرة لوكا مفتاح لقبو ماضي مذكور بالاسماء المتعاقبة , في احدى الوثائق القديمة الموجوده في قبو سري , فيجتهد معها لمعرفة الآسرار التي ذكرت في ذلك الدفتر الذي خط بالزفرات. وفي الطريق الى غرناطة , تحدث امور , ومغامرات كثيرة تنكشف فيها ….
كيف طعن الحاضر بخنجر الآمس …
الزفرة الثالثة …
وما أدراك ما طول طريق الآلم الى غرناطة ……..
لحظات رايت لوكا تحت سيارته متمدداً , يحاول اصلاح شيء تعطب في اسفلها , فثار بركان اسود من الدخان , كم كانت رائحته بائسة , فقد صوابه من تلك المفاجاءة التي لم تكن تخطر على باله , لم يحسب حسابٌ لها ابداً , اخذ يردد غاضباً …عليك اللعنة عليك اللعنة اوقتها هذا ,؟
عندئذ: دب دبيب سكون الليل الغريب اطنان , ووزن حمولته اثقلت وجعي وجعلتني كريشة في مهبها يتقاذفني رجع الزمان, زحف ببطئ على صدري ، ذهبت اتفقد المكان , مسحورة بما ارى , سرتُ بدون وعي تاخذني قدمي مبتعدة الى الآمام , خلسة تجرني قافلة همومي الى الآرض اتلمسها , اقبض حفنة من تراب غرناطة تتناثر بين يدي ما أجمل رائحته; تلمع اجسام تشع ببريق مريب من بين ذراتها ,
وكانها تحتوي على عنصر من كيمياء تيارات الزمان, اجل ان هناك شيء مايسحبني بقوة هائلة , أجسام مادية في تلك الرمال تعمل عمل آلة الزمن في خواص هندسية الزمن والمكان اجتمعا معاً فكان , الزمكان ,
انسحبت بشدة الى فضاء رباعي الأبعاد اندمح فيه زمني وغرناطه فكنت اتنقل في الفراغ الذي اكتسب قدرة هائلة من امواج كهرومغناطيسية. تجذبني إلى وسط مرعب يؤثر بعضه على بعض بقوة فتاكة ، يلتف بسرعة جاذبية كبيرة فيقوم بسحب الزمكان في حلقات دائرية تلتف حولي بكثافة غريبة , هاهو ألزمن له رائحة خواص غرناطة ,ولكن آى زمان أنا ماضية اليه الآن ، ؟
اندمج معهما في دائرة مرعبة الف فيها حول نفسي وادور ادور بجنون , هاهي ألأجسام عائمة تسير بعضها خلف بعض بحركة فائقة الدقة تتوضح بعضها امامي , ولكنها تمر بي كالبرق في سرعتها انظر الى الخلف فارى أجزاء من مجرتنا وبسرعة كسرعة الضوء الذي امامي اقترب اكثر الى الآمام فتزداد حيويته ولمعانه ,
هاهو المكان يظهر لي ضمن نافذة مشعة ساطعة تبهر انوارها عيني مباشرة.كم من مئات السنين الضوئيه اجتزتها بالالتفاف المرعب هذا , أغمضت عيني من كثرة ذهول فناء سريع , اردد واهمس اقول لنفسي أنها النهاية !!
تحولت فجاءة نحو نفق مظلم فغصت عميقاً في ممراته , لازلت التف حول تيارات غريبة افقدتني النطق والعقل معاً ,كم من عمر الزمان , مضيت فيه فاقدة الوعي تماماً , لااعرف لااعرف ارقامها ؟ ولكن شدة ارتطام مرعبة , اعادت لي شيء من حواسي الميته , وفجأة !استيقظت من رعبي اتلمس قدمي اين هي ؟
هل تلامس تراب الارض ام لاتزال عائمة , احفر بقدمي الواهنة موضع قدماً في التراب اريدها ان تصبح اوتاد لهيكلي المتجمد بصقيع الموت المتيبسة دمائه , عجباً أين أنا في عمر الزمان ! وما هذه البقعة التي اقف انا الان على مشارف جغرافيتها؟ ؟
أفقت من خوفي اتلمس حولي فوجدت نفسي في صخب مهرجان زمان, أنا بين جنباته واقفة , وحينها تذكرت أنني كنت انتظر مترجمي لوكا خارجاً من تحت سيارته , أصابتني رعشة من الخوف أين لوكا لا بل أين أنا , أ ذا باصوات تشق سكون المكان ويتعالى .. ضجيج وهتافات ;
يقطع هذا الترقُّب وتلك التصورات اصوت تهتف وايادي تلوحُ , وزهور تنثر على جانبي الطريق تهتف الغالب أنتَ الغالب أنتَ !
هاهو المكان يتوسع امام نظري , والحشود من الجماهير تصطف حوله ويتعالى الضجيج .. ؟
هنا يطعن الحاضر بخنجرالآمس .. عجباً !
ماسر هذه الجماهير المحتفية على الطريق ……؟
لمن هذا الموكب الكبير الذي تسير فيه جحافل من الجيوش , وصهيل خيولهم يشق جدار الخوف من قوته ؟ومن هو هذا الفارس الهمام الذي يتقدمه …؟
يقطع هذا الانتظار المرعب والانتقال المفاجى , وكثرة تلك التصورات التي تمزق راسي اصوات تهتف وتتعالى اكثر واكثر …..ويزداد حماسها كلما تقدم ذلك القائد الراكب على فرسه متقدماً نحوها موكبه , والآيادي تذوب من التصفيق تلوح له تحييه , !
هتافات .. وايادي , وزهور وأغان .. .. !
أعقل من منجم دهشتي لانظرحولي متفحصة , من هم ؟ ومن هو , وما سر الهتاف الغريب , الغالب الغالب ,!
لابد عائداً من معركة قاتل فيها ببسالة اعدائه ورجع غانماً ,منتصرا فيها , ؟ فوجدتني في بركان صخب وهرج وحيرة , لجحافل جيش جرار قوي بفرسانه ,
يتقدمون السرايا , اراهم اسود سيوفهم بتارة , اعلامهم خافقة , يتقدمهم فارسهم الصنديد ملوحا ً بيده ,
تزداد الحيرة فتصبح طوفان يكتسح ارجائي,! كيف وصلت إلى هنا …
سوال مازال يحيرني ولكني كتمت صهيله ؟
ركضت نحو الجموع للجماهير التي تصطف , لعلي اعرف منها آي زمان أنا اتنفس دقائقه…….؟ ومن هم…….؟
والريح تهتف بصخب باشجار الزيتون الحزينه فتزيد من رجفتها عصفاً ,
فاشم صوت الفرحة , وهمهماتها , لم تتوقف لحظة واحدة , سكان مدينة اجمعها , كل نسائها , اطفالها , شيوخها اصطفوا على جانبي الطريق يلوحون بايديهم , مستقبلين المنتصر في حربه الموصوف : الغالب! الغالب!. تقدمت قليلاً اتدافع بين الجموع الفرحة , اريد روية هذا الفارس الموشح بالنصر …….؟
التفت الى تلك المرأة التي تقف خلفي اشير اليه بيدي, اسئلها اهذا هو الامير الغالب ماأسمه ومن هم اعدائه الذين ابادهم بسيفه ؟
لم تجبني على سوالي فلقد زادها الحماس حمية, وانفعال و اخذت تلوح هاتفة :
عشت عشت أيها الآمير محمد النصري أبن الأحمرالبطل الذي دحر الآخوة واسقط اشبيلة ,!
إشبيلية أعظم حواضر الأندلس، وأمنعها حصونًا، وأكثرها سكانًا، !.
و تجمدت شرايني لما سمعت……. !. أنا أذن في صراط عام 1248 وهذا هو موكب الآمير محمد الخامس أبن الاحمر أمير غرناطة , العائد من حربه تظامناً مع ملك القوط القشتالي فرناندو الثالث , ضد حاكم اشبيلة المسلم ,
يالمصيبتي مهمة مخزية، لاشرف يلبد في افيائها ، تتعارض مع كل قيم السماء والبشر في نصرة الاعداء وممالأتهم و السير معهم في ابادة اهل اشبيلية ؛!.
ياه أيها القائد الفذ لقد باح لي التاريخ بظيمه حين قمت مشمراً حنكتك وخداعك دبلوماسية شياطين ,بإقناع حامية القلعة ا بضرورة التسليم حقنًا للدماء ,
واعجبي ناصحاً اياهم لاغماد السيوف وذبح المعتقد ، صونًا للأموال, وليس دفاعاً عنه , طالبا منهم الاستسلام ، وتسليم المدينة الى الملك الماكر , كم مضى من عمر الزمان وأنت واقفاً على اسوارها , موازراً ثعلبك الذي قرر ان ياكل رمانتك غرناطة فيما بعد حبةٍ حبة …… ياللغباء …!.
اسقطت مدن الاندلس مدينة تلو اخرى “قرمونة” واستوليت على “قنطلانة” ، فاقتحتمها في ليل بهيم عَنوة تدكها حوافر خيول جيش غرناطة المتقدمة لجيش فرناندوا ، وأسرت فيها سبعمائة فارس من فرسانها اودعتهم القبور ،
شددت الحصار والجوع والمرض حول اشبيلية و اهلها , وخربت الارض والزرع ، عام ونصفه مضى و يداك في أيدي القشتاليين ضد أمة هدها العجب من وقوفك مع اعدائها . هراً امام اعدائك , ثعلباً امام قطيع اعزل , منعت ورود الإمداد والمؤن عن اطفالها ونسائها ..
, ماهي الفلسفة التي تنفطر لها النفس بوجودك إلى جانب قوات فرنادوا , تشترك في ذبحها ؟,
ياه أيها الامير , كيف تخليت عن المروة دفعة واحدة، بئس سيفك الذي يبرق ببريق الهوان, حين استلمت مفتاح بوابتها وشردت اهلها واخمدت الاسلام فيها بيديك . الغالب هو …….؟
الداحر هو ……….؟
ولكن ليس لااعدائه , انما لبني قومه , اخوته في الدين والنسب ؟
هاهو راجعاً من مواكب الذل والتيه العربي . يالزمن التيه حين يستقبل الامراء بالورود وهم يمسحون سيوفهم التي تقطر بغزارة من دماء اعناق الاخوة في اشبيلية ,
أسقطت التاريخ بسيف غفلة و عمدا . اسطورة تهوى بامر انصاف رجال ، والغريب انها لاتزال تهوي بارتطمات متتالية ليومنا هذا . يتربص بها اعدائها ولكننا سلمنا امر السقوط والحياة باوامرهم هم ..هم من يحدد ساعة الصفر للابادة …….
متي ستعرف ايها الامير محمد انك مقبل على النهاية ولااحد يمكنه ان يوقف الانحدار للهاوية التي بدئها ابائك , السقوط له بدايات انعكست اضوائه فرادتنا ظلمة وانكسار الوانه اعمت اعيننا ، ومع الزمان اصبحنا عميان لانرى ضياء شمس , لاتزال تخبو قليلاً قليلا .
اكاد اشك باننا مازلنا على قيد الحياة لم نتبخر بفعل حرارة حقد اعدائنا واهواء امرائنا .
أيها الآمير الغرناطي كن موقناً أن من زرع الذل في ارض اخوته لايحصد غير الهزيمة والنتيجة ماترى . ومتى ما وجدت الأسباب، كانت النتائج ؛
يضربني مشهد موكبه , وتحيته للناس الذين كانوا في انتظاره, بقوة هناك شيء دفين فيه . يدفعني الأمر للغور بين سطوره هل يعرف ماهو مقدم عليه , اتفحص في وجهه المتعب لم كل هذا الهم على محياه ؟ارى تيارات من الآلم فوق جبينه , لم كل هذا الحزن ؟
اوتراه يعرف بدأية العد العكسي للانحدار والتراجع , اوتراه يعرف ما لا يخطر على بال …..؟
المصير بعد 1492…….؟ستكون النموذج الاول لكل التاليات من غرناطات ….المصير واحد للانحدار والاندثار …… !!!
اوتراه يعرف ماحصده وهو عائدا من حربه ,؟
كم كان فهمك سقيم أيها الآمير امير غرناطة ، حين اوثقتك المصلحة الشخصية والترف والهوى فاضعت شعب ائتمنك على دينه وارضه ووجوده فابدتهم معاً..
شعب غرناطة الذي وثق باميره وبحكمته وصلابة دينه لقد غرر بهم الامير غرر بالشعب والجيش معاً وباع الارض بالهوى !
فكيف ارتضو محاصرة وذبح اشبيلية لمدة سبعة عشرة شهراً موافقين على النحر ، هل كانوا مغيبين عن الرشد ؟
يستغيث فيهم أهل إشبيلية لنصرتهم فالعدو واحداً !!!
لكن هل يسمع من به صمم؟! فانهم رماد فهل تنفخُ نار في رَماد, !!!
اختفت مدينة تحصن مدينة غرناطة من اعدائها , مدينة ينام الايمان والمجد والعمران في اطراف ثغرها الجنوبي, ,
وَما زال الزمَان يَدورُ فهل ضمنت أيها الامير الاحمر غرناطتك فتعال اسئل سؤال الدهْر:
أَينَ غرناطة اليوم واين شعبها ؟!!!
ماذا حدث انها رواية من الف حكاية ايها الامير النصري ؟
انها في بوابة التاريخ الذي يصر علينا نحن أحفاده , لنتعرف على انفسنا فقد اضاعنا الجبن الذي زرعتموه لنعرف حجم خطيئتنا , حتى نصنع الحاضر الذي لازالت اهوائكم تتلاعب في مصيره..
انت وجميع احفادك ملوك الطوائف بانانيه مفرطة, كم صبت وستصب من وابل اللعنات من الارض والسماء عليكم بطعن الامة بالخنجر ذاته المغروس منذ الآمس حتى يومنا هذا ,
إنه من المخجل التعثر مرتين بالحجر نفسه ايها الامير .. فمساحة الذل تولد الصمت احياناً عند الشعوب ولكنه لايفتا ان يُكون بركان ضجيج..يطحن عظام الجبناء ………!!!
فيالروعة الزمان حين جاد بالوصل على الآندلس بسواعد فرسان رجال , ويالذل اليوم حين اكون في قائمة المنتظرين تشريف الآمير وهو عائدٌ من قتال اخوته!!!
ألم اقل لكم انها رحلة للزفرات .!!!
وما أدراك ما طول طريق الآلم الى غرناطة ……..
اتلحف بحلية الزهو, واغتال بها, وانا انظر لماض بناه رجال , وينتزعها مني مرغمة واقع خذلان وانا اعيش بواقع الزفرات لااحفاد الصغيراليوم !
فالى دروب الزفرات منذ ضياع غرناطة , مرورا ببلاد الزيتون , حتى بلاد النخيل ….التي اضاعها اطماع احفاد الامير الصغير…….
الكاتبة دجلة الناصري ….