د / لطفي زغلول – نابلس
الجزء الأول
السياسة في الوطن الفلسطيني المحتل ذات شجون وأشجان . أما أنها ذات شجون ، فإن شجونها كثيرة كثيرة . أما شجانها فهي لا تعد ولا تحصى . شجونها تدور في أفلاك الدولة الفلسطينية من منظور فلسطيني . عدم اعتراف إسرائيل بحق العودة . الضغوطات الأميركية على العرب للإعتراف بإسرائيل والتطبيع معها . الأسرى الفلسطينيون في سجون الإحتلال الإسرائيلي . تكريس استيطان قائم على مصادرة الأراضي الفلسطينية . تعنت الحكومة الإسرائيلة ورفضها تجميد الإستيطان . ما يسمى البؤر الإستيطانية العشوائية . جدار الفصل العنصري الذي قارب على الإنتهاء .
الحواجز الأمنية الإسرائيلة التي تحاصر التجمعات السكنية الفلسطينية وتخنقها . الإجتياحات العسكرية الليلية والنهارية المستدامة . تهويد القدس والمخاطر التي تتهدد المسجد الأقصى المبارك . الضغوطات الأميركية غير الجادة على إسرائيل . وأخيرا وليس آخرا رفض الحكومة الإسرائيلة الإعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة كاملة عاصمتها القدس .
ولنبدأ بها واحدا واحدا . الدولة الفلسطينية من منظور فلسطيني تشكل الحد الأدنى لمطالب الشعب الفلسطيني . إنها دولة حدودها الرابع من حزيران / يونيو 1967 . إنها دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على أراضيها ومعابرها ، وأجوائها ، ومياهها ، وكل ثرواتها المعدنية الأخرى الظاهرة منها أو الباطنة ، طاهرة مطهرة من كل أشكال الإستيطان ، عاصمتها القدس الشريف . وهذا حق للشعب الفلسطيني ، يشكل الحد الأدنى من مستحقات القضية ، لا منة من أحد .
حق العودة حق مقدس للشعب الفلسطيني الذي ما زال يرزح في مخيمات الشتات . لقد هُجّر الفلسطينيون من أراضيهم ، وأبعدوا قسرا عن ممتلكاتهم ومدنهم وقراهم ، منذ العام 1948 ، أي عام النكبة التي يحاول الإسرائيليون أن يطمسوا ذكرها . لقد كفلت الأمم المتحدة ممثلة الشرعية الدولية عبر قرارها الصادر عنها رقم 194 هذا الحق للفلسطينيين الذين يصرون على تطبيقه مهما تقادم الزمن عليه ، في حين أن الحكومات الإسرائيلة أيا كان لون طيفها السياسي تتجاهله وتصر على رفضه وعدم الإعتراف به .
ويتعجب الفلسطينيون ويستنكرون تلك الضغوطات التي تمارس على الأنظمة العربية والإسلامية ، وليس من المستبعد أنها اشتراطات مسبقة للإعتراف بالكيان الصهيوني والتطبيع معه تطبيعا شاملا . إن الفلسطينيين يتساءلون : كيف يكون الإعتراف والتطبيع ، وما زال الإحتلال قائما ، وعن أي سلام تتحدث الولايات المتحدة ، وما زالت إسرائيل ترفض الإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها لهم الشرعية الدولية . إنه منطق الهراء السياسي . منطق الإلتفاف والمراوغة والخداع . منطق الضحك على الذقون .
ومرة أخرى وليست الأخيرة يتساءل الفلسطينيون في الوطن والشتات : عن أي سلام يجري الحديث عنه ، وهنالك ما ينوف عن أحد عشر ألف أسير في سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي ؟ . وما هو المبرر القانوني والأخلاقي لاستبقائهم خلف قضبان هذه السجون والمعتقلات ؟ . أما الإدعاء بأنهم ارتكبوا جرائم ضد الحق العام ، وأن أيدي بعضهم ملطخة بالدم فهو لاغ وباطل لا أساس له من المصداقية . إنهم أسرى نضالات حرية الشعب الفلسطيني ، وهم أحد أهم همومه وأشجانه ، ولا يتصورون أي سلام بدون تحريرهم .
فيما يخص الإستيطان الإسرائيلي ، فقد دأبت الحكومات الإسرائيلية أيا كان لون طيفها السياسي ، منذ أن وطئت أقدام الإحتلال الإسرائيلي ما تبقى من الوطن الفلسطيني على إقامة المستوطنات في خيرة الأراضي الفلسطينية التي صادرتها علانية من أصحابها الشرعيين .
إن أهم هذه المستوطنات ما أقيم على التلال الفلسطينية . ولإسرائيل أهداف وغايات استراتيجية ، أهمها الإشراف على القرى والبلدات الفلسطينية ومحاصرتها . واليوم وبعد ثلاثة وأربعين عاما على الإحتلال الإسرائيلي ، هناك ما ينوف عن الأربعمائة وأربعين مستوطنة حسب آخر إحصاء فلسطيني ، باستثناء ما تسميه إسرائيل مستوطنات عشوائية تجاوز تعدادها المائة بؤرة استيطانية .
فيما يخص ما تسميه إسرائيل بؤرا إستيطانية عشوائية ، فلإسرائيل غايات وأهداف تتمثل في إيهام العالم أنها غير شرعية ، وأنها تعمل على تفكيكها . وحقيقة الأمر أن الفلسطينيين يعتبرون كافة أشكال الإستيطان غير شرعية ولا قانونية ، ولا يفرقون بين عشوائية وغير عشوائية ، أو ما تسميه إسرائيل مستوطنات قانونية ، ويطالبون بتفكيكها كونها كلها دون استثناء قد أقيمت على أراض فلسطينية مصادرة ومغتصبة .
وفي هذه الأيام تتردد نداءات دولية بضرورة تجميد الإستيطان . وبرغم كل النداءات الدولية الجادة وغير الجادة ، فإن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية متعنتة برفضها هذه النداءات ، ومصرة على الإستمرار والمضي في مشروعاتها الإستيطانية . وحقيقة الأمر إن الموضوع لا ينتهي بتجميد الإستيطان ، وإنما بتطهير الوطن الفلسطيني من أدرانه كلية . وتتردد هذه الأيام أفكار مؤداها تجميد الإستيطان مقابل التطبيع العربي مع إسرائيل . وكأن القضية الفلسطينية تنتهي عند هذا الحد من الهراء السياسي . فعن أي تطبيع يجري الحديث للإلتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني ، والإستيطان وهو رمز الإحتلال الإسرائيلي ما زال قائما ؟
وأما جدار الفصل العنصري الذي شارف على الإنتهاء ، فهو أولا وآخرا إستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية ، ومحاصرة عشرات البلدات والقرى الفلسطينية داخله ، وعدم السماح لسكانها بالدخول إليها أو مغادرتها إلا بتصاريح . ونحن هنا لا نرى إلا أن نذكر بعدم شرعية هذا الجدار الذي صدر بحقه قرار بعدم شرعيته من محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي .
أما الحديث عن الحواجز الأمنية العسكرية فحدث عنها ولا حرج ولها أشجانها . لقد شكلت بكافة أشكالها التي أقامها الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في حزيران / يونيو من العام 1967 ، أحد أخطر أسلحة هذا الإحتلال ، وأشدها شراسة وفتكا ، أشهرها في وجوه الفلسطينيين على مدار الساعة واليوم والشهر والعام ، مستهدفا النيل من روحهم المعنوية ، غير عابىء بكل إفرازاتها الكارثية عليهم ، جاعلا منها رمزا لوجوده العسكري الإحتلالي ، وفارضا إياها بقوة السلاح كعقوبة جماعية مستدامة .
ويتفنن الإحتلال الإسرائيلي بإيجاد أشكال وأنواع من هذه الحواجز من أهمها :
1- الحواجز المتحركة ” الطيارة ” ، وليس لها مكان ثابت ، أو زمن محدد .
2- الحواجز الثابتة ، وتكون في العادة على مداخل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية .
3- السواتر الترابية ، وتكون في العادة على مداخل القرى الفلسطينية .
4- البوابات الحديدية ، والبلوكات الإسمنتية ، وتكون في العادة داخل المدن ، وبين أحيائها ، او تلك المقامة على جدار الفصل .
5- الحدود والمعابر ونقاط التفتيش الأخرى ، سواء تلك الدولية ، أو الفاصلة مع مناطق الخط الأخضر .
6- الجدار الفاصل ، وهو أخطرها على الإطلاق كون طوله سيبلغ عند إنهاء بنائه ما يزيد عن سبعمائة كم ، وقد أنجز منه حتى الآن عدة مئات من الكيلومترات .
لقد كانت هذه الحواجز وما زالت سببا رئيسا من أسباب إيقاع كافة أشكال الأذى والمكروه والشر والضرر على الفلسطينيين ، وعلى كافة الصعد الجيوسياسية والإقتصادية والتجارية والإجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية والنفسية . وكانت أيضا سببا رئيسا في تدهور أوضاعهم الإنسانية ، ذلك أنها جعلت من كل التجمعات السكانية الفلسطينية كانتونات معزولة عن بعضها ، أو بصحيح العبارة معتقلات ” جيتوهات ” محاصرة مغلقة ومطوقة .
” يتبع “