يا جبل ما يهزك ريح !

يوسف جـمـل :- يا جبل ما يهزك ريح !
 
يا هل ترى ما هي الحكمة التي تعلمناها من قصة كسرى والفلاح الشيخ في قوله (غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون) عندما رآه الملك يغرس الزيتون وهو شيخ هرم !!
وما الحكمة في أن يزرع من بيده فسيلة حتى وإن قامت الساعة .
 
إن الله تعالى أمرنا بالعمل ولم يأمرنا بانتظار النتائج ففي الحديث عن أنس رضيالله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  ” إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها ،فليغرسها فله بذلك أجر ” رواه الإمام أحمد و البخاري و ابن الأعرابي والطيالسي وأورده الهيثمي في ” المجمع– (الفسيلة)هي النخلة الصغيرة .
 
فيا عجبا كيف يفكر هذا الشيخ ؟
ويا عجبا من سيستفيد من هذه الفسيلة والساعة ستقوم ؟
إن في هذا القصة وفي هذا الحديث ترغيبا عظيما على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع ما ينتفع به الناس بعد موت المرء فيجري له أجره و تكتب له صدقته إلى يوم القيامة.
إنها رسالة ومسؤولية وعبادة .
إنه العمل والمهم أن يكون العمل حسناً جميلا .
ولا يكونجماله إلا إذا كان موافقا لشرع الله بنية صحيحة .
لكن كثيرا ما يقف حجر عثرة في طريق العاملين تفكيرهم في عدم الجدوى من العمل أو الإحباط أو الخوف من الفشل أو عدم تقدير العمل والاستخفاف به  .
إنه لا شك لجميل أن يرى صاحب العمل ثمرة عمله لكن ليس من الضروري رؤيتها إن كان العمل جميلا أو يكفي أن تكون محاولة أو بداية فهي أفضل بكثير من اللاعمل وعدم المحاولة  .
ولنتذكر دائما كلمة ونرددهاكثيرا عند أي عمل جميل مهما كان ومهما كانت ثمرته بسيطة في نظر صاحبها أو في نظر الغير- لنتذكر …….. فليغرسها .
التخطيط للعمل مطلوب والموازنة بين العمل والجهد المبذولوبين الثمرة المرجوة شيء رائع جدا   لكن الحديث حول انتظار الثمرة لا عن حجم الثمرة  .
 
لكن وللأسف كثيراً ما تنشأ في أطرنا مجموعات لا تجيد العمل ولا تملك إلا أن تدّعي القدرة على العمل ولكنها لا تريد , ولا يصعب عليها تبرير ذلك بما لا يعد ولا يحصى من المبررات .
وهناك نوعية عجيبة تلك التي لا تريد ولا تقدر أن تعمل وفي نفس الوقت لا تريد لغيرها أن يعمل فتراهم يجلسون متربصين جاهزين للعرقلة والتخريب والانتقاد ومحاولة إفشال كل عمل بكل وسيلة فليس في هذا المقام وسائل دون وسائل فهي حربهم على العاملين وكل شيء مشروع ومباح ومتاح, ألا يندرج مثل هؤلاء تحت راية الذين لا يرحمون ولا يريدون لرحمة ربهم أن تنزل والذين إذا ما فشلوا في إفشال أي مشروع وعمل فهم لا محالة يمرضون !
والذين إذا ما رأوا نجاحاً قد أفلت من بين أنيابهم ومخالبهم فهم حتماً سيغمى عليهم !
هذه المجموعات وعلى الغالب هي اتحاد الفاشلين الذين يعرفون في قرارة أنفسهم ذلك ويجتمعون ليشكلوا قوة ليحموا أنفسهم وليس ذلك وحسب إنما ينتقلون بسرعة إلى طور الخروج من الشرنقة لتصبح الدودة فيما بعد فراشة وتبدأ تستشعر جدارتها وتطالب بالمناصب والحقوق والامتيازات .
ولا يخفى على أحد منا ما يلجأ إليه البعض من انتهاز الفرص والمناسبات والتمسح والتقرب والتذبذب ومسح الجوخ والهدايا والعطايا والبرايمرز والانتخابات أو اللجوء إلى الطرق الالتفافية ليصلوا بأسرع مما يمكن أن يصلوا إلية بالطريق الصحيح السليم المستقيم مع العلم أن في العلوم الرياضية أقصر وأقرب طريق بين نقطتين (البداية والهدف ) هي الخط المستقيم .
فما يكادوا ينسون أنهم وظفوا بقدرة قادر وبدون أدنى درجات الاستحقاق حتى تراهم يطالبون بالترقيات والوظائف والمناصب ضاربين عرض الحائط قدراتهم ومعرفتهم وشخصياتهم المهزوزة وإمكانيات نجاحهم التي لا تعلو عن الصفر وهمهم الوحيد ما سيعود عليهم بالربح والمكاسب !
فكيف وماذا سيغرسون للأجيال القادمة ؟
وهل سيكون من بينهم من يتوقع وهم على حالهم أن يكونوا من حملة الفسائل ويهموا بغرسها ويحتاروا في أمرهم فالساعة آتية لا ريب فيها وهم لا يأبهون !
وما يدعو إلى القلق السبات العميق الذي نحن فيه وتخلينا عن أدوارنا ( وللملاحظة أُذكّر بأنني أستعمل ضمير المتكلم ونحن ونا الدالة على الفاعل ولا أستثني أحداً وأنا بضمنهم ) في دحر مثل هؤلاء والتصدي لهم والتساهل معهم وتركهم يعيثون فساداً في مؤسساتنا وما من حسيب ولا رقيب مع أن ضررهم ينعكس على أغلى ما عندنا في الوجود ,على مستقبل الأبناء والأجيال , وهذا ما يعني أنهم يؤثرون في مستقبلنا وحياتنا ويرسمون بالطباشير السوداء على الأفئدة البيضاء .
 
وإلى كل العاملين أصحاب الضمائر الحية وحملة الرسالة أقول انه لربما أو على الغالب طموحاتكم لن تتحقق وأحلامكم ستتبدد في ظل ما نعيش لكن لا تكونوا من المحبطين ولا تجعلوا لليأس في قلوبكم مكاناً من سوء التقييم والتقدير فميزان العدل والحق في السماء وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون وثابروا وأكملوا واحملوا الراية خفاقة ولا تكترثوا بما تلاقون وأدوا رسالتكم بإخلاص وتفانٍ وإتقان وأمانة وأجركم عند الله تحتسبون ورغم كل شيء ظلوا في وجه الظلم والقهر والاستبداد والإجحاف صامدين ولابد للشمس أن تشرق والظلمة أن تنجلي والظلم أن يندحر ويا جبل ما يهزك ريح !!
ختاما !  لابد من ذكر ومعرفة وفهم قول الله عز وجل ( إنا لا نضيع أجرمن أحسن عملا) (سورة الكهف –آية 30 (وقوله تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) ( سورة الأنعام –آية 132)، وقوله تعالى: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (سورة الأحقاف –آية 19) وقوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) (سورة التوبة –آية105 ]. …
وطوبى للعاملين !
 
Exit mobile version