أرشيف - غير مصنف

أأبو الديب .. باع قلمه

 

   – سمع يا شباب .. صلّوا على النبي

   – اللهم صلّي على محمد

   – زيدوا النبي صلاة!

   – اللهم صلي على كل الأنبياء .. خلّصنا وافتح المزاد، صلّينا على نبي المسلمين والمسيحيين والبوذيين والشيوعيين والقوميين واليساريين واليمينيين واليمين الوسط واليسار الوسط وعبدة الشمس وعبدة القرش وعبدة الفراش والماويين والتقدميين ..

صاح أحد الحضور منفعلاً:

   – انتهينا يا فهلوي .. انت ما صدقت .. أقترح ألا تعطي الكلمة لكاتب القصة القصيرة الثرثار والمزعج والمسهب والمتملّق والمنحدر!

   – منحدر يا منذر الزفت؟

يضرب عريف المزاد العلني بمطرقة صغيرة على الطاولة أمامه صارخاً:

   – يخرب بيوتكم وبيوت جيرانكم وجيران جيرانكم .. أريد أن أنتهي اليوم من هذا المزاد اللعين وإلا سأضطر لكسر القلم .. مفهوم؟

   – إلا القلم يا عريف .. إلا القلم!

   – أنت يا شويعر ابق ساكت وابلع لسانك حتى البلعوم، وإلا فسأكسر رأسك بهذه المطرقة.

   – لا تفكّر نفسك يا عريف رئيس دولة عربية .. نحن نمقت الديكتاتورية ونرفض أن تعاملنا من برج عاجي مميّز وقميء وعدميّ ومنغلق على ذاته كالسلحفاة إثر سقوط حجارة من السماء مثلاً.

تصفيق حارّ في الصالة.

   – لماذا لا تتقعّر ساعة أخرى من الزمن يا كاتب الرواية. أنا عدمي ومنغلق كالسلحفاة .. بعد سقوط حجارة على رأسك يا متخلّف. يا جماعة هذا جنون! كلّ ما هناك أنّ الأديب أبو الديب قرر هجر المهنة، وقد تمكّن من كتابة ألف قصّة بقلمه هذا!

صاح أبو الديب بحسرة من الصفّ الأوّل للصالة:

   – ألف ومائة وثلاث وثلاثين قصّة ما بين قصيرة وطويلة يا عريف!

   – شكراً للتوضيح يا أبا الديب المخترم!

   – محترم يا عريف وتكتب بالحاء بدلاً من الخاء!

صاح أحد الحضور

   – نبدأ المزاد يا معشر الكتّاب والصحفيين المحترمين بالحاء وليس بالخاء! الثمن الذي أراه مناسباً لافتتاح المزاد هو علبة علكة بالنعناع حتى يتمكن أبو الديب من إنعاش روحه وتغيير رائحة فمه قبل أن يقبّل المعجبات بقلمه المتألق وما أكثرهنّ.

   – علبتين من العلكة بالنعناع يا عريف.

صاح الروائي

   – بل خمسة علب من العلكة مشكّلة بالنعناع والفراولة وطعم البطيخ.

   – خمسة علب من العلكة .. خمسة علب من العلكة .. على أون على دوّة على ترووا على كاترو .. على أونّا على دووا على ترووا على كاترو*

   – خمسة علب من العلكة ووعاء كبير من الفشّار وآخر من البطاطس المقلية .. لعينيك يا أبا الديب. أنت لست رخيصاً عندنا وقلمك يعني الكثير بالنسبة لنا!

   – أضف على ذلك بيضتين ودجاجة بلدية!

   – أنا الشويعر والذي لم أرق للعريف المخترم بالخاء وليس بالحاء أضيف على كلّ ما ذُكِرْ تنكة زيت زيتون أصلي وللعلم سعتها ستة عشر كيلوغرام .. لمزيد من المعلومات ولتجّار الجملة راجعوا دكّان أبو كمال في آخر الشارع وبجانب الجامع، عروضنا منافسة ونقبل الطلبات حتى خلال الأذان وخلال الصلاة، لأنّنا نعمل على مبدأ اعمل لدنياك ..

   – انتهينا يا شويعر انتهينا .. يخرب بيتك .. يخرب بيوتكم يا وجوه الفقر والنحس! ألا يستحق أبو الديب بعض المال ليعوّض مفارقته للقلم؟ ألا يكفي انّه لم يحصل على قرش واحد من المنتديات الديبية خلال فترة إبداعه الطويلة والتي تجاوزت العشرة أعوام؟

   – المنتديات الأدبية وليس الديبية يا عريف، وأضيف على كلّ ما ذكر قرشاً أحمر جديد خارج من المحمصة للتوّ.

   – بل خمس قروش جديدة ولامعة ..

   – واضح .. انتهينا. خمسة قروش وتنكة زيت زيتون أصلي من دكان أبو كمال عند آخر الشارع بقرب الجامع وخمسة علب من العلكة بالنعناع والفراولة وطعم البطيخ ووعاء كبير من الفشّار وآخر بالبطاطس المقلية. على أونّا على دوّو على ترووا على كاتر .. هل من مزيد. بيع القلم للشويعر. انتهى!

   – مبروك يا أبو الديب..

   – والله يا رجل أبو الديب محظوظ!

   – أتمنى أن يكون نصيبي مثل نصيبه حين أنوي هجرة القلم.

يبكي الكتّاب ويعانقون أبو الديب محيين.

   – يا جماعة .. اسمحوا لي في نهاية هذا المزاد أن أهنّئ أبا الديب على حضوره اللامع في منتدياتنا .. ويعلم الله أنّ ما قمنا به اليوم يعتبر إنجاز كبير على درب الإبداع، خاصّة وأنّ إسبانيا مثلاً تقوم بالترجمة من الإنجليزية سنويّاً ما يعادل جميع ما يترجم في كافة العالم العربي، أي 23 دولة. لهذا فإنّ احترامنا اليوم وتقديرنا لصاحب القلم الرفيع والذائقة الأدبية المبدع أبو الديب يتيح لنا الفرصة لإعادة تقييم مسيرتنا الإبداعية وسنتمكّن في القريب العاجل من إفقار فقر الأدباء ومن قال بأنّهم فقراء وهم يحصدون الجوائز المعدنية أقصد المنوية .. أقصد المعنوية. أعتذر عن كلّ هذه الأخطاء ولكنّه التأثّر والانفعال ونحن على عتبة الألفية الثانية ..

   – يا عريفنا .. دخلنا الألفية الثانية منذ سنوات .. انهي هالطابق وكلّ واحد يروح في سبيله.

   – صحيح أنهينا الطابق وكلّ عام والقلم بخير.

 

* الأرقام بالإيطالية وتبدو مضحكة لأنّ عريف المزاد يمطّها متعمّداً حتى يضفي على الحفل بعض البهجة.                   

زر الذهاب إلى الأعلى