أرشيف - غير مصنف
تعلم السرقة الفكرية برعاية جريدة الخبر الجزائرية– الجزء الثاني
محمد تامالت
فالكثير لا يعرف أن يومية الخبر هي اليومية العربية الوحيدة المملوكة من القطاع الخاص التي تستمر في الصدور منذ إقرار التعددية الحزبية والإعلامية نهاية عام 1989 إلى اليوم، ومن يعرف هذا يتساءل بالتأكيد عن الأسباب والظروف التي سمحت لهذه الجريدة بالبقاء رغم تعرض كل الصحف اليومية العربية الأخرى للغلق الجبري أو الاضطراري لموقفها الرافض تأييد انقلاب 1992 وما تبعه من إجراءات قمعية. لكن الكثير من المطلعين على دواخل الصحافة الجزائرية لا يحتاجون لطرح مثل هذا السؤال لأنهم يعرفون أن جريدة الخبر اليوم ليست نفسها جريدة الخبر التي تأسست في 1 نوفمبر عام 1990، فإن سألتهم عن السبب ذكروك بمنعرج خطير عبرته الجريدة خلال الساعات القليلة التي سبقت انقلاب 1992 فحولها من مشروع طموح لمجموعة من الشباب الحالمين ذوي المواهب الخلاقة والأفكار المبتكرة كالمرحوم سقية زايدي، إلى غطاء مبتذل لنظام انقلابي يحتاج إلى شرعية.
كان المنعرج الخطير إيقاف قيادة الجيش لفريق تحرير الخبر الأول بعد قيامه بنشر بيان لعبد القادر حشاني الرئيس الفعلي للجبهة الإسلامية للإنقاذ في تلك المرحلة يدعو فيه الجيش للإطاحة بقيادته الانقلابية، وواكب انقلاب جنرالات فرنسا على الشعب الجزائري انقلاب آخر قام به المساهمون في جريدة الخبر على زملائهم الذين اعتقلهم العسكر فأطاحوا بهم بدعوى الحفاظ على الجريدة كما أطاح العسكر بالبرلمان باسم الحفاظ على الجمهورية.
وقاد الجيش إذاك معركة حقيقة ضد الإعلام الناطق بالعربية الذي كان يتهمه بأنه موال لرئيس الحكومة السابق مولود حمروش ولجبهة الإنقاذ، فقيل حينها تعليقا على التغيير الذي حدث في الخبر إن رجال الجنرال خالد نزار نجحوا في الإطاحة برجال حمروش. وكانت المعركة ضارية إلى درجة أن القائم بأعمال الإعلام الجزائري اليوم “شبه الوزير” عز الدين ميهوبي والذي كان رئيسا لتحرير يومية الشعب الحكومية آنذاك، اعتقل شهرا تقريبا لأنه حاول الاعتراض على قرار رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي القاضي بنقل ملكية جريدة الشعب من حزب جبهة التحرير الذي عارض الانقلاب إلى الحكومة، ولم يكن اعتقال ميهوبي لموقف مبدئي كان يقفه بل لمراهنته على الحصان الخاسر في معركة لم يستطع فهم حيثياتها ولا توقع نتائجها.
وكانت معركة اختراق الصحف العربية والتصفية الفكرية والجسدية للصحفيين المشتبه بتعاطفهم مع الإسلاميين معركة كسر عظم استخدمت فيها المخابرات كل الأساليب القذرة قبل النظيفة وما اغتيال جمال فحاصي وعزيز بوعبد الله وعبد القادر حيرش إلا جزء من تلك الأساليب التي استخدمت لإدارة الصراع الإعلامي مع الإسلاميين، وكان من الأساليب الشائعة أيضا اعتقال الصحفيين أو تدبير اعتداءات لهم في الشارع أو حتى جرهم كالمواشي من مكاتبهم إلى الثكنات لأداء الخدمة العسكرية.
ورغم نجاح المخابرات في تجنيد بعض ضعاف القلوب في الصحف العربية ذات المقروئية الجيدة والذين كوفئوا في ما بعد بمناصب إعلامية في الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء إلا أنها فشلت عموما في السيطرة عليها فقامت بإغلاقها باستثناء الخبر. وكانت قيادة جريدة الخبر آنذاك ترفض التضامن مع الجرائد العربية التي كان يتم توقيفها متذرعة بأن تلك الصحف “البعثية الإسلاماوية” كانت تؤيد الإرهاب.
ويخطئ الكثير حين يعتقد أن أحذية المخابرات التي كنت أشرت إلى بعضها في مقالات سابقة كانت هي التي توجه الخط الإستئصالي لجريدة الخبر، فلم يكن هؤلاء الصحفيون الذين أعلنوا الحرب على شعبهم سوى بيادق اختيروا بعناية من بين الصحفيين ذوي الأطماع الجارفة وممن كانوا أو آباءهم من أصحاب الماضي غير المشرف. وانتقلت عدوى الصحافة الفرنكفونية الإستئصالية إلى الخبر فظهرت داخلها طبقة من الصحفيين الذين يتناقلون الأخبار الأمنية في خمارات الفنادق المحروسة والمحميات الأمنية، وطفت على السطح مظاهر تتنافى وأخلاق المجتمع الجزائري كان أغربها ظاهرة ممارسة الجنس مقابل المعلومات الأمنية. وتناقلت أروقة دار الصحافة فضائح كثيرة عكست المستوى المنحط الذي وصله بعض الصحفيين الجزائريين الذين أساؤوا إلى مهنتهم وإلى باقي زملائهم، كصحفية جريدة الوطن التي تسببت في إقالة عشيقها الضابط في جهاز الدرك الوطني لأنها نشرت خبرا سربه لها عن مقتل عدد كبير من زملائه في كمين للجماعات المسلحة وصحفي جريدة الخبر السابق المعروف بشذوذه الجنسي والذي سرب له ضابط شرطة يمارس عليه اللواط تفاصيل قيام الشرطة بمراقبة الإرهابيين التائبين.
ولم يكن انقلاب 1992 المرحلة الأولى والأخيرة في عمر الانحرافات التي سيطرت على جريدة الخبر فقد مهد اغتيال عمر أورتيلان رئيس تحريرها للأسوأ، فكون أورتيلان صحفيا جيدا وصاحب ماض معروف منع الخبر من الانزلاق إلى الدرك الذي وصلته بعد اغتياله، وإن كان بدوره عراب التنازلات التي قدمتها الجريدة والتي شرع فيها منذ لقائه الشهير بوزير الداخلية الجنرال العربي بلخير الذي وجه له تهديدات صريحة وأخرى مبطنة.
وهكذا لم يكن نجاح جريدة الخبر التي كتب أحد صحفييها السابقين يقول إن حجم توزيعها في السنوات الأولى لصدورها لم يكن يتجاوز السبعة آلاف نسخة لا يباع معظمها، لم يكن نجاحا شريفا بل إنه كان نجاحا قائما على التواطؤ مع الدكتاتورية العسكرية والدولة البوليسية التي كانت بالمقابل تتغاضى عن مسائل كثيرة كتراكم ديون المطبعة وتحايل المساهمين في الجريدة على الضرائب بتزويرهم كشوف الأرباح التي كانت الإعلانات الحكومية مصدرا مهما لها في ذلك الوقت، فقد كان يحدث أن تقتني الجريدة لمساهميها سيارات جديدة من تلك الأرباح ثم تسجلها في كشوف النفقات لكي لا تدفع عليها الضرائب. وتحولت الخبر بانفرادها بسوق الصحافة العربية كل هذا الوقت إلى إمبراطورية يتنعم المساهمون في خيراتها في وقت يعاني صحفيوها غير المؤطرين أمنيا ويحاسبون على دنانير قد يكونون أنفقوها دون الحصول على وصل.
وزادت مداخيل الإمبراطورية فتحولت إلى حصن لا يدخله المواطن إلا بشفعة، كحال ذلك الرجل الفقير الذي أحرق نفسه داخل دار الصحافة بعد أن رفضت الخبر استقباله للسماع إلى شكواه ونشرها، ثم تاجرت بوقاحة بصورة جسده المحترق التي تصدرت الصفحة الأولى من جريدة اليوم التالي. وأغرى ذلك الغنى الفاحش إدارة الخبر التي لا زالت تعيش على وهم أنها هي وأخواتهاخواتهاأتتلل هن اللواتي أسقطن الرئيس اليامين زروال ومستشاره النافذ محمد بتشين بعد حملة كان واضحا حتى للأعمى بأن جهاز المخابرات كان يحركها من الستار. فحاولت الخبر وأخواتها تكرار الأمر مع بوتفليقة الذي أحسن استغلال مآخذها مع الضرائب والشؤون الاجتماعية ليروضها ويتجنب حملة كحملة زروال وبتشين.
وليس وصول أشباه صحفيين من ضباط الباكس والتيار البربري أو الإسلامي المخترق (مثل الشريف رزقي مديرها الذي لا يحسن اللغة العربية، وعلي جري الذي بدأ مشواره المهني بالعمل حارس سجن كما يقول صحفيوه الذين يستخدم في مخاطبتهم أكثر الألفاظ فحشا وأقلها أدبا وكأنه في سجن الكدية بقسنطينة، والعربي زواق القروي الذي يعتقد أن الحضارة هي كأس خمر يقارعها في مكتبه) ليس وصولهم لمراكز قيادية في الخبر صدفة، بل هي قواعد المرحلة التي أسس لها انقلاب 1992 (داخل الدولة وداخل الخبر) والتي كان أولها زرع الصحافة العربية بالعناصر الإيديولوجية المعادية للجبهة الإسلامية للإنقاذ وتفريغها من المؤيدين لها أو حتى من الموضوعيين. وللحديث بقية ربما قريبا وربما بعد حين.