أرشيف - غير مصنف
ما العمل؟
عوني صادق
انعقاد المؤتمر السادس لحركة (فتح) في بيت لحم، يطرح سؤال (ما العمل) بقوة. أكتب هذا المقال قبل أن ينهي المؤتمر أعماله ويصدر قراراته وينتخب قيادات الحركة، لأنني لا أجد ما يستدعي الانتظار، فالمؤتمر (باين من عنوانه)، ولن يغير ذلك ما يمكن أن يحشر فيه من قرارات أو توصيات، سيكون الباب مفتوحا فقط لتنفيذ السيء منها.
هذا المقال ليس خاصا ب (فتح) أو بمؤتمرها، وإن كان من وحيهما، وليس موجها لحركة (فتح) وحدها، وإن كان مؤتمرها هو المحرض عليه. هذا المؤتمر يعتبر نهاية مفجعة لمرحلة طويلة وشاقة من النضال الوطني الفلسطيني، مليئة بالتضحيات ولكن بحصيلة مرعبة من الفشل والخسارة والسقوط. وما يصح قوله عن (فتح)، التي قادت النضال الوطني الفلسطيني في المرحلة المنقضية، يصح قوله عن بقية الفصائل الفلسطينية التي شاركت فيها معها، قديم النشأة منها والحديث. ومن حيث المبدأ الذي لا يجادل فيه أحد، فإن حركة تحرير وطني تعقد مؤتمرها تحت حراب الاحتلال وجنوده، وبإذن وتشجيع وتسهيلات من سلطته وأجهزته الأمنية، هي حركة لا بد غادرت مواقع حركات التحرر الوطني، ولا عجب أن يعتبره أمين سرها، فاروق القدومي، مؤتمرا غير شرعي. “حركة تحرير” كهذه بأي صوت أعلنت تمسكها بالثوابت والمقاومة المسلحة على مرأى ومسمع من المحتل، من الصعب اعتبارها جادة في ما تعلن، والذين يعتقدون أن مؤتمرا كهذا يمكن أن يكون بداية “انبعاث” جديد للحركة يخدعون أنفسهم، وهي باحتفاليتها تقيم لنفسها “مهرجانا تأبينيا”، اعترافا بنهايتها كحركة تحرير وطني، (كما رأى طلال سلمان في جريدة السفير- 5/8/2009).
قرارات المؤتمر السادس هذا لا تعني المواطن الفلسطيني الذي يتطلع لاسترداد حقوقه الوطنية، ولا يهمه من سيحل محل من، ولن يرى كبير فرق بين أن يظل محمود عباس رئيسا للحركة أو أن يحل في مكانه محمد دحلان، أو أن يؤتى بمروان البرغوثي من سجنه ليشغل المقعد. ذلك لأن المسألة ليست مجرد أشخاص أو أسماء، مع ما يمكن أن يكون للفروق الفردية من أهمية في ظروف معينة، بل المسألة تحت أية شروط وقواعد ومباديء يعمل فيها أولئك الأشخاص، وما هي الحرية المتاحة لهم في اتخاذ القرارات المطلوبة لتحقيق الأهداف الوطنية.
لقد تخلت حركة (فتح) عن الكفاح المسلح عندما ذهب ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة في العام 1974 حاملا “غصن الزيتون”، مستجديا الغرب الامبريالي أن لا يسقطوه من يده، لكن هدف التحرير ذاته سقط من برنامج الحركة عندما سقطت في حفرة أوسلو في العام 1993 وإن ظل ضمن بنوده، ثم أكدت السنوات السبع العجاف من المفاوضات التي تلت فشل “المناورة” غير الذكية التي أقدمت عليها الحركة في ذلك العام، وكان قتل ياسر عرفات كلمة النهاية في مقامرة خاسرة منذ البداية. أما ما لحق قتل عرفات فلم يكن له علاقة بكل تراث (فتح) ونضالها الوطني.
إن مسؤولية المنظمات الفلسطينية التي شاركت (فتح) في قيادتها للحركة الوطنية الفلسطينية، مؤيدة أو معارضة أو مسايرة صامتة على ما يجري، لا تقل عن مسؤولية (فتح)، وهو ما يعني أن الحكم يشملها جميعا ويجعل سؤال (ما العمل) مبررا بهذا المعنى، أي بالإشارة إلى الحاجة الماسة لتجاوز كل ما هو موجود في الساحة الفلسطينية اليوم. ومن الناحية النظرية ليس الجواب صعبا، لكن الصعوبة تبقى في تحويله إلى إمكانية واقعية قابلة للتطبيق. ومسؤولية الكتاب وأصحاب الرأي في الساحة الفلسطينية هي إعطاء هذا “الجواب النظري”، ثم المشاركة مع القوى السياسية في العمل لتحويله إلى خطة عمل.
إن الخروج من الوضع الراهن يتحقق بثلاث:
1) التخلي عن ما يسمى (السلطة الوطنية) تحت الاحتلال. لقد ثبت تماما أن هذه السلطة أولا وهمية، وثانيا مطلوب منها أن تتحول، وقد تحولت بالفعل، إلى ذراع أمنية إسرائيلية لملاحقة المقاومة والقضاء عليها، وثالثا أداة للقيام بمهمة حفظ أمن المستوطنين بالنيابة، وهي تفعل اليوم ذلك. وأصبح معروفا ومعترفا به من قبل الجميع أن كل ما فعلته ونجحت فيه هذه السلطة المزعومة هو أنها حولت قضية الوطن إلى مصدر لإثراء غير مشروع يحققه النافذون الفاسدون، وحولت قضية المواطنين إلى جداول للرواتب، ووسيلة للتسول من (الدول المانحة). وهناك من يقول: كيف يمكن التخلي عن هذه السلطة، وماذا سيصيب مئات العائلات التي أصبحت تعتمد في حياتها على الرواتب؟ والجواب يأتي في سؤال آخر: كيف كان يعيش هؤلاء وغيرهم قبل مجيء السلطة؟
2) العودة إلى العمل السري والمقاومة المسلحة السرية. العلنية تفرض أسلوب المفاوضات، والمفاوضات مع عدو مستوطن لن توصل إلى شيء، وهو ما ثبتت صحته بعد أكثر من خمسة عشر عاما. وإذا ما تم التخلص من سلطة أوسلو تصبح العودة إلى العمل السري والمقاومة السرية ممكنة.
3) العودة عن قرارات مؤتمر الرباط في العام 1974، أي العودة إلى “قومية القضية الفلسطينية”، وهذا لا يعني تسليمها للأنظمة العربية التي على شاكلة (السلطة الوطنية الفلسطينية)، بل إعادتها إلى الحضن الشعبي العربي، وتحميل الأنظمة الرسمية التقصير في القيام بواجباتها القومية. بكلمات، أن تكون حربة المواجهة بنصل فلسطيني وبقبضة عربية وعلى أساس التحرير الكامل لكامل التراب.
ما يمكن أن يقال في الضد كثير، لكن لا مخرج آخر، إن كان القصد غير تصفية القضية.