نصيحة الجبناء

علي المشهداني
الألم الذي شمل حياتي لم يكن هديتاً أٌسديت لي ، ولم يكن محض صدفةٍ التقيا ْ وعبرْ . إنها تقرحات اجتمعت لأيامٍ طوالٍ في صدري ، وباتت تخنقني كلما كان هناك مستحيل من علاج لما نمر به ..
أكثرهم ارتحلْ ! .. عراقيون ، وطنيون ، اصلاء ، لم يشغل فكرهم يوماً طائفتاً أو قوميتاً أو مذهبْ ، ولم تنتعش ذاكرتهم في طمع أو سرقةٍ أو حرام ، ولم يبرئ  رف قلبهم يوما إلى وطن في داخلهم اغتيلْ .، واصله لا زال ينازع الألم ، ويُرمى كل يومٍ بضربة لؤم ، وعين حاسد ، وطمع محتل .
هٌجِروا إلى بلادٍ لا قرار فيها ، ولا تعرف مكنوناتها ، وغريبة عنا عاداتها ، وتقاليدها .. إلا إن لكل هذه الدول تسمية تتناقلها الألسن .. بلد المهجر! .
اذكر أني كلما أتاني تهديد من جهة بالتصفية ، والاعتقال، والعقاب . اسمع من حولي وهم يقولون أنفذ بجلدك وسافر .، وحين أروم أن أضع الفكرة في رأسي كي أصدقها ، أو اقتنع بها أجد تساؤلات كثيرة في راسي .. إلى أين ؟ ، وأين الشجاعة في المفر ؟ ولمن اترك وطني العراق إن هجرته ؟ أترى هل هرب عنا عراقنا يوما ؟ وهل حزم أمتعته واخذ عروسه الجميلة الرائعة بغداد ؟ ووضع  في جوازِ سفرهِ أولاده دجلة والفرات ؟
ترى هل أضع في حقيبة سفري دراستي ، ديني، مبدأِ ،وألف الجميع بقضيتي ..
هل بسفري سيهرب عني وقت موتي ؟هل بهزيمتي من الأقزام سأبني بلدي ؟ أم اترك الساحة للعابثين ، وكلاب السلطة ، وخنازير الحكومة التي تلعق روث المحتل وأعلن الولاء . هل بهجرتي سينجو زماني .
لم أكن اعلم إن أكثر التحالفات السياسية التي تجرى لإبادة وطنية من يعترض ، واغتيال أحرار بلدي .. علمت الآن حين ضاقت بي الحياة أنهم ضيقوها على من كان قبلي  فأجبروهم على الاستقالة والهرب .. فمن ارتحل ليعيش ارتدى الذل ، ومن بقى احتضنه نعش الوطنية .
وعادت بي الأيام إلى محبوباتِ الآتي تناثرن بين مهاجرة ،وقتيلة، وأرمله ثكلى تلملم دموع صبيتها بكسر خبز تنافس الكلاب من القمامة في جمعها وإطعام أطفالها دون معيل من دولة المنافقين .. عادت بي الأيام تحت أطنان من المبيدات الإنسانية من نابالم وفسفور ويورانيوم منضب  تناثرت فوق بلدي وأحرقت النباتات وسممت المياه ، وحطمت البنيان ، وسرقت تأريخ الآثار، وأماتت بالجملة  الإنسان ، فصفقوا لمن ألقاها وقالوا أنها قوات صديقة .
عادت بي الأيام حين كنا صبية نغرد مع طلعت الشمس في مدارسنا البسيطة الزاخرة بالعلم أنشودة الوطن المحرر بسواعدنا قبضة الأبطال ، وسط هتافات الحرية ! ، فالعدو لا يعرف لغتا للتفاهم غير لغة طرده بالقوة والسلاح .
عادت بي حياتي إلى حيث ولدت بالأمان وحصلت على قبلات الجميلات الآتي أتين لزيارة والدتي وهن يحضنني تارتا ويداعبنني تارتا ، وكلي أمل في اغتصابهن برقتي الجنسية عند الكبر .
 عادت بي حياتي إلى حيث انتهت عند دولة خائنتا لشعبها ، وعبدتا للاستعمار …  فلا نقابة صحفيينا حمتنا ، بل باعتنا بطائفيتها المعتادة ، ولا مرصد حريتنا أسعفنا بهمساتنا  المحتالة المقيتة.. بل كلا الاثنين صفقوا بشدة لحثالة الساسة  فكان الثمن ! ،  وكنت القتيل بعد شهدائنا الأبطال ، وشهدائنا الأبرياء ، المضرج بدمي وحولي الناس تخاف حملي من إسفلت الشوارع  .. والكل يقول نصحناه أن يسد فاه ، ويكسر القلم ، ويمزق الأوراق ، ويفقئ عين العدسة ، ويبيع عراقيته ، وينسى الآذان والصلاة ، وينسى كلمات حيا على الصلاة ، حيا على الفلاح ، حيا على الجهاد ،وهيا لنحمي الدين والعرض والشرف ونمتلك الوطن ، نمتلك الوطن ، نمتلك الوطن ، نموت ويحيا الوطن .. نصحناه أن يمتدح فقط الساسة ويسجد بدل الله  للحكومة .
علي المشهداني
كاتب مستجد من العالم الثالث
Exit mobile version