أرشيف - غير مصنف

غزة وعلماء الأمة

لازالت غزة في الأسر منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات، حصار اجرامي لا مثيل على وجه الأرض قابلناه بمظاهرات جابت شوارعنا العربية، مهرجانات، ندوات ومحاضرات والحصار لازال مستمراً والمواطن في غزة يعاني ما لا يستطيع بشر احتماله، فقر، بطاله، مستشفيات بلا معدات وأدوية، محلات بلا بضائع، مرضى بازدياد، ونساء تستنجد وأطفال يصرخون وجاء العدوان الأخير ليزيد المعاناة ويزيد القتل وهدم البيوت وليشتد الحصار ولا مفتاح للسجن إلا بيد الأخ الذي يستبد كما الصهيوني وحولنا مأساتهم الى قضية مساعدات ومعونات وتبرعات تُحجز وتتلف وبعضها تُباع في اسواقنا،  ولا حل يلوح بالأفق لتحرير هؤلاء الأسرى، وهدأت الشوارع العربية وانتهت المظاهرات وعدنا لحياتنا الطبيعية باعتبار أن البعض أدى واجبه وقلّما نذكر غزة وأهلها وكأن المأساة قد انتهت. تلك نتيجة طبيعية للفهم والتعامل الخاطئين مع قضية فلسطين بشكل عام ومع غزة بشكل خاص.
لابد ونحن نتحدث عن مأساة أهلنا في غزة وسجنهم الكبير أن نذكر هؤلاء الذين تضامنوا ولم يكتفوا بالتظاهر فشدوا الرحال وركبوا البحر متحملين اخطاره قاصدين  غزة لفك حصارها البحري ولو بشكل رمزي، ويجب أن نذكر أيضاً المناضل البريطاني جورج غالوي الذي قاد شريان الحياة من بريطانيا أصل مأساتنا لتفتح حتى بعض حدودنا العربية المغلقة واتجه صوب غزة ليفتح باب سجنها ويكسر حصارها البري ولا زالت “شريان الحياة” مستمرة بدعم ومؤازرة أهلنا في غزة ، هؤلاء تحملوا مشاق السفر والمسافات الطويلة وأصرّوا على كسر الحصار رغم تشدد دولنا بمنعهم وكان لهم ما أرادوا ورأيناهم يدخلون رافعين اشارة النصر، وعلماء الأمة الجدد والقدامى في غيبوبة، ينشطون في فضائيات العهر العربي لا يجرؤ أحدهم حتى على ذكر ما يجري في غزة ويتلهون بفتاوى معلبة وبث الفتنه بين المذاهب ويحول بعضهم مأساة غزة الى قضية تبرعات ومساعدات ومزاد علني ودعاء بالنصر من على شاشات تسبق برامجهم راقصة ويتبعه راقصة.
نحن على أبواب رمضان، هذا الشهر العظيم الذي يحمل بين ثناياه حكمة ترويض النفس البشرية ومعايشة الفقراء والمساكين والشعور بحالهم ودافعاً للخير وفعله لكن وبكل أسف فرّغناه كالكثير من عباداتنا من حكمته ليس ليصبح شهر بذخ وإسراف فحسب بل أصبح شهراً للفجور ببعض اشكاله تنتشر فيه خيم الترف، شهر يتنافس فيه ابطال المسلسلات مع شيوخ الفضائيات، اولئك جميعاً يجدون فيه موسماً للربح وترويج بضاعتهم فتكثر المسلسلات وكذلك البرامج الرمضانيه التي تضج بفتاوى اصبح يحفظها طفل في الثانية من عمره عن ظهر قلب لن تتعدى إن كانت المضمضه او السواك يفطر الصائم أم لا. لا هدف لفضائيات العرب الا الربح والإفساد  و”دعاة” يعكفون على برامج لا تهتم إلا بفتاوى الحيض والنفاس والقدس على مرمى حجر تهوّد وغزة تُقتل والعراق تدُمّر  والتطبيع على أشده مع صهيوني يستبيح كل عواصمنا وتُعقد له المؤتمرات ليدافع عن قتله لنا، وكبيرهم يعقد مزاداً ليبيع سجادة من القدس ليحمي مسجدها، ويقود أذياله مستجديا ولاة الأمر لوقف القتل عن غزة وحبرهم يصافح الذئب ويدّعي كذباً انه لا يعرفه.
لن أتجنى على أحد ممن يسمون كذباً بـ “الدعاة” فواقعهم يؤكد بأنهم “دعاة فضائيات” لا يعنون بقضايا أمتهم ولا يتحسسون آلامها ولا يعالجون أمراضها، يبحثون عن “الشهرة والنجومية” حتى أصبح معجبيهم يلاحقوهم لأخذ صورة أو تذكار كأي ممثل أو راقصة، فأين هم من غزة؟ لماذا يتحمل ناشط أجنبي لا يربطه مع غزة إلا الشعور الانساني كل الصعاب في سبيل الدفاع عن انسانها في الوقت الذي يرتبط هؤلاء معهم بالعقيدة ولا يتحركون لإنقاذ أهلهم وأخوتهم ويكتفون بالتنظير والدعاء برسالة قصيرة من هاتف خلوي بطريقة خبيثة ظاهرها الرحمة وباطنها الفائدة لشركات تدفع لهم نسبة من ارباحها، ما الذي يمنع هؤلاء ان كانوا صادقين من تجنيد أنفسهم لإنقاذ غزة مما تعانيه فيهبون لنجدتها ويسيّرون القوافل يقودونها لكسر باب السجن عن غزة، ولو فعلوا لوجدوا الملايين يبتعوهم كما تبعوا ذات يوم العز بن عبد السلام لكنهم ليسو مثله ولا معجبيهم كتابعيه. لو قام هؤلاء بواجبهم بقيادة الأمة وهم قادتها من بعد الأنبياء لما تجرأت دولنا أن تشارك الصهيوني في حصاره، ولما تجرأت أن تقمعنا وتضطهدنا وتنتهك انسانيتنا، لقد فسدت الأمة ليس من فضائياتها بل من الـ”علماء” الفاسدين الذين بمشاركتها يشجعوها على الفساد، هم ملح الأرض إن فسد فسدت الأرض، والأرض فسدت فمن الذي أفسدها!!!!
ربما يذكر البعض أصنام بوذا في افغانستان عندما أعلنت طالبان بأنها ستفجرها فانتفض هؤلاء بقيادة كبيرهم وجر أذياله مدافعين عن هذا “الإرث الانساني” فجندوا أنفسهم لوقف هذا العمل “الوحشي”، والأقصى تحت نظرهم يهوّد ويهدّم ويقف بالهواء، يُستباح ليل نهار والقدس درة المدن تكاد أن تختفي، ويبلعون ألسنتهم إلا بفتوى فاسدة من فاسد ان أرض الاقصى يملكها “يهودي” فكانت المكافأة على جريمة لن يرتكبها أحد غيره ببث برامجه على القناة الثانية الصهيونية. فضائياتنا أيها الافاضل ستنشغل بعد قليل بالترفيه الرمضاني والتسلية وستلبس بعضها العمامة والحجاب وستنشط برامج الفتاوى المعلبة جنباً الى جنب مع برامج الرقص وسيل المسلسلات وسيجني الجميع ارباحاً تنسيهم ليس غزة وسجنها الكبير بل تنسيهم كل قضايا الأمة. فهنيئاً لعلماء الأمة ورابطتهم ومنظمتها الاسلامية وهنيئاً للأمة شهرها العظيم والأقصى بعد الأربعين لازال مشتعلاً،  وغزة المحاصرة المجوّعة المريضة الذبيحة على موائدكم، هل تذكرونها!!!!!
 

زر الذهاب إلى الأعلى