أرشيف - غير مصنف
أكثر من 30 ألف لاجئ عراقي يتأرجحون بين الفقر والتشرد في الولايات المتحدة
يواجه اللاجئون العراقيون في الولايات المتحدة تحديات تدفع ببعضهم إلى التفكير بالعودة إلى العراق مجددا، بحسب تقرير صحيفة نيويورك تايمز.
ويقول المعنيون بشؤون اللاجئين والمهاجرين إنهم اكتشفوا أن العراقيين يجدون صعوبة أكثر من غيرهم للتكيف مع نمط الحياة الأميركية مع أن أغلبهم من حملة الشهادات الجامعية والتخصصات المهنية ولكنهم لا يحملون نظرة واقعية لما سيكون بانتظارهم في بلد المهجر.
ومع أن أغلب هؤلاء اللاجئين يحصلون على مساعدات مالية من جهات حكومية أو خيرية خاصة، لكن الأقدار جعلتهم يصلون إلى هذا البلد وهو في خضم أزمته الإقتصادية التي لم يشهد لها مثيلا منذ عدة عقود.
وتم توطين نحو 30 ألف عراقي في الولايات المتحدة منذ عام 2003، وتم قبول 1500طلب لجوء تقدموا بها إثر وصولهم الى البلد، ويتركز أغلب العراقيين في سان دييغو وفونيكس وهيوستن ومشيتغان مع توطين نحو 1100 في ولاية نيويورك.
ومعلوم أن الولايات المتحدة أسست في عام 1980 برنامج قبول اللاجئين كأحد آليات تنفيذ قانون اللاجئين لتنظيم دخول اللاجئين الأجانب للولايات المتحدة، بحيث يحدد الرئيس الأميركي بالتشاور مع الكونجرس عدد اللاجئين الذين يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة في العام الواحد. واستهدف تدشين ذلك البرنامج أن يكون أحد آليات السياسة الخارجية الأميركية لحماية اللاجئين ومراعاة الأبعاد الإنسانية على المستوى الدولي.
ويمثل إعادة التوطين بالنسبة للاجئ منحه فرصة ثانية للحياة بحرية والتمتع بالأمن والاستقرار الذي لا يجده في دولته الأصلية، ومن ثم يتمتع بكافة الحقوق القانونية في الحياة والعمل بالولايات المتحدة ويمكنه التقدم للحصول على الجنسية الأميركية بمرور خمس سنوات من الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة.
ونتيجة للمزايا سالفة الذكر أصبحت الولايات المتحدة رائدة على المستوى الدولي في إعادة توطين اللاجئين. حيث قامت الولايات المتحدة بإعادة توطين نحو 2.6 مليون لاجئ منذ عام 1975. وشهد عام 2008 قيام الولايات المتحدة بإعادة توطين نحو 60 ألف لاجئ أجنبي، ومن المرجح أن يتصاعد هذا العدد خلال العام الحالي (2009) ليصل إلى نحو 75 ألف لاجئ.
وفي السياق ذاته كان تردي الأوضاع الإنسانية في العراق منذ عام 2003 أحد دوافع تصاعد إعادة توطين اللاجئين العراقيين في الولايات المتحدة بحيث تصاعد عددهم من 202 لاجئ في عام 2006 إلى ما يقارب نحو 17 ألفًا في عام 2009. ففي شباط 2009 قامت بعثة تابعة للجنة الإنقاذ الدولية بتفقد أوضاع اللاجئين العراقيين في الأردن وسوريا كشفت عن الأحوال المحبطة التي يعيش فيها اللاجئون من دون تنظيم وضعهم القانوني أو منحهم حق العمل، ناهيك عن استغلالهم سياسيًّا وانتهاك حقوقهم بصورة متكررة وهو ما حدا بجورج روب المدير التنفيذي للجنة لتأكيد أن إعادة توطين اللاجئين في الولايات المتحدة يُعد أحد الآليات الأساسية لتحسين أوضاع اللاجئين العراقيين.
وأغلب القادمين سبق لهم أن عملوا في العراق كمدرسين وأطباء ومهندسين وصيادلة ومترجمين وجاءوا هنا ليفاجأوا بعدم معادلة شهاداتهم ما اضطرهم إلى البحث عن أعمال تقل مستواها كثيرا عما يطمحون إليه.
وتتضمن عملية إعادة توطين اللاجئين قيام برنامج اللاجئين الأميركي بتقديم المساعدة للاجئين العراقيين في الحصول على سكن مؤقت لمدة محدودة وتعلم اللغة الإنجليزية وتسجيل أطفالهم للدراسة بإحدى المدارس، فضلاً عن توفير فرص العمل. و لكن في ظل الأزمة المالية التي ألمت بالاقتصاد الأميركي لم تعد فرص العمل متوافرة للاجئين العراقيين على حد قول روبين دن ماركوس المدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية في أريزونا وبات على اللاجئين العراقيين أن يتحملوا المعاناة في البحث عن فرص العمل والتعرض لمخاطر التشرد وافتقاد المأوى في أول سنوات إقامتهم بالولايات المتحدة.
ونقلت روبين عن أحد اللاجئين العراقيين قوله لماذا لا يتم تخطيط أوضاع اللاجئين قبل السماح لهم بالانتقال للولايات المتحدة. وأشارت إلى أن برامج إعادة توطين اللاجئين أضحت تواجه تحديات متعددة من أهمها انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي في الموارد المالية من نحو 80% عام 2007 إلى 50% عام 2008، في حين بلغت هذه النسبة نحو 10% في العام الحالي، وبررت روبين استمرار البرنامج في جلب اللاجئين العراقيين للولايات المتحدة بأنه يُسهم في إنقاذ حياة هؤلاء اللاجئين.
وعلى الرغم من وجود نماذج إيجابية لنجاح برامج إعادة التوطين في إيجاد فرص عمل للاجئين ودفعهم للتأقلم مع الحياة في المجتمع الأميركي فإن غالبية اللاجئين العراقيين بالولايات المتحدة يشعرون بالإحباط نتيجة اقتصار الدعم المالي الحكومي على ثمانية أشهر والصعوبات التي تواجههم في إيجاد وظيفة حتى الحاصلين على مؤهلات علمية عالية مثل البكالوريوس والماجستير بما يجعلهم يواجهون احتمالات الطرد من منازلهم وعدم القدرة على إعالة أسرهم اعتمادًا على ذلك الدعم المالي المحدود. كما يفتقد اللاجئ العراقي للدعم على المدى البعيد بما جعل أزمة اللاجئين العراقيين أحد معالم الركود في السياسة الخارجية الأميركية على وفق ما أشارت إليه كاثلين نيولاند العضو المؤسس بمعهد سياسات الهجرة الأميركي وأحد أعضاء مجلس مديري لجنة الإنقاذ الدولية والتي نوهت إلى أن عديدًا من اللاجئين لا يمتلكون وثائق هوية ومنذ وصولهم للولايات المتحدة تتدهور أوضاعهم لدرجة أن بعض الأطباء العراقيين يعملون في مطاعم الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز أو لا يجدون فرص عمل على الإطلاق وهو ما يمكن عده إهدارًا لرأس المال البشري.
وإذا كان الهدف هو دمج اللاجئين العراقيين بصورة سريعة وآمنة في المجتمع الأميركي، فإنه يجب إعادة النظر في هيكل عملية إعادة التوطين. وتحدث روبرت كيري نائب رئيس اللجنة الدولية للإنقاذ عن الحاجة الماسة لتغيير جذري بعيد المدى يتجاوز التعديلات المؤقتة التي لا تراعي توفير شبكة أمان للاجئين قبل استقدامهم للولايات المتحدة. ولكن تظل برامج إعادة التوطين الخيار الوحيد لآلاف العراقيين لحمايتهم من مواجهة العنف والاضطهاد في بلدهم الأصلي أو في المنفى في دول أخرى بمنطقة الشرق الأوسط.
وتعترض عملية إعادة توطين اللاجئين العراقيين بالمجتمع الأميركي عدة تحديات لاسيما ضعف التمويل والاختلاف في أحوال اللاجئين من مجتمع محلي لآخر ومن ولاية لآخرى، وسبق ان صدرت عدة توصيات عن الحلقة النقاشية التي نظمها معهد سياسات الهجرة الأميركي لمعالجة أوجه القصور في برامج إعادة التوطين وكان من أهمها ضرورة زيادة الدعم المالي الفيدرالي المخصص لمساعدة اللاجئين العراقيين بحيث يمثل استثمارًا طويل الأجل من جانب الإدارة الأميركية بما يتطلب عقد عدة جلسات من جانب الكونجرس لزيادة تمويل إعادة التوطين وتوسيع النطاق الزمني لتمتع اللاجئين بالخدمات. الا ان هذه التوصيات على ما يبدو لم يؤخذ بها ، وعلى مستوى آخر يجب أن يتم تجنب نظام الاختيار العشوائي للتوطين لأن اللاجئين يجب أن يحصلوا على خدمات رسمية بشكل متساوٍ بقطع النظر عن الولاية التي تضيفهم، وبحيث لا يكون وضع قاطني كاليفورنيا أو فلوريدا على سبيل المثال أفضل ممن يقطنون ولايات أخرى.
وفي السياق ذاته فإن المرونة في تطبيق التوطين سوف تؤدي لنتائج أفضل ومن ثم قد لا يكون السعي لإيجاد وظائف للاجئين بشكل فوري ملائمًا وإنما يجب أن يسبق ذلك التحقق من مستواهم التعليمي والمهني والتأكد من ملاءمة قدراتهم لسوق العمل في الولايات المتحدة، كما لا يمكن توقع حصول بعض الفئات من اللاجئين على وظائف بصورة سريعة مثل الأطفال والأرامل ومن يعانون من الاكتئاب والصدمات النفسية الناتجة عن العنف والاضطهاد. ويوصي الخبراء أيضًا بالإعداد الجيد لإعادة التوطين واطلاع اللاجئين الراغبين في النزوح للولايات المتحدة بالتحديات التي ستواجههم بما يعطيهم قدرة أكبر على تقييم أوضاعهم وإعداد أنفسهم لتغيير مسار حياتهم، فضلاً عن الحاجة لدراسة برامج إعادة التوطين ومساعدة اللاجئين بالولايات المتحدة منذ عام 1980 للوقوف على التحديات التي تعترض تطبيقها ومدى ملاءمة آليات تنفيذها، فضلا عن تلبيتها لاحتياجات اللاجئين المختلفة باختلاف موطنهم الأصلي وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.
ويمكن القول إن الأوضاع المتردية التي يعاني منها اللاجئون داخل الولايات المتحدة، لا تقتصر على العراقيين فقط، بل امتدت لتشمل اللاجئين معظهم الذين أعيد توطينهم في الولايات المتحدة، لاسيما في ظل تقلص تمويل تلك الأنشطة على أثر الأزمة المالية العالمية بحيث أضحى برنامج إعادة التوطين هو بمثابة إضفاء الطابع المؤسسي على التشرد والفقر على حد وصف خبراء الهجرة الأميركيين ولذا يتعين على الإدارة الأميركية أن توفر مقومات البقاء للاجئين العراقيين لأنهم يعدون من الأصول الاقتصادية والثقافية للمجتمع الأميركي القائم على التضامن بين مجموعات متباينة من المهاجرين.ولم تتلق اللجنة إلى الآن أي رد فعل على مطالبها من إدارة الرئيس أوباما لأن ترشيح إريك شوارتز بمثابة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون السكان واللاجئين والهجرة لم يتم التصديق عليه بعد من قبل الكونجرس. ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن عددًا كبيرًا من مسؤولي الإدارة الأميركية على علم بإشكاليات برامج توطين ومساعدة اللاجئين إلا أن مسؤولية بقاء قضية اللاجئين العراقيين في دائرة الاهتمام هي مسؤولية تقع على عاتق الجميع .
ويشكو عدد من اللاجئين العراقيين في ولاية نيويورك المتاعب التي يواجهونها في بحثهم عن فرص عمل مناسبة لهم، وتقول أحدى العراقيات التي وصلت إلى نيويورك عام 2007 إن أكثر ما يعذب العراقيين هنا هو يقينهم أنهم على الأرجح لن يجدوا عملا يناسب مستواهم التعليمي.
وقد رسم تحقيق النيويورك تايمز جانبا من معاناة لاجئ عراقي يدعى عدي الغنيمي (50 عاما) كان قد أصيب برصاصة في وجهه في أثناء محاولة لقتله بسبب امتلاكه محلا تجاريا بالقرب من قاعدة عسكرية أميركية في بغداد. ومن الطبيعي أن الجنود الأميركيين كانوا يترددون على محله، مما دفع البعض لمحاولة قتله بتهمة التعاون مع الأميركيين.
وتقول الصحيفة أن الحادث وقع في بدايات الحرب، أما اليوم، فبعد 24 عملية جراحية لإعادة ترميم وجه الرجل، حصل عدي على حق اللجوء في الولايات المتحدة كما أن زوجته وأطفاله الثلاثة قد لحقوا به في نيويورك قبل قرابة شهر.
لكن فرحة اللقاء ولم الشمل سرعان ما تبددت بعد أن بدأت الأسرة تصطدم بالواقع المر والحقائق الصعبة هنا. فرب الأسرة لا يستطيع أن يعمل بسبب وضعه الصحي ويعيش مع أسرته على معونة حكومية تخصص للمعاقين قدرها 761 دولارا في الشهر، فضلا عن ما يجود به الأصدقاء والمعارف. وينحشر أفراد الأسرة الخمسة في غرفة واحدة استأجروها ضمن شقة من غرفتين في المنطقة الشمالية الغربية من مانهاتن. الزوجة لا تعرف الإنكليزية، وكذلك الأطفال الثلاثة.
ويقول عدي إن زوجته وأطفاله يلحون عليه يوميا بضرورة العودة إلى العراق، لكنه يطالبهم بالصبر لأن الأمور ليست بالسوء الذي يتصورونه.
وتشرح الصحيفة كيف أن آلاف العراقيين كانوا يحلمون بالهجرة إلى الولايات المتحدة منذ بدء الحرب، لكن أبواب الهجرة كانت موصدة في وجوههم، إلى أن اضطرت الحكومة الأميركية، بعد انتقادات واسعة إلى تسهيل لجوء العراقيين ابتداء من عام 2007 كلاجئين أو بموجب تأشيرات خاصة. مما تسبب في وصول أعداد كبيرة منهم إلى الولايات المتحدة، لتكتشف أغلبيتهم أن الحياة في أميركا أصعب بكثير مما كانت تظن. وتتطرق الصحيفة الى العراقية نور الخال (35 عاما) أصيبت بالرصاص في مدينة البصرة سنة 2005 أثناء عملها كمترجمة مع الصحفي الأميركي ستيفن فينسنت الذي قتل في الحادث. وقبل ذلك كانت تعمل بوظيفة مديرة في شركة مقاولات أميركية، لكن بعد وصولها إلى نيويورك لم تجد عملا أفضل من موظفة استقبال في شركة عقارات