أرشيف - غير مصنف
ماذا حلّ بحمرتك أيها الخجل؟.. بقلم: علي الصراف
يحاول رئيس الوزراء “العراقي” نوري المالكي أن يقدم نفسه كزعيم وطني، بدلا منالصفة المعروفة عنه كرئيس لحزب طائفي، وكممثل لمشروع طائفي. حزب الدعوة الإسلامية، الذي أعاد انتخاب المالكي رئيسا له الأسبوع الماضي،بالطبيعة والجوهر، قبل أي تعريف، هو حزب طائفي، فكره طائفي ومرجعيته الفقهيةطائفية، وولاءاته الخارجية مع إيران قائمة على أساس طائفي. وهو انخرط في العمليةالسياسية التي صممها بول بريمر رئيس الادارة “المدنية” (المدعومة بـ250 ألف جندي!)، بوصفه جزءا من مشروع طائفي. وهذا المشروع قسم العراق، وتقاسم الحصص على أساس طائفي.
ولا تحتاج طائفية حزب الدعوة الى دليل، كما لا تحتاج طائفية الائتلاف الحاكم الىدليل أيضا. فأحزاب السلطة، تبدو في كل مظهر من مظاهر عملها وشعاراتها وهتافاتهاوسياساتها وميولها ومرجعياتها وصداقاتها وعداواتها، طائفية حتى نخاع العظم. حتى أناعتبارها أحزابا “سياسية” أمر فيه الكثير من التأويل والمجاز، لانها ليست “سياسية”إلا بمقدار ما هي طائفية.
مع ذلك، بدا المالكي، وفقا لتصريحاته الأخيرة، رجلا يرغب بالتخلي عن طائفيتهلحساب “مشروع وطني” لم تتضح معالمه ولا شروطه بعد. إذ قال الأحد خلال لقائه برؤساءتحرير الصحف المصرية في بغداد أن “الائتلافات التي تشكلت سابقا شئنا أم أبينا أخذتبعدا طائفيا أو بعدا قوميا بالنسبة للكرد”. وقال “لكن من خلال العمل والتجربةوالممارسة السياسية في بناء الدولة اتضح الكثير مما ينبغي عمله على مستوى الدستوروتعديلاته أو على مستوى إدارة العملية السياسية وفق أسس وطنية، لذلك أنا قراريوعملي الآن هو أن لا عودة للائتلافات الطائفية إنما نحو الائتلافات الوطنية وجهديوجهد الإخوان معي ينصب على إيجاد ائتلاف وطني“.
وزاد على ذلك بالقول “يجب تشكيل ائتلاف وطني غير طائفي وغير عرقي. نحترم السنةونحترم الشيعة ونحترم العرب ونحترم الأكراد ونحترم الأحزاب، ولكن إن لم يتعاملواإلا على أسس وطنية ونحن نقود هذا الائتلاف، وان شاء الله لا نتراجع عنه أبدا”.
هل هذا تحول جذري؟
وهل التحولات الجذرية تحصل في لقاء مع رؤساء تحرير صحف؟
ألا يجب أن تتوفر عليها أدلة وبيانات ووثائق ونقاشات وحوارات تتخذ على ضوئهاقرارات؟
وعلى أي حال، فللوطنية معايير. ومن دون معايير، فماذا تصبح؟
بعد ست سنوات من أعمال القتل والدمار التي خيضت على أساس طائفي، والتي أسفرت،وما تزال تسفر عن أعمال قتل وحشية على الهوية، ومليشيات تتاجر بالموت على أساسطائفي، بما في ذلك تجارة الأعضاء البشرية، ربما يجد العراقيون إن من حقهم أن يعرفواعلى أية أسس ومعايير تكون الوطنية؟
فالمشروع الطائفي لا يصحو من نومه ليكتشف انه “وطني” بعد سنوات من عملهكـ”طائفي”. وهو لا يغسل يديه من سلسلة مجازر إرتكبها في الصباح والظهر والعصر علىأساس طائفي، ثم يعود العشيّة ليقول انه “وطني”. وهو لا يتحالف مع غزاة أجانب، ويعقدمعهم اتفاقيات، ويلبي مصالحهم الإستراتيجية، ثم في غفلة من الزمن يكتشف مساوئالطائفية، ليقول انه، من الآن فصاعدا، “وطني“.
للوطنية معايير وأخلاقيات والتزامات. وما لم تكن هذه المعايير والأخلاقياتوالالتزامات واضحة ومفصلة، فإنها لن تعدو كونها “زعما“.
ومن حق أي أحد أن يزعم انه وطني. ولكن أليس من حق الآخرين أن يسألوه: على أيأسس؟ ووفقا لأي معايير؟ وبناء على أي التزامات؟
ولكن هناك ما يستوجب الحذر. فالأحزاب الطائفية التي تتخذ من “التقية” ستارالعملها، قد تقول أي شيء وهي تقصد عكسه.
فهل هذا تحول جذري أم “تقية”؟
لم يوفر حزب الدعوة الإسلامية، ذو المرجعية الطائفية الإيرانية، أي دليل، لا فيمؤتمره ولا في سياساته، على أنه أجرى مراجعات جذرية لكي يبرر الانتقال، بها، منالصف الطائفي الى… “قيادة” الصف الوطني.
والقفز من “قيادة” الصف الطائفي، الى “قيادة” الصف الوطني، يتطلب استدراكا. فهذهشهقة قوية، كان من اللازم، أن نشرب فوقها كأس ماء على الأقل.
هكذا تحول، لكي يمكن الوثوق به، كان يجب أن تسبقه حوارات ومجادلات ومعاركثقافية. وهذه الحوارات كان يجب أن تتناول كل مظهر من مظاهر الطائفية في العراق ولاتكتفي بنقدها، بل تعلن نبذها، ونبذ كل ما ارتبط بها من سياسات والتزامات ومعاهداتومحاصصات وترتيبات مصالح.
“التقية” لم تعد سلوكا ذكيا، على أي حال. الكل يعرف أنها محاولة مبتذلة للضحكعلى الذقون. ولئن كان الطائفيون يظهرون من خلالها وطنيين، “جفت”، أو من دون تريث،ولا خجل، فمن حق المرء أن يعود ليسأل: “أين حمرتك أيها الخجل؟“.
أين حمرتك أيها الخجل، إذا كان المشروع الطائفي لم تكفه دماء مليون ونصف المليونضحية؟
وكيف نرد لكل هؤلاء الضحايا حقهم؟ ومن مَنْ نأخذ بحق بلد تم تدميره ونهبه والاستيلاء على ثرواته؟ وماذا سنقول لملايين الذين تهجروا من منازلهم؟ ولملايين الذين المحرومين تحت سلطة، إن لم تجد أحزابها مالا، فانها تذهب لتسرقه؟ وماذا سنقول لمئات الآلاف الذين اعتقلوا، وما يزالون معتقلين، من دون محاكمة، وللذين يتعرضون للتعذيب وانتهاك الأعراض؟
ثم، ماذا سنقول للدم الذي تم سفكه في هذه المجزرة، وقد صار بحرا؟ ودم العراقيين “يظل عن الثأر يستفهمُ”؟ فماذا نقول لهم وجراح شهدائهم “من الجوع تهضم ما يُلهم”؟
فإن لم تخجل من كل هذا، فمم ستخجل؟
رؤساء تحرير الصحف المصرية، الذي كانوا يعودون في السابق من مقابلاتهم في العراقبسيارات مرسيدس، لا بد وأن يشعروا بالحسرة، إذا وجدوا أنهم، هذه المرة، عادوا منالغنيمة بـ”تقية”، من دون خجل.
ولقد كان من الطبيعي أن لا يسألوه: على أي أسس؟ ووفقا لأي معايير صرت يا رئيسالوزراء “وطنيا”؟، فهم بدورهم كانوا يمارسون “التقية”، حتى ليجوز للمرء أي يسألهم: على أي أسس؟ ووفقا لأي معايير انتم رؤساء تحرير صحف؟ وماذا حلّ بحمرة الخجل؟