هل تصبح لبنان ساحة حرب قادمة ؟ .. بقلم: سعدون شيحان
لم يعد خافيا ان هناك اتجاهين وعقدتين تعصفان بالساحة اللبنانية تتمثل الاولى بالشأن الداخلي والصراع السياسي المتمثل بتداعيات زعزعة قوى الرابع عشر من اذار وتكفير وليد جنبلاط زعيم الحزب الاشتراكي اللبناني عن ذنبة بالاصطفاف خلف الكتلة العربية المؤيدة لحكومة الحريري وعودته ليكون تيارا يساريا يتكىء بطبيعة الحال على ثقل قوى 8 اذار وافكاره التي اخطأت سابقا في فهم المعادلات السياسية ..والعقدة الاخرى هي النوايا الاسرائيلية اتجاه الدولة اللبنانية ..
ولكن قبل الحديث عن الازمة اللبنانية اود توضيح ماهي اهمية وليد جنبلاط ولماذا احيط بهالة مهمة على صعيد الساحة اللبنانية التي تتعدد فيها الكتل والاحزاب الكبيرة ..
في الوقت الذي كان زعيم تيار المستقبل سعد الحريري يستعد للإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي كلف برئاستها بعد فوز فريق 14 آذار بالانتخابات النيابية الأخيرة ، ومع أن الأمور كانت تدار من قبل المملكة العربية السعوية بنجاح ، إلا أن جنبلاط كان له رأي آخر وخرج فجأة بتصريحات كان من شأنها إحداث انقلاب جذري في خريطة التحالفات والتوازنات السياسية في لبنان بل وقد تجعل الأكثرية النيايبة ” 14 آذار ” أقلية والأقلية النيابية ” 8 آذار ” أغلبية ، حيث أن انسحاب جنبلاط من الأغلبية الحاكمة واحتمال انضمامه للمعارضة يعني خصم المقاعد الـ 11 التي يمتلكها في مجلس النواب من رصيد 14 آذار وذهابها لفريق 8 آذار ، وبالتالي تصبح خريطة مجلس النواب كالتالي : 60 مقعدا لفريق 14 آذار الذي كان يملك 71 مقعدا قبل تصريحات جنبلاط ، وفي المقابل يرتفع عدد مقاعد فريق 8 آذار الذي يمثل المعارضة إلى 68 بعد أن كان يملك في السابق 57 مقعدا فقط.
وهكذا يتضح أن جنبلاط بيدة العصى السحرية لبقاء الأغلبية النيابية لصالح قوى 14 آذار، التي تضم تيار المستقبل السني، وأحزاب الأحرار والكتائب والقوات المسيحية ، على حساب فريق 8 آذار الذي يضم حزب الله وأمل الشيعيين والتيار الوطني الحر المسيحي.
ومن هنا تتجلى بوضوح المعادلة الرقمية للتوازنات ..ان وليد جنبلاط اخطأ سياسيا مرات عدة وربما كان هشا لدرجة انه يميل الى المتغيرات بسرعة البرق ولكننا في عالم متغير واللعبة تكفل البحث عن المصالح حتى وان تغيرت الرؤى السياسية والافكار ..
لقد كان يعتقد جنبلاط ان هناك نوايا امريكية تحاول الايغال في الضغط السياسي على الحكومة السورية خاصة بعد اخراجها من لبنان مرغمتا والهدف من كل ذلك هو تمهيد الطريق لبناء سلام عربي اسرائيلي بعد ابعاد قوى ايران وشركاءها الستراتيجيين سيما وان المجموعة العربية قد ادت اليمين على تحقيق الرغبات الامريكية وتنفيذ كل المشاريع لغاية اكمال صفقة السلام الموعود ودون وضع القضية الفلسطينية وحدها في السلة التفاوضية مع اسرائيل ونحن طبيعيا ضد هذة العملية لانه يعني الجلوس على طاولة المفاوضات مع اسرائيل ونستبق بمنحها تنازلات ومكاسب عربية تضعف المطالبات التاريخية بمستحقات الدولة الفلسطينية ..اي اننا عندما نتفاوض وفق اطار عربي للسلام يعني اننا نقدم المجتمع العربي على طبق من ذهب هدية للسلام الذي كان من الاولى القراءة في تحقيق معادلة الدولتين بدل التفكير بزيادة غلة المكاسب الاسرائيلية …
الجانب المهم الاخر من المعادلة اللبنانية هو نوايا اسرائيل اتجاه لبنان خاصة مع تصاعد التصريحات التي اعلن عنها ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي بان الرد الاسرائيلي على لبنان في حال تعرضها لاطلاق صواريخ من قبل الجنوب سيكون مدمرا وشاملا كل البنى التحتية …
ما مطروح الان من احداثيات تشير بوضوح الى ان اسرائيل قد تندفع اتجاه لبنان لغرض استدراج سوريا وايران بحرب كارثية ..ولكن ما مدى تحقق هذا ؟
اسرائيل الان يبدو انها اكثر حرصا على المحافظة على مكتسباتها المتحققة بفضل السياسة الامريكية التي اوصلت العرب الى الترحيب بكل ما عبر عنه باراك اوباما ليس اقلها الاعلان المباشر لرموز سياسيين عرب عن ضرورة التقارب مع اسرائيل وتقديم مبادرات سلام ومد اليد اتجاه هذة الدولة حتى انها لم تشترط اي شيء لغرض ذلك …ومن هنا ان كان هناك مصلحة عربية او عدم تقاطع مع رغباة الكتل العربية المؤثرة في المنطقة خاصة السعودية ومصر فأن تلك الحرب مشروعة جدا ..ولكن هل فعلا هناك نتيجة ايجابية للحرب على لبنان تبحث عنها السعودية ومصر؟
كل الدلائل التي تحققت على مستوى البناء السياسي اللبناني وتشكيل الحكومة مع نجاح العرب في دعم الحريري ليكون رئيسا للحكومة يؤكد ان لا مصلحة للعرب في نشوب حرب في لبنان …ولكن هناك رغبات اكيدة في تخليص لبنان من عقدة الجنوب مع وجود حسن نصرللة وحزب الله ..سيما وانه من اكثر عقد تحقيق سلام حقيقي مع اسرائيل حاليا ..وبمعنى اخر ورقة ابتزازية بيد طهران ضد المصالح العربية والامريكية والاسرائيلية ..
ولكن مصلحة العرب التي عبرنا عنها في مقالات سابقة بانها حرب مخفية تدور مع طهران تهدف الى تنضيف المجتمع العربي من اوراق الضغط الايرانية لتنجح في تحقيق الطموحات القومية وبناء امن حقيقي للمنطقة يكون مكملا عندما تشرع القوى العربية في مفاوضات لتسوية القضية الفلسطينية ونحو بناء سلام عربي اسرائيلي …
اننا لا نرى امكانية لقيام حرب في لبنان لاسباب عديدة منها ..الخشية من تقويض الخطة الامريكية لاستدراج العرب نحو السلام ..تصاعد الرفض الشعبي العربي اتجاه الحكومات وانهيار الامكانية للسير في مشاريع التفاوض.. فشل المشاريع الامريكية في المنطقة خاصة وان لديها الان مكاسب سياسية تحققت بعد الخطاب الوردي للرئيس الامريكي في القاهرة ..والامر الاخر الاهم من كل ذلك هو مدى الفائدة الستراتيجية من خوض تلك الحرب مع وجود هدف ستراتيجي واضح المعالم هو ايران …
ان سوريا وايران الان اكثر خشية من ان تندفع اتجاه تصعيد خطير مع اسرائيل وحتى امريكا ..فأيران لا زالت تعاني من الثورة البنفسجية واثارها وتدرك خطورة اقتراب مفاعلاتها من نيران تلك القوى لانه يعني ببساطة الضربة القاضية لوجودها في المنطقة تماما ..اما سوريا فأنها تسير الان بخطوات وان كانت خجولة اتجاه بناء علاقات سياسية مع واشنطن وهي لا تجازف ايضا بالفرصة التاريخية لطوي حقبة الماضي مع السياسة الامريكية المنفتحة الان ..
ان لبنان ابعد ما يكون الان عن الانزلاق في حرب مع اسرائيل ولكن ذلك لا ينفي بالضرورة ان هناك مخاطر داخلية يتوجب الاخذ بعين الاعتبار حسمها مثل وجود السلاح بيد حزب الله مشرعا ودون سلطة ..لانه ببساطة سلاح خارجي يمكن ان يكون ذريعة لاستهداف الاراضي العربية وتدمير الدولة اللبنانية …
ان اكثر لحظات الغباء هو استفزاز العدو مع غياب التحصينات والقوة التي تحقق الامن لانه يعني ببساطة الانتحار … فهل ستشرع لبنان للعدو تدميرها من منفذ الاستفزاز الجنوبي المستمر !! .
– كاتب سياسي عراقي