أرشيف - غير مصنف

ذكرى رحيل فارس نبيل

 د/ نصار عبدالله        
فى أغسطس عام 2004,…على وجه التحديد يوم 6أغسطس… رحل عن عالمنا فارس إعلامى  نبيل ظل حتى آخر لحظة فى حياته متمسكا  بفروسيته ونقائه ونبله ، رغم أن ما يحيط به كان ينبىء عن عصر يوغل قى كل يوم رداءة ووحشية وقبحا ، .. فى السادس من أغسطس عام 2004,رحل الفارس الإعلامى النبيل عبد الوهاب مطاوع الذى استطاع أن يجعل من بريد الأهرام  برافديه : اليومى والجمعة ، استطاع أن يجعل منه أشهر باب صحفى على مستوى الصحافة العربية بأكملها ، …وعلى يدي الأستاذ مطاوع تحقق لهذا الباب من الذيوع والإنتشار ( فيما سجله الأستاذ لطفى الخولى فى مقال خصصه للحديث عن بريد الأهرام ) تحقق له من الذيوع والإنتشار والتأثير مالم يتحقق لباب آخر فى أية صحيفة عربية ، وقد ساعده على تحقيق ذلك الإنجاز ثقافته الواسعة من ناحية ، وموهبته الإعلامية الأصيلة من ناحية أخرى ، وقبل ذلك وأهم من ذلك صدقه الشديد مع نفسه ومع قرائه ، ثم عشقه الحقيقى وإخلاصه العميق لما كان يقوم به ، وتفانيه فى أداء ما كان يؤمن بأنه رسالته ..والواقع أن عبدالوهاب مطاوع كان واحدا من تلك القلة القليلة من البشر التى لا تجد سعادتها إلا فى إسعاد الآخرين ، وفى الوقوف إلى جانبهم فى المحن والشدائد ، وهى تلك التى كان يعرض لها بأسلوبه الأدبى الجميل من خلال رسائل أصحابها التى كان ينشرها فى بريد الجمعة ، ولم يكن  يكتفى بنشرها  فحسب بل إنه كان كثيرا ما كان يوجه الدعوة إلى كل قادر من ذوى الخير على أن يوجه العون، ثم يجند نفسه وعددا من العاملين معه للتنسيق بين طالبى العون ومقدميه حتى لقد تجاوز بريد الجمعة كونه منبرا لعرض المشكلات الإنسانية و إسداء النصح إلى أصحابها،  .. تجاوز ذلك إلى أن أصبح بمرور الوقت أشبه ما يكون بمؤسسة إنسانية خيرية متكاملة وفاعلة ( وهو ما دفع بالأديب العالمى نجيب محفوظ إلى التبرع بجزء كبير من  قيمة جائزة نوبل التى حصل عليها إلى بريد الأهرام ) ، أما البريد اليومى فقد كان ينشر فيه ما يتخيره من المشاكل الخاصة التى يرى أنها نماذج معبرة لمشكلات عامة يعانى منها المواطنون جميعا أو تعانى منها على الأقل شرائح معينة من أبناء الوطن ، ولم يتوقف الأستاذ مطاوع عند هذا الحد بل تجاوزه إلى تقديم أصحاب الأقلام الموهوبة حيث لمعت بفضل ذيوع البريد وانتشاره أقلام متميزة من أمثال الدكتور/ محمود  عمارة ، والدكتور نصر المسيرى ، واللواء الدكتور إبراهيم شكيب ، والكتور عزالدين الدنشارى ، و والدكتور سمير البهواشى ، والدكتور هانى عبدالخالق ، والدكتور حسام موافى ، والدكتور وسيم السيسى ،  والأستاذ مختار السويفى ،والشاعر الساخر ياسر قطامش ، والمهندس حاتم فودة (الذى تولى فيما بعد الإشراف على تحرير بريد المصرى اليوم ) ، وغيرهم ممن تألقوا بفضل تألق بريد الأهرام وزادوه فى نفس الوقت تألقا وتوهجا إلى حد أن الأستاذ لطفى الخولى فى مقاله سالف الإشارة قد أبدى أسفه لأن بعض الذين يكتبون فى بريد الأهرام لا يكتبون فى متن الصحيفة !! ، وهو أسف فى غير موضعه لأن باب البريد كان قد أصبح بفضل عبدالوهاب مطاوع أكثر جاذبية لقراء الأهرام من المتن!!! ، ولا أدل على ذلك من أن بعض كبار كتاب مصر، وكبار الكبار أيضا  قد أصبحوا فى عهد مطاوع  لا يخجلون من النشر فى البريد بل يفخرون به، ويسعون إليه سعيا ، ولم يكن غريبا أن يقرأ قارىء بريد الأهرام بين الحين والحين لكتاب مثل يوسف الشارونى وملك عبدالعزيز وعواطف عبدالرحمن وليلى الجبالى وماهر شفيق فريد ، بل وبهاء طاهر نفسه الذى ترجمت رواياته إلى لغات أجنبية عديدة، والذى  فاز فى العام الماضى بجائزة بوكر العربية ، كما فاز فى هذا العام بجائزة مبارك فى الآداب (وهى أرفع قدرا وقيمة من جائزة الدولة التقديرية )، وقد كان عبدالوهاب مطاوع بفضل ثقافته مدركا لأقدار هؤلاء الكتاب الكبار ، فكان يسارع إلى نشر ما يرسلونه إليه ، ولم يكن يسمح لنفسه ـ إلا فى حالات نادرة ـ  أن يحذف حرفا واحدا مما يكتبون  ، وحتى فى تلك الحالات النادرة كان ـ رغم أعبائه العديدة ـ كثيرا ما يقوم بالإتصال بهم مسئئذنا إياهم فى الحذف أو التعديل من موقع إدراكه أن وجود أسمائهم يضيف إلى رصيد بريد الأهرام ولا ينتقص شيئا  من رصيدهم ، وفى أعقاب رحيل مطاوع تولى مسئولية البريد اليومى واحد من أبرز معاونيه ممن كان يثق فيهم وٍيعهد إليهم بالبريد كلما طرأ ما يستلزم غيابه وهو الأستاذ أحمد البرى ، أما البريد الأسبوعى ( بريد الجمعة )،  فقد توقف أسابيع طويلة قبل أن يتولاه شاب موهوب كفء ، هو الأستاذ خيرى رمضان الذى سار على نهج الأستاذ والمعلم ، وإن كانت له بطبيعة الحال بصماته الخاصة والمميزة وهذه على أية حال طبيعة الأشياء ، رحم الله فقيد الأهرام الذى كان فى حد ذاته أهراما

زر الذهاب إلى الأعلى