أرشيف - غير مصنف

هزيمة تموز والانتقام لمغنية

الدكتور مدين حمية
 
ليس القتال مع الكيان الصهيوني أمراً اختيارياً أو حتى إرادياً بل نحن مدفوعون للقيام بهذا الواجب الإلهي، لأننا لسنا أمام عدو يحتل أرضنا وحسب، بل هو عدو الإنسانية جمعاء. وهذا العدو الذي خسر السماء يعتقد بأنه إذا ربح الأرض سيعود منتصراً إلى السماء.
 
عندما انتصر لبنان ومقاومته على العدو الإسرائيلي في عام 2006 تساءل معظمنا عن هذا الانتصار الكبير على جيش طالما قضّ مضاجع الأمة كلها. ولإيجاد الأجوبة على تساؤلاتنا لا بد من استنباط المعلومات من التاريخ وتبيان خلفيات وقائع الأحداث التي سبقت الحدث إلى حين وقوعه. فالانتصار كان مزيج من الإلهام والتخيل الخلاق في الإعداد للحرب.
 
الإعداد للحرب يحتاج إلى أمور أساسية عدة أهمها:
 
              ما هو السلاح الذي نحتاجه؟
 
              كيف سنقوم بتنظيم القطاعات العسكرية؟
 
              كيف نعدّ العناصر المناط بها إستخدام الأسلحة؟
 
              معرفة ماهية وهدف الماهية للعدو وكيفية تضليله
 
إن النقطة الرابعة هي من أهم النقاط، وهي من مسؤولية الإستخبارت العسكرية.
 
إذا كنت تعرف قدرات نفسك وقدرات عدوك الفكرية والعسكرية فأنت المنتصر قبل بدء الحرب. لقد طبقت هيئة أركان الاستخبارات في حزب الله هذه المقولة بنسبة عالية وأدركت أن النجاح هو في معرفة النفس والعدو.
 
يتوقف نجاح مخطط الحرب الذي يضعه القادة على رؤية واضحة وجلية عن قدرات الطرف الآخر من حيث العتاد والفكر التخطيطي والأرض، وتفاعل وتتالي الأوامر إلى الميدان وتحليلها بصورة جيدة وتوزيعها على الوحدات المقاتلة بسرعة لأهمية عامل الوقت في الميدان.
 
لقد كان لجهازي الاستخبارات العسكرية ومكافحة التجسس في حزب الله دوراً مهماً في المساهمة في وضع الخطط الحربية الإسرائيلية التي أدت إلى هزيمتهم.
 
يعتمد الجيش الإسرائيلي على الاستخبارات العسكرية والموساد اعتمادا أساسياً، فالاستخبارات هي العمود الفقري للجيش. وعلى هذا الأساس زرع العدو الاسرائيلي أكثر من خمسة ألاف عميل في الأراضي اللبنانية لغرض التجسس على حزب الله، وبناء صورة واضحة وجلية عن قدراته ومفاصله الحساسة بحيث عندما تقع ساعة الهجوم تنتهي عملية جرف حزب الله وإزالته عن الخارطة في وقت قصير وبخسائر قليلة، على قاعدة أن المعلومات الاستخبارية هي أساس الخطة الناجحة.
 
أدرك حزب الله مستوى الإهتمام من قبل الاستخبارات الإسرائيلية وخصائص متطلباتها، فقام بتغذية الجواسيس بمعلومات تضليلية حقيقية الوجود، ونذكر هنا بعضاً منها:
 
              أماكن ونوع وقوة وحدات حزب الله على الجبهة.
 
              أماكن ونوع وقوة احتياطات حزب الله العسكرية.
 
              أماكن ونوع وطبيعة منشآته الدفاعية.
 
              أماكن وعدد وأنواع أسلحته الصاروخية والمدفعية.
 
              أماكن تواجد القيادات العسكرية والأمنية.
 
              طرق المواصلات اللوجستية وكيفيتها.
 
              أماكن الرصد البشرية والتقنية.
 
              أماكن تواجد مخازن الذخيرة.
 
              الكيفية التدريبية للوحدات المقاتلة وخصوصاً النخبة الخاصة المظلية.
 
وهكذا ساهمت الإستخبارت العسكرية لحزب الله بتضليل العدو الذي وضع خططاً هجومية مبنية على أسس واهنة وكاذبة.
 
في المقابل قام حزب الله بواسطة عملائه الميدانيين وفي الأماكن العسكرية الحساسة بمعرفة ما يحتاجه إلى وضع خطة دفاعية محكمة للقضاء على الهجوم الإسرائيلي، من أهمها نجاح استطلاعاته على الجبهة من قيادة الفيلق حتى الوحدات المتقدمة على الجبهة وهذا يعني بعمق يصل حتى المائة كيلومتر داخل الكيان، ومقارنتها مع معلومات أخرى لكي لا يقع في كمين التضليل.
 
لقد ساهم نجاح الاستخبارات العسكرية لحزب الله بتضليل كافة القطاعات العسكرية المهاجمة للجيش الإسرائيلي، أهمها:
 
              تضليل التمهيد الناري لبطاريات المدفعية.
 
              تضليل القوات الجوية الإسرائيلية بحيث كانت هباءً منثوراً على الصعيد الميداني للمعركة.
 
              استدراج الوحدات المدرعة إلى كمائن محكمة بأسلحة مفاجئة.
 
              السيطرة على مسار ألوية المشاة واستدراجها إلى بقع مقطعة الأوصال بوحدات مقاتلة تسمى “التعطيل المستميت”، مما أدى إلى تضعضع كبير في صفوف المشاة الصهاينة.
 
              إنشاء وحدات ميدانية استخبارية متقدمة لحزب الله داخل الجبهة للإنذار المبكر ولرصد تحركات العدو المفاجئة والتعامل معها دون الرجوع للقيادة العُليا. ولهذا الهدف أيضا أنشأ وحدات دفاع متحركة مهمتها الانقضاض على تلك التحركات.
 
كل هذا، كان من أهم أسباب خسارة الجيش الإسرائيلي في لبنان.
 
أدرك الإسرائيليين عظيم هزيمتهم وباتوا يبحثون عن المفكر والمحرك لتلك القدرات، فجهاز حزب الله العسكري، مدّ مقاتليه بواسطة التدريب بالذكاء المتفاعل خلال المعركة، وأسلحة متطورة وشجاعة مرتكزة على فن القتال.
 
لذا، فإن الهزيمة التي لحقت بالعدو هزت ركائز الأمن القومي الصهيوني، وبات الصهاينة جنوداً ومستوطنين أمام مفترق طرق، إما الهجرة وإما إثبات الوجود مرة أخرى. خصوصاً وأن انتصار حزب الله أيقظ معظم العرب، مسلمين ومسحيين بأن كيان اسرائيل الاصطناعي والهجين يمكن الانتهاء منه.
 
لقد كان الشهيد القائد عماد مغنية محور ترصد من قبل إسرائيل وهدف مهم جداً قبل حرب تموز. وبعد هزيمة اسرائيل أصبح هدفاً إستراتيجياً للعدو. لقد استنفرت إسرائيل كامل أجهزتها الأمنية بالتعاون مع أجهزة أخرى أجنبية لوضع خطة متكاملة للقضاء على عماد مغنية، لأنه كان وأحداً من مجموعة القادة العسكريين والأمنيين في هيئة الأركان العسكرية في حزب الله. وكان يمثل للمقاومة وشعبها ومحبيها ومناصريها القائد العسكري والأمني والاجتماعي.
 
أما وقد نجح العدو في اغتيال الحاج عماد مغنية، فإن الرد على اغتياله لا يكون بعملية تستهدف دبلوماسياً صهيونياً هنا أو هناك، ولا باستهداف سفارة للعدو في عاصمة معينة. إن الرد على اغتيال الحاج مغنية يجب أن يكون على صعيد مجتمع الكيان العسكري الإسرائيلي. فهذا هو الانتقام الذي ينشده مناصريه، هذا أولاً. وثانياً للجهاز العسكري والأمني لحزب الله مبادئ لم يضعها القادة، بل هي مبادىء وضعها الله ورسوله. فالانتقام لا يحصل في بلاد ودول أُخرى بل في المكان الذي اتخذ فيه القرار.
 
 الانتقام ليس بقتل المدنيين العزل، فحتى الشجرة أوصانا الرسول بعدم قطعها، فكيف ببشر عُزل تحكمك معهم معاهدات وصداقة ومساكنه. إنا ما يذكرونه عن الأرجنتين لم يفعله حزب الله بل كان تصفية داخلية ولأهداف معينة فعلتها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لنيل مناصب وفصل مهمة اقتصادية في دولة الأرجنتين، فمن منكم لا يتذكر إفلاس الأرجنتين منذ سنوات قليلة كيف ومن أحدثها.
 
فالإرهاب والفوضى والعدمية هي من الوسائل التي يستخدمها الأمن القومي الإسرائيلي لتحقيق أهداف خفية. فنحن لم نقتل اليهود في ألمانيا بل هم من فعلوا ذلك بأنفسهم حين زودوا أدولف هتلر بمعلومات عن الدول التي يتواجد فيها اليهود، وبغية الحصول على الدعم المادي وعلى تأمين هجرة المزيد من اليهود إلى فلسطين وهذا ما كشفته الأيام. إن من يذبح ويقتل الآلاف من أتباعه لتحقيق أهدافه ومخططاته لن يوفر بضع منهم لهدف معين.
 
إن ما يتناقله المسؤولين الإسرائيليين الآن عن اخذ الحيطة والحذر في الخارج ما هو إلا لإعادة الفكر الصهيوني إلى اليهود الذين فروا منه لنسيانه. أما الانتقام للحاج عماد فسيكون كما فعل حزب الله بالانتقام للسيد عباس الموسوي عبر انتصاره في عامي 93 و 96 والاندحار عام 2000.
 

زر الذهاب إلى الأعلى