أرشيف - غير مصنف
كاليغولا وشيخ ورطة
كاليغولا وشيخ ورطة
هانيبال
كان شيخ ورطة يحرص دائما وفي كل اجتماع من اجتماعاته الأسبوعية مع كبار الخنازيق والزنادقة والعكاريت والنواب على تأكيد فلسفته الذي يقوم محورها على ان إرادة الإنسان الحرة ليست إلا وهما ، لأن الإنسان لا يملك لنفسه شيئا وأن حكمه في ذلك هو حكم المادة ، ولأن حرية الإنسان ليست حرية مطلقة لأنه لا شيء مطلق في الوجود الإنساني ، ولأن الحرية معنى اجتماعي ولا يمكن تصور وجوده إلا في مجتمع يأخذ منه الأفراد ويعطون ويتأثرون فيه ويؤثرون ، ولأن حرية الإنسان لا بد ان تكون مقيدة بالخير الخاص والخير العام والاعتراف بالآخر والانسجام مع الآخر وفي حدود مصلحة الآخر ، ولذلك قد يكون للإنسان حرية ان يرى وحرية ان يعتقد وحرية ان يقول وحرية ان يفعل وحرية ان يتصل بالآخر ولكن ليس على الإطلاق وإنما في حدود ما يصون حرية الآخر ويحافظ على وجود الآخر ، وهكذا نرى أنه من الخطأ القول ان الحرية بمعنى الانطلاق تعني التقدم والتطور ، لأن تقدم الإنسان وتطوره لا يعني الانطلاق لأن الانطلاق يعني العودة الى حيوانية الإنسان والى عهد الطفولة الإنسانية ، ولذلك لا حرية بدون مرجعية وهدف ، ونحن المرجعية ونحن الهدف ، قال شيخ ورطة ذلك وقام ثم وسار في موكب مهيب من المرافقين والحراس وسط الخنازيق والزنادقة والعكاريت والنواب الذين اصطفوا على الجانبين يهتفون بحياة شيخ ورطة بينما كانت رؤوسهم تكاد ان تلامس أحذيتهم من شدة الانحناء ، ونظر شيخ ورطة نظرة فيها كل معاني الاحتقار وقال في نفسه لقد كان سورين كير كيجارد على حق عندما قال أن الناس تافهون تفاهة صانع أربطة الأحذية ، وكان باسكال أيضا على حق عندما قال ان من بلغ الأربعين ولم يكره الناس لم يعرف الناس ، ولذلك أنا اشك في ولاء هؤلاء الأشياء الذي يطلق عليهم اسم ناس ولكني لا اشك في عدم ثقتي بهم لأن كل الطغاة في التاريخ قتلوا على أيدي اقرب الناس إليهم ، فالإمبراطور قيصر قتل على يد ربيبه بروتس وهو يقدم القربان في معبد بومبي وعندما قال له قيصر حتى أنت يا بروتس ، قال له بروتس اني احبك ولكني أحب روما أكثر ، وكان جواب قيصر إذن فليمت قيصر ، والإمبراطور طيبريوس قتل على يد ماركو رئيس حرسه واقرب الناس إليه عن طريق خنقه بوسادة ، والإمبراطور كاليغولا الذي كان يقول انا اسرق ولا ارتاح إلا بين الموتى قتل على يد براكوس عضو مجلس الشيوخ الروماني ، والإمبراطور نيرون الذي حكم عليه مجلس الشيوخ بالقتل ضربا بالعصي ولكنه أبى على نفسه أن يقتل بيد شعبه فأمر كاتم أسراره بقتله ، كان شيخ ورطة محكوم بعواطفه وأهوائه وأحلامه الجنونية ومرض الشيزوفرينيا الذي يؤدي الى فقدان الاتصال مع الواقع الداخلي أي إدراك ما يدور داخل الجسم والعقل والواقع الخارجي أي الإحساس بما يدور في المجتمع ، وهو مرض نفسي يؤدي الى خلل في التفكير والسلوك والتعامل مع مشاكل الحياة والانسحاب من المجتمع والإحساس بمحسوس غير موجود في حالة الوعي ، ولذلك تخيل شيخ ورطة انه يرى كاليغولا ويجري معه حوارا حقيقيا
شيخ ورطة : أهلا كاليغولا
كاليغولا : أهلا شيخ ورطة
شيخ ورطة : كاليغولا تعني حذاء الجندي الروماني الصغير باللغة اللاتينية
كاليغولا : هذا اسم أطلقه على الجنود الرومان وانا في السنة الثالثة من عمري
شيخ ورطة : لأن والدك كان قد أخذك في إحدى حروبه في المانيا وألبسك ملابس عسكرية كاملة مع الدرع والحذاء
كاليغولا : لكن اسمي الحقيقي هو جيوس
شيخ ورطة : وهذا سبب سخرية الجنود الرومان
كاليغولا : كيف يسحرون من حفيد الإمبراطور اوكتافيوس أغسطس وابن الجنرال غيرمينكوس والنبيلة اكرابينا
شيخ ورطة : أحيانا يكون النسب النبيل سببا في السخرية وسببا في النقمة
كاليغولا : وأحيانا يكو سببا يؤدي الى السلطة
شيخ ورطة : قد يكون النسب سببا يؤدي الى السلطة ولكنه لن يكون سببا يؤدي الى المجد
كاليغولا : قد يصل الإنسان الى السلطة بالنذالة ولكنه لن يصل الى المجد بالنذالة
شيخ ورطة : أنت لم تصل الى السلطة بالنسب
كاليغولا : أنا حفيد الإمبراطور اكتافيوس أغسطس وابن الجنرال غير مينكوس والنبيلة اكرابينا
شيخ ورطة : لكن الإمبراطور طيبريوس كان يرى قي والدك غريما ومنافسا كبيرا على العرش ولذلك قام بتسميمه بسبب نسبه وشعبيته الكبيرة بعد عودته من إحدى حملاته العسكرية في سورية
كاليغولا : كنت وقتها صغيرا وفي السابعة من عمري
شيخ ورطة : لكن الإمبراطور قتل أمك ونفى احد إخوتك وسجن الآخر وجوعه حتى الموت
كاليغولا : وماذا كنت استطيع ان افعل إذا كان كل من كانوا حول الإمبراطور يقولون نعم
شيخ ورطة : كنت بارعا في إخفاء مشاعر الكراهية والتظاهر بأنك خادم مخلص للإمبراطور
كاليغولا : وهل كان من الممكن ان افعل غبر ذلك
شيخ ورطة : ولذلك قال الإمبراطور ليس هناك خادم أفضل من كاليغولا ولا سيد أسوأ من كاليغولا
كاليغولا : كان الإمبراطور يعاني من هوس التشكك ويبطش بأي شخص يحس منه خطر على السلطة
شيخ ورطة : ولذلك كنت تهتم كثيرا بتوطيد علاقتك مع رئيس الحرس الإمبراطوري ماركو
كاليغولا : ماركو كان الجسر الذي عبرت عليه الى السلطة
شيخ ورطة : ولكنك حرقت هذا الجسر
كاليغولا : حتى لا يعبر عليه غيري
شيخ ورطة : وحتى لا يكون لك في السلطة شريك آو رجل ثاني
كاليغولا : أي حاكم لا يحتمل ان يكون هناك رأس بجوار رأسه حتى ولو كان على الوسادة
شيخ ورطة : ولذلك نفيت زوجتك
كاليغولا : عندما لا يكون سيد يكون الكل سادة
شيخ ورطة : وعندما يكون الكل سادة يكون الكل عبيد
كاليغولا : وعندما يكون هناك سيد يكون الكل عبيد وانا سيد روما
شيخ ورطة : ولذلك أجبرت والد زوجتك على الانتحار
كاليغولا : لأنه تصور انه يحكم روما
شيخ ورطة : طبعا لأنه يحكم ابنته وابنته تحكمك
كاليغولا : ولأن سيد روما الذي يملك كل نساء روما لا يجب ان تملكه امرأة واحدة من روما
شيخ ورطة : ولذلك اغتصبت زوجة صديقك السابق ماركوامام عينه ، وأجبرت إشراف روما على إرسال نسائهم وبناتهم الى بيوت الدعارة التي شيدتها في القصر الإمبراطوري للعمل فيها ، وأقمت علاقة جنسية محرمة مع أخواتك الثلاثة وخاصة أختك دورسيلا
كاليغولا : كنت أريد إنجاب طفل تجري في عروقه الدماء الملكية
شيخ ورطة : نبوءة لم تتحقق ، ولكن هل هو كذلك ، أم أنه الشبق والسادية والهوس الجنسي
كاليغولا : شبق وسادية وهوس
شيخ ورطة : وهذا هو الخلل الرئيسي في كل ما هو بشري
كاليغولا : الناس لا يحصلون على ما يريدون لأنهم لا يفكرون الى النهاية ولأنهم جبناء
شيخ ورطة : ولذلك كنت تقول ان لم اقتل اشعر بأني وحيدا
كاليغولا : ولا ارتاح إلا بين الموتى
شيخ ورطة : لكن من يخشاك كان يمكن ان بقتلك
كاليغولا : لم أكن أتصور ولو تصورت لحرقت مجلس الشيوخ وروما
شيخ ورطة : ولكنك تصورت انك اله على الأرض
كاليغولا : اله على الأرض وملك العالم
شيخ ورطة : ولذلك سعيت في طلب القمر لا لشيء سوى انه من الأشياء التي لا تملكها
كاليغولا : وحزنت حين عجزت عن الحصول عليه
شيخ ورطة : وكنت تبكي عندما كنت لا تستطيع ان تجبر الشمس على الشروق من الغرب أو منع الكائنات الحية من الموت
كاليغولا : كنت أريد منع الكائنات من الموت حتى تموت بيدي
شيخ ورطة : لماذا
كاليغولا : لأن الناس جميعا مذنبون ولذلك يجب ان يموتون
شيخ ورطة : الناس يموتون وهم ليسوا سعداء
كاليغولا : نعم يموتون وهم ليسوا سعداء ولكن لحسن حظهم أن ألامهم لا تدوم
شيخ ورطة : لكن ورغم ذلك لا بد من الاعتراف ان ما قمت به من اعمل قتل ودعارة وسرقة كانت من إنتاج عقل مريض أحرقته العبقرية
كاليغولا : ولكن هل يجتمع الجنون والعبقرية
شيخ ورطة : نعم ولكن المشكلة هي في تحقيق التوازن بين الجنون والعبقرية
كاليغولا : وكيف يمكن تحقيق ذلك
شيخ ورطة : من المضحكات المبكيات المذهلات انك قلت بصراحة أنا اسرق ، وانك عندما أردت ان تشعر بقوتك وان كل أمور الحياة بيديك ورأيت ان تاريخ حكمك يخلوا من المجاعات والأوبئة ، وتصورت ان الأجيال القادمة لن تذكرك أحدثت مجاعة في روما وأغلقت مخازن الغلال مستمتعا بأنك تستطيع ان تجعل كارثة تحل بروما وبان هذه الكارثة يمكن ان تتوقف بأمر منك ، ووقفت تستمتع بأهل روما وهم يتعذبون بالجوع ، وقلت سأحل أنا محل الطاعون
كاليغولا : لأن الضعفاء لا يخونون إلا بعد ان يصلوا الى القوة ، وان الفقراء لا يخونون إلا بعد ان يصلوا الى الثروة ، ولذلك كان لا بد من سحب القوة والثروة من يد الشعب
شيخ ورطة : ولكنك بذلك جعلت حتى أتباع الحكام لا يؤمنون غدر الحكام
كاليغولا : ولكن كل الحكام قتلوا على يد اقرب الناس إليهم
شيخ ورطة : هذا صحيح ولذلك آنا أتفق مع كل ما قمت به من قتل ودعارة وحصار وسرقة ولكني أتحفظ فقط على الأسلوب
كاليغولا : وما هو الأسلوب الذي تراه مناسبا
شيخ ورطة : أنت تسيطر على المال والعسكر ومن يسيطر المال والعسكر يحكم الناس ، ومن يحكم الناس يمكن ان بعبء نصف الناس ويكلفهم بسرقة النصف الأخر وانتهاك عرض النصف الأخر وقتل النصف الأخر ، وهكذا تلقي تبعية هذا العمل على غيرك
كاليغولا : وهذا هو تحقيق التوازن بين الجنون والعبقرية
شيخ ورطة : ولو أدركت ذلك لما قتلت في مجلس الشيوخ من اقرب الناس إليك براكوس ولما قتل حصانك المحترم تانتوس العضو في مجلس الشيوخ الروماني
كاليغولا : نعم وهناك من هم أكثر مني قسوة وسادية ووحشية وقتل وانتهاك إعراض ويسرقون ويحاصرون أخوانهم حتى الموت ويتحالفون مع أعدائهم ويدخلون كلابهم وليس حصان الى مجالس النواب ولم يقتلوا لا هم ولا حتى كلابهم
شيخ ورطة : لأنهم صغار يحمونهم كبار أما أنت فكنت الكبير ومن يحمي الكبير غير شعبه وانت استفزيت شعبك ونواب شعبك
كاليغولا : لو لم أكن كاليغولا لوددت ان أكون شيخ ورطة