أرشيف - غير مصنف

أفغانستان: الديمقراطية.. حتى لو على ظهر “الحمير”‏

في مشهد غير مألوف ستساهم الحمير بدورها في أفغانستان في محاولة انجاح العملية الانتخابية في بلد يفتقد الى بنية تحتية ‏وشبكة مواصلات فعالة من خلال نقل صناديق الاقتراع الى المناطق الجبلية الوعرة بدل السيارات.‏ وفي أول انتخابات رئاسية حرة تشهدها البلاد، في تشرين أول /أكتوبر 2004، وقفت صفوف طويلة أمام مراكز الاقتراع ‏في كابول، وبدت الآمال جلية بشأن الحرية ومستقبل أفضل. ‏
 
 
 
وفي تلك الانتخابات، أدلت الغالبية بأصواتها لصالح الرئيس الأفغاني حامد كرازاي الذي كان يرأس حكومة مؤقتة حينها. ‏وفي مراسم أداء اليمين الدستورية بعد شهرين من انتخابه، قال كرازاي: “لقد تركنا الآن ماضيا عصيبا ومظلما، واليوم ‏نفتح صفحة جديدة في تاريخنا”. ‏
 
 
 
كانت نبرة التفاؤل هذه في غير محلها ، حيث أصبح الوضع في البلاد الآن اسوأ من اي وقت منذ الإطاحة بنظام حكم ‏طالبان عام 2001، بيد أن كرازاي لا يزال الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية المقررة في 20 آب /أغسطس الجاري. ‏
 
 
 
ولدى توليه منصبه قبل خمسة أعوام، أعلن الرئيس الأفغاني – الذي لاقى دعما قويا من الولايات المتحدة – عزمه وقف ‏زراعة الأفيون ونزع سلاح الميليشيات خلال فترة ولايته. ‏
 
وتعهد كرازاي أيضا بمواجهة الفقر والفساد وإصلاح الحكومة وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرت في البلاد، إلى جانب ‏الاستمرار في مكافحة “الإرهاب”. ‏
 
 
 
غير أنه من المهم إلقاء الضوء على الانجازات التي حققها الرئيس الأفغاني خلال رئاسته التي استمرت ثمانية أعوام، بما ‏فيها الفترة التي قضاها في رئاسة حكومة مؤقتة. ‏
 
 
 
ففي ظل عهد كرازاي، صارت أفغانستان مجددا أكبر منتج للأفيون الخام في العالم، ولم يختف الفقر منها. ‏
 
 
 
وبينما شهدت أفغانستان معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي لأعوام – وان يكن من مستوى متدني – يكافح ملايين الأفغان ‏من أجل البقاء فحسب، في ظل قلة فرص العمل. ‏
 
 
 
كما جاءت أفغانستان في المرتبة رقم 176 على مؤشر الفساد الذي يصدر عن منظمة الشفافية الدولية ويضم 180 دولة، ‏فضلا عن إصلاحاتها الإدارية التي سارت بوتيرة بطيئة، وسط غياب الاستقرار القانوني تقريبا. ‏
 
 
 
وبالإضافة إلى ذلك، منح كرازاي أمراء الحرب ذوي النفوذ مناصب في الحكومة بدلا من حرمانهم من المشاركة في ‏السلطة. ‏
 
 
 
فعلى سبيل المثال، رشح كرازاي أمير الحرب محمد قاسم فهيم، وهو عضو بارز سابق في منظمة التحالف الشمالي الذي ‏اتهمته منظمات حقوق الإنسان بارتكاب جرائم حرب، نائبا له على بطاقته الانتخابية. ‏
 
 
 
ورغم أن هذا الاختيار يعد ضربة قاصمة للتحالف الشمالي، الذي اختار وزير الخارجية الأفغاني السابق عبد الله عبد الله ‏لينافس كرازاي في الانتخابات الرئاسية – لم يخدع الرئيس الأفغاني المجتمع الدولي فحسب، بل كذلك العديد من الأفغان ‏الذين يرغبون في إيداع أمراء الحرب، من أمثال فهيم، السجن بدلا من صعودهم إلى المسرح السياسي. ‏
 
ولم تشهد عملية إعادة بناء أفغانستان سوى تقدم بطئ أيضا، حيث يزداد استياء الشعب ، مما جعل تجنيد الأفغان الساخطين ‏في حركة طالبان أمرا يسيرا. ‏
 
 
 
ورغم زيادة عدد القوات الأجنبية والأفعانية بصفة مستمرة، إلا أن المسلحين – الذين يحذرون الأفغان من المشاركة في ‏الانتخابات المقررة الأسبوع المقبل – لم يمنوا بالهزيمة على الأرجح. ‏
 
 
 
ويذكر أن ما يقرب من مئة ألف جندي أجنبي ينتشرون في أفغانستان، وهو ما يصل إلى عدة أمثال عددهم في بداية ‏العمليات العسكرية هناك. ‏
 
 
 
وفي الشهر الماضي، قتل عدد أكبر من القوات الأجنبية مقارنة بأي شهر مضى منذ الإطاحة بنظام طالبان، في الوقت ‏الذي تتزايد فيه الأصوات المعارضة لنشر الجنود الأجانب هناك في العديد من الدول المشاركة في تلك القوات. ‏
 
 
 
وفي الوقت ذاته، يعتبر عدد متزايد من الأفغان أن هذه القوات الأجنبية بمثابة “محتلون” ، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة بينها ‏تزايد حجم الخسائر في صفوف المدنيين نتيجة للعمليات العسكرية. ‏
 
 
 
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة قالت إن المسلحين مسؤولون عن سقوط معظم القتلى المدنيين الذي لقوا حتفهم جراء ‏الصراع الدائر في البلاد، حيث يتجاوز عددهم ألف قتيل، خلال النصف الأول من العام الجاري، يلقى باللوم على القوات ‏الأجنبية والأفغانية في قتل أكثر من 30 في المئة من هؤلاء الضحايا. ‏
 
 
 
وقال توماس روتيج المدير في شبكة محللي أفغانستان – وهي مؤسسة أبحاث غير ربحية – إنه رغم ذلك لا يتحمل ‏كرازاي المسؤولية وحده بشأن حالة الفقر التي عمت البلاد بعد ثمانية أعوام من إسقاط نظام طالبان، مضيفا: “يتحمل ‏المجتمع الدولي نصف المسؤولية”. ‏
 
 
 
وأوضح روتيج أن المجتمع الدولي أساء تنسيق أعمال الإعمار، مما أدى إلى تباطؤ وتيرة هذه العملية ، مشيرا إلى أنه لم ‏يتم الاكتراث بالتحذيرات الخاصة بضرورة قضاء الحكومة على الفساد في البلاد. ‏
 
 
 
وأضاف أنه بدلا من نزع سلاح الميليشيات، استخدمها الجيش الأمريكي في محاربة طالبان، لافتا إلى أن الدول الأوروبية ‏الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “ناتو” بصورة خاصة انتظرت فترة طويلة للغاية قبل زيادة عدد قواتها.
 
 
وقال إن الدول المشاركة في نشر قوات أجنبية في أفغانستان لم تنجح أيضا في مكافحة المخدرات. ‏
 
 
 
كان كرازاي قال قبل عامين: “تتمثل إحدى القضايا المهمة الأخرى في غياب التنسيق الفعال بين أعضاء المجتمع الدولي.. ‏فهم يفتقرون إلى التنسيق المطلوب.. يقول أحدهم شيء ويقول الآخر عكسه.. لهذا نتحمل المسؤولية جميعا”. ‏
 
 
 
ولم يتبن المجتمع الدولي في أفغانستان موقفا موحدا حتى الآن بشأن مكافحة زراعة وتجارة المخدرات، وكذا لم يقاض ‏الأفغان واحدا من كبار تجار المخدرات الذين يعتقد أن العديد منهم يتمتع بعلاقات مع مسؤولين في الحكومة.
 
 
ورغم الوعود المنكوثة وعدم إحراز نجاح تقريبا، لا يزال كرازاي يمكنه الاعتماد على دعم العديد من البشتون، أكبر ‏جماعة عرقية في البلاد والتي ينتمي إليها الرئيس الأفغاني. ‏
 
 
 
وتمكن كرازاي من الفوز بتأييد المنافسين له الذين يتمتعون بفرص جيدة فى الانتخابات المقبلة، ويحتمل أن يكون هؤلاء ‏المنافسون قد تلقوا وعودا بشغل مناصب في حكومته حال فوزه. ‏
 
 
 
ويذكر أن المنافسين الرئيسيين لكرازاي في الانتخابات ليسا بديلين راديكاليين للرئيس الحالي، حيث أن عبد الله كان عضوا ‏في حكومة كرازاي في السابق، مثلما كان وزير المالية الأفغاني السابق أشرف غاني. ‏
 
 
 
وينظر إلى كرازاي ، ووزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله، ووزير المالية السابق أشرف غاني، على أنهم المرشحون ‏الأوفر حظا للفوز بسباق الرئاسة، بيد أنه من المرتقب على نطاق واسع أن يحقق كرازاي الفوز رغم خسارته للدعم من ‏داخل البلاد، وخارجها لاخفاق حكومته في إرساء الأمن ومكافحة الفساد المتفشي على نطاق واسع، بالإضافة إلى فشلها في ‏مكافحة إنتاج وتجارة المخدرات. ‏
 
 
 
كما أنه من المتوقع أن تشهد البلاد جولة إعادة في تشرين أول/أكتوبر المقبل، حيث انه من المستبعد أن يحقق أي من ‏المرشحين الأغلبية المطلوبة للفوز من الجولة الأولى، بالأخذ في الاعتبار عدد المرشحين. ‏
 
 
 
إلا أن الفائز لن يكون عليه فقط مواجهة طالبان، وإنما أمامه معضلة أخرى، هي الاقتصاد، فرغم المساعدات الدولية ‏لافغانستان والتي تقدر بمليارات الدولارات، إلا أن البلاد لاتزال واحدة من أكثر الدول العالم فقرا. ‏
 
 
 
ولاتوجد إحصاءات رسمية ، إلا أن بعض البيانات تشير إلى أن أكثر من خمسين بالمئة من الشباب في البلاد عاطلون عن ‏العمل. ‏
 
 
 
ورغم تلك التحديات الاقتصادية واستمرار انعدام الأمن في البلاد ، إلا أنه ينظر إلى تلك الانتخابات ، في حال اكتمالها، على ‏أنها إشارة لنجاح القوات الدولية، بالإضافة إلى الدول المانحة التي ساهمت في إعادة إعمار أفغانستان.
 
 
 
وتم دعوة 17 مليون ‏ناخب إلى الادلاء بأصواتهم في دولة تعاني بنية تحتية هشة لدرجة أنها تستخدم 3171 حمارا في نقل المواد الخاصة ‏بالتصويت إلى مناطق لا يمكن الوصول إليها بالسيارات. ‏

زر الذهاب إلى الأعلى