أرشيف - غير مصنف

الشيخ عيفان صنيعة الأمريكان !



بقلم: شين بوير
نشرت المقالة في موذر جونز في عدد ايلول/تشرين اول 2009
ترجمة عشتار العراقية
 
في يوم مشرق في شباط، وأنا في منزل وردي اللون في ضواحي الفلوجة، اجلس مع شيخ عشيرة وقائد مارينز وهما يعكفان على طبق كمأة. الشيخ عيفان سعدون العيساوي ، وهو عراقي يبلغ من العمر 33 سنة يرتدي كوفية حمراء مربعة ودشداشة بنية اللون ويضع على عينيه نظارة شمس من نوع DKNY ويستخدم في كلامه مع الامريكان تعبيرات مثل “اولاد الحرام” وهو يصف القاعدة. انه رئيس مجلس صحوة الفلوجة، وهم القوات السنية التي بدأت الولايات المتحدة في استئجارها بداية عام 2007 لمحاربة اعدائها في العراق، وقد اصبح الشيخ عيفان مرجعا من مراجع الجيش الأمريكي في المدينة كما يبدو واضحا من الصور المعلقة على جدرانه وهو مع جورج بوش ومع براك اوباما.
 
الضابط الأمريكي المقدم كرس هاستنجز يعتذر لنسيانه جلب “مجلات فيها صور نساء جميلات” كما طلب منه الشيخ عيفان ويهنؤه لفوزه بمقعد في انتخابات المجالس المحلية. ويشرع في ابلاغ عيفان أن يهتم بمنع شخصا ما يسبب قلقا للمارينز من ان يتسلل الى المجالس المحلية. عيفان يؤكد له انه سيهتم بهذا الموضوع.
 
كما أن هاستنجز يحتاج عيفان في جبهة كسب القلوب والعقول: فقد قتل المارينز مؤخرا معلما بحزام ناسف، ويريد هاستنجز من الشيخ ان يقنع مجتمعه ان الامريكان ليسوا مجرمين يسعون وراء القتل. ورسميا لا تعمل مجالس الصحوات تحت إمرة الامريكان حيث ان الحكومة العراقية هي التي تدفع حاليا الراتب البالغ 300 دولار في الشهر لرجال عيفان ولكن هذا يطيع اصدقاءه الأمريكان فورا . يقول “اعطني صورا وسوف اريها للائمة والشيوخ ليروا ان القتيل كان يرتدي حزاما ناسفا” . ثم يطلب بالحاح من هاستنجز ان يطلق سراح بعض اصدقائه من السجن فيوافق الضابط الأمريكي. ويهدي عيفان لهاستنجز بندقية صيد أثرية ولكن هاستنجز يرفضها، وعندها يدير عيفان دفة الحديث الى الموضوع الذي كان يلمح له طوال اللقاء: الاموال الامريكية.
 
يقول “فقط اخبر الكولونيل ان يعطيني العقد. هيا يارجل. انت تعرف اني سأنفذ العمل جيدا” على مدى السنوات الماضية تعود عيفان على الطريقة التي يدير بها الامريكان الاعمال في العراق. والعمل معهم جعله مليونيرا.
 
لم يكن هاستنجز يشعر بالفخر لهذه الحقيقة. لقد كان يحاول ان يفطم الشيخ من العقود بدون مناقصات التي كان البنتاغون يمنحها له ولأقاربه خلال السنوات القليلة الماضية. لقد وضع الجيش “الكثير من الاموال” في بطن الشيخ عيفان وقد اصبح “على شيء من الجشع” كما اوضح الضابط.
 
عيفان احد المستفيدين من برنامج يسميه بعض الأمريكان “خضّ الشيخ – make a shiekh باللعب على مقولة make a shake” ، (وهو تعبير يدل على خض العصير او اللبن مع سوائل اخرى للحصول على مشروب) وهو برنامج شبه رسمي وهي سياسة لا تناقش على الطاولة منذ اواخر 2006 وبموجبها وضع بعض الشيوخ السنة الملتزمين بالدفاع عن المصالح الامريكية في العراق ، على قائمة رواتب . كان البرنامج جزءا رئيسيا من الخطة ، التي اعتبرها البنتاغون نقطة تحول في تخفيض العنف وخلق الظروف لانسحاب امريكي. والبرنامج ايضا اعادة تأهيل ستراتيجية بدأها صدام حسين الذي كان يختار زعماء العشائر ويشملهم برعايته . لم يمنح الجيش الأمريكي رشى مباشرة للشيوخ لأن ذلك كان سيثير التساؤل في واشنطن، بدلا من ذلك منحوهم عقود اعادة اعمار بدون مناقصات. وكانت العقود بقيمة تفوق قيمة السوق ثلاث او اربع مرات، وكانت العقود هي الشحم الذين ادار عجلة الصحوة في الانبار .
 
لم يعترف الجيش الأمريكي ابدا بتسليحه الميليشيات في العراق – او منح اي شيء اكثر من 350 دولار في الشهر لرجال العشائر الانباريين للقتال الى جانب الامريكان ضد جماعات المقاومة السنية والقاعدة. ولكن دفعات اعادة الاعمار التي كانت تسلم بشكل حزم من فئات 100 دولار قد تركت فائضا لدى الشيوخ “لمساعدة انفسهم فيما يتعلق بالمسائل الأمنية” كما عبر عنه ضابط مارينز او لشراء “البنادق” كما عبر عنها خال عيفان الشيخ طالب الحسناوي.
 
من منظور البنتاغون ساهمت الاموال في اعطاء العراقيين دافعا لدعم القوات الأمريكية او على الاقل لايقاف الهجمات ضدها في منطقة قتل فيها من الجنود الأمريكان اكثر من غيرها. ولكن ادى هذا ايضا الى وضع الأمن في غرب العراق بيد رجال مسلحين ذوي نفوذ ولاؤهم ليس لبغداد او لواشنطن وانما لتدفق لا ينقطع من المال.
 
حين سجل عيفان شركته للاعمار باسم “شركة الثريا للمقاولات” مع الحكومة العراقية في 2003، كان رأس مالها لايكاد يبلغ 4000 دولار. اليوم الحال مختلف بعد ازدهار العمل ويقول الشيخ عيفان متفاخرا “سأحول الانبار الى دبي” .
 
ولكن دبي لا تخطر على بالي وانا اراقب اربعة رجال يخلطون الاسمنت ويرصفون الطابوق لوضع اساسات عيادة على بعد ميلين من مجمعه. وهذا المبنى الذي يقع على 3000 قدم مربع هي احدث مشاريع “الرعاية الامريكية” للشيخ عيفان كما يقول هاستنجز. وكان الأمريكان قد دفعوا للشيخ مبلغ 488000 دولار لاقامة العيادة ولكن هاستنجز يقدر بانها تكلف حوالي 100 الف دولار . ويقول “كما تعرف هذا هامش ربح كبير ” يقارب 80% وبالمقارنة مع شركة كي بي آر اكبر مقاول عسكري في البلاد، كانت تحصل على ربح بقيمة 3% في 2008 اما هاليبرتون فقد كانت تكسب بحدود 14%.مثل هذا النوع من المشاريع يمول من قبل برنامج طواريء القادة في الجيش الأمريكي والذي يتيح لقادة الفرق ان يسلموا عقود اعمار لاتتجاوز 500 الف دولار بدون الحاجة الى موافقة رؤسائهم في واشنطن. وقد تأسس هذا البرناج في 2003 من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة التي رأسها بول بريمر والتي كانت تأخذ رأس المال الاساسي من الارصدة العراقية التي وضعت يدها عليها. وعلى مدى الخمس سنوات التالية ، وزع البرنامج اكثر من 3.5 بلايين دولار . ويعرف دليل صادر عن البنتاغون بعنوان (الأموال كأنظمة تسليح) بأن هدف برنامج طواريء القادة هو توفير “مساعدات انسانية وعمليات اعادة اعمار عاجلة”. ولكن هذا الهدف استغل بشكل فضفاض: مثلا قيام البرنامج مؤخرا بتمويل بناء فندقين في مطار بغداد الدولي بمبلغ 33 مليون دولار ، واعادة اعمار صالة كبار الزوار واقامة نصب يعكس التطور الاقتصادي بمبلغ 900 الف دولار.
 
ان برنامج طواريء القادة يمنع بشكل واضح استخدام النقد لمنح بضائع او خدمات او اموالا للجماعات المسلحة بضمنها “قوات الدفاع المدني” “وقوات حماية البنى التحتية” ولكن سام باركر وهو مسؤول برامج العراق في المعهد الأمريكي للسلام يقول “انه ليس سرا ” داخل الجيش في العراق بان عقود برنامج الطواريء ضخم في قيم عقوده من اجل دفع الاموال للشيوخ وميليشياتهم. وقد انهمك اوستن لونج وهو محلل في معهد راند في دراسة الصحوات، يقول انه ليس من غير المعتاد للعقود ان تذهب الى الشيوخ الذين مثل عيفان لا خبرة لديهم في الاعمار قبل الغزو في 2003 وقد “ضخمت قيم العقود لأنها ليست مسألة اعمار وخدمات” ويضيف “هذه مشكلة عويصة. اننا نكافيء الرجال المسلحين”
 
بعد خمس سنوات (من تدمير الفلوجة) وبعد سفح مئات الملايين من اموال الاعمار، تبقى الفلوجة مثل صدفة فارغة . مازالت “مدينة المساجد” فيها منارات قائمة تنخرها ثقوب خلفتها صواريخ الامريكان خلال الحصار في 2004. والرجال يجوبون الطرق بدون عمل.
ويقول برنامج الغذاء العالمي ان 36% من الفلوجيين ليس لديهم فرص العمل. والكهرباء لا تصل المدينة سوى 8 ساعات في اليوم. المجاري تملأ الشوارع ، ومشروع المجاري متأخر عن جدوله بأربع سنوات وقد كلف 98 مليون دولار ، اكثر ثلاثة أضعاف من الميزانية الاصلية. المباني ، واحدا اثر آخر لال تعدو ان تكون اطارات اسمنتية مقوضة، بعضها يستخدمها الجيش العراقي مثل ابراج مراقبة والاخرى تستخدمها النساء لتجفيف الملابس المغسولة . وثقوب الرصاص واضحة على كل شيء في المدينة.
 
أسير في السوق الرئيسي يقودني ضابط شرطة. وبينما اتحدث مع رجل حول المبنى المتهاوي قرب محله واكتب ملاحظاتي في كراستي ، تقدمت مني مجموعة من الرجال يريدون اسماعي شكاواهم. قال رجل منهم اسمه نبيل “حين تحصل اية مدينة في العالم على أموال للاعمار ، فالنتيجة تظهر عليها، ولكن ليس هنا، حيث يضع المقاولون مايحصلون عليه من اموال في جيوبهم” واضاف “ان عقود الاعمار هي صفقات بين الامريكان والمتعاونين معهم. لا اريد ان اذكر اسماء ولكن الاشخاص الذين لم يكن لديهم سجائر في جيوبهم يحملون الان تلالا من النقود ويركبون سيارات جديدة ضد الرصاص.”
 
فيما بعد تفاخر عيفان امامي وهو يخبرني ان سيارته البي ام دبليو السوداء هي واحدة من 11 فقط في العالم كله. وهي ليست مثل اللاند كروزر التي اعطاها له الامريكان في العالم الماضي (في 2008 انفق الجيش 1.54 مليون دولار على السيارات المهداة لزعماء الانبار) فهو يحلف ان السيارة التي يزعم ان قيمتها 420 الف دولار لم تكن هدية “انها مقاومة لأي سلاح آلي وتتحمل التفجيرات” وهو يدق على زجاج الشبابيك الذي يبلغ سمكه بوصتين. اتناول شراب الطاقة من ثلاجة صغيرة مغطاة بالجلد في المقعد الخلفي ونحن نتبادل الاعجاب بالكاميرات المخفية ونظام أمني يتيح لعيفان ان يتحدث للناس في خارج السيارة بدون ان ينزل زجاج النوافذ.
 
قبل بضعة سنوات لم يكن احد خارج بستان تمر وحقول قمح جنوب الفلوجة يعرف من هو عيفان. ولد في العراق ولكن ترعرع في السعودية ولم يكن يعرف اي شيء عن وطنه الا أن والده – كما يقول- قد لقي حتفه بالسم “من قبل مخابرات حزب البعث في مصر بعد خمس سنوات من محاولة قيادة انتفاضة في 1976.” عاد عيفان الى العراق في 2001 ومعه شهادة بالمحاسبة ومتزوج ولديه ثلاثة اطفال وأنشأ شركة اعمار صغيرة .
 
يقول ان الغزو الامريكي كان غلطة كبيرة ولكن بما انه يتحدر من عائلة رجال أعمال اذكياء، فقد كان يعرف كيف يقتنص الفرص.
“سأتعامل مع اي شخص. لايهمني من هو ” وقد انشأ ميليشيا صغيرة للحماية وحسب شخص مقرب منه ، بدأ عيفان في توصيل مواد البناء الى القوات الامريكية في قواعدها. يقول انه حاول ان يقنع الامريكية برفع حصار الفلوجة. ويعتبر عيفان آلاف العراقيين الذين قضوا في قصف الفلوجة أبطالا.
 
اليوم، ان تكون في الفلوجة ضيفا على الشيخ عيفان فإن الامر شبيه بمن ينظر الى بغداد من المنطقة الخضراء. فمنزله مثل قلعة محصنة صغيرة يحيطها جدران سميكة ورجال مسلحون يحرسون المدخل. وقد قتل الانتحاريون عدة من حراسه عند البوابة ، ويقول ان العديد من حراسه قتلوا في 12 محاولة اغتيال جرت ضده. والى جانب صورة للشيخ ارتفاعها 10 أقدام تقف سيارتي نقل صغيرتين محملتين بمدافع وعلى اهبة الاستعداد لمتابعته عندما يذهب الى اي مكان.
 
قبل أن نخرج من محطة بنزين على طريق بغداد عمان ، يخرج عيفان من جيبه عدة اوراق جديدة من فئة 25 الف دينار ويسلمها لضابط شرطة من خلال نافذة السيارة قائلا له “اشتر لنفسك بيبسي” في حين تقف سيارتي النقل المسلحتين امام وخلف سيارة عيفان البي ام دبليو.
 
يديرعيفان النشيد الوطني للصحوات على الستريو وينظر الي عبر المرآة “لم اتعاون مع الامريكان على تدمير العراق. وانما تعاونت معهم لأنهم حقيقة فرضت على العراق” ويلقي باللوم على الولايات المتحدة لظهور العنف المتطرف الذي مزق العراق، ولكنه يعزو لنفسه فضل تأمين هذا الطريق (بين بغداد وعمان) يقول:” كان من المستحيل القيادة في هذا الطريق” ونمر على انقاض سيارات وبقايا تفجيرات انتحارية على الطريق.
 
كان عبد الستار ابو ريشة معروفا بزعامته حلقة من قطاع الطرق ولكنه رأى ان النقود التي يدفعها الأمريكان اكثر مما يحصل عليه من التسليب.
 
كان عيفان وعدة من شيوخ الانبار قد هربوا الى الاردن في 2005 ولكن مجموعة من المارينز اقنعتهم بالرجوع في نهاية 2006. وغير معروف ماهي الوعود التي قطعت لهم من الجانب الامريكي ولكنهم حين عادوا الى الانبار بدأوا في قتال المتمردين الى جانب الامريكان. وقد رفض عيفان ان ينضم الى صحوة ابو ريشة الذي كان ينتمي الى عشيرة مختلفة – ولكن حين بدأ الامريكان في ارساء العقود على ابي ريشة ، غير عيفان رأيه.
 
ليس من السهل الحصول على معلومات كافية عن برنامج (خض الشيخ) ، ولكن التقارير المقدمة من البنتاغون الى الكونغرس تشير الى انه في الفلوجة، تضاعفت ثلاث مرات منذ ايلول 2006 وقد استلمت الانبار 424 مليون دولار بشكل تمويل من برنامج الطواريء وهذا اكثر مما حصلت عليه اية محافظة في العراق. وابو ريشة الذي كان من اكبرقطاع الطرق في الانبار ، رعى اول “معرض اعادة الاعمار” في الرمادي . وقد قتل في ايلول 2007 بعد ايام من لقائه مع جورج بوش.
 
ويشرح القائد ادوارد روبنسون الذي عمل كضابط اعادة اعمار في البحرية بالرمادي في 2007 “ان الهدف الاساسي من عقود برنامج الطواريء هو محاولة افهام الناس انهم اذا لعبوها حسب القواعد التي نضعها فسيكون لديهم فرصة حقيقية للعب” ويوضح ان “اللعبة ” هي “كسب المال” . ويوضح بأن الجيش الأمريكي او الساسة العراقيين يختارون بعناية شيخا متعاونا ثم يسلمونه التمويل لتوزيعه كما يريد “من يلعب يحصل على المال ومن لايلعب لا يحصل على شيء”
 
انفاق بلايين الدولارات في بلاد غير مستقرة قد ساعد على “انتشار الفساد كثيرا” كما يقول باركر من معهد السلام الامريكي . وطبقا لمنظمة الشفافية الدولية فإن العراق يعتبر مثل بورما ثاني افسد بلد في العالم بعد الصومال. ويقول باركر ان الرشى والتربح هو الطريقة الوحيدة في العراق لتسليك الاعمال. ويعتقد ان الحكومة الامريكية لا تبالي بأن تترك العراقيين في بلد فاسد بعد انسحاب جنودها “لايهمنا ان نترك العراقيين مع نظام الفساد في دولتهم”.
 
يقول مكي النزال وهو موظف ميداني سابق تابع للامم المتحدة، وقد نشأ في الانبار ويعرف عائلة عيفان جيدا، ان القوات الامريكية لم تكن محصنة ضد اغراءات التربح. “الضباط يريدون حصتهم. وهي 15 بالمائة من قيمة العقد” في مارس قادت التحقيقات التي قام بها المفتش العام الخاص لاعمار العراق الى اعتقال عدة قادة عسكريين بتهمة قبض الرشوة. وقد ادين 3 جنود من كوريا الجنوبية في العراق بسرقة 2.9 مليون دولار من برنامج طواريء القادة بشكل رشى، ونقيب في الجيش الامريكي اتهم بسرقة 690 الف دولار من اموال البرنامج، بعد أن ظهرت سيارة بي ام دبليو آخر موديل اضافة الى همر امام منزله في اوريجون.
 
ويقوم المفتش العام الان بالتحقيق في 80 حالة فساد وتبديد، ولكنه يغمض عينيه عن توزيع اموال برنامج الطواريء لمكافأة شيوخ العشائر. وهناك كما هو معلوم 8.8 بليون دولار مفقودة من اموال عادة الاعمار مابين تشرين اول 2003 و حزيران 2004
وسبب ذلك ان مراقبة مشاريع برنامج الطواريء بقيمة اقل من نصف مليون دولار غير موجودة، حسبما يقول مكتب المحاسبة الحكومي ، ومع ذلك فإنه في محاسبته برنامج الطواريء في 2008 قرر مكتب المحاسبة الا ينبش في العمق، وتقول شارون بيكاب مديرة مكتب المحاسبة الحكومي لقدرات الدفاع والادراة “نحن لم ننظر حقيقة في ممارسات التعاقد او كيف منحت العقود او ماشابه”.
 
في هذه الأثناء ، يستمر الكونغرس في المصادقة على تمويل برنامج الطواريء – تقريبا من المقرر المصادقة على 1 بليون دولار للسنة القادمة، بافتراض ان الهدف الوحيد للبرنامج هو الاغاثة الانسانية واعادة الاعمار. ويغفل معظم اعضاء الكونغرس ان التحالف الأمريكي مع العشائر السنية قد تجاوز الان العقود الأمنية التي تدفع رواتب المقاتلين. يقول السيناتور بايرون دورجان ” لقد ساعد البرنامج على منح القدرة للقادة في الميدان لاستخدام الاموال بدون محاسبة ومراقبة كما يبدو لي”.
 
عودا الى ديوان عيفان. اجلس اشرب الشاي في صالة مليئة بالرجال حين يقتحم الشيخ الصالة وهو يطوح بعصا طويلة عبر المكان ويصيح ” لا احد يتكلم” . يتقدم اربعة رجال ضخام الجسم خلفه ويرمون رجلا على الارض. كانت قدماه ويداه موثوقة بشدة وعيناه معصوبتين . ويسد الباب رجل يرتدي زيا اخضر ويحمل كلاشينكوف.يخفق قلب الأسير بشدة وعيفان يقف فوقه وعصاه بيده. قبل ساعة كان الشيخ يصيح في محموله حول مشكلة في عقد اعمار حيث كان سيخسر 50 الف دولار . لم تعلن جريمة الرجل المتكوم على الأرض، وفي الواقع لا احد على يقين من انه ارتكب جريمة ما، ولكن بعض الواشين اتهموه باشتراكه في اختطاف. يطلق عليه عيفان الاسئلة في حين يحبس الحضور انفاسهم، يلسعه عيفان بالعصا على فخذه وهو يصرخ به “لا تكذب علي”.
 
يظهر رئيس شرطة اللوجة ومن الواضح انه يحترم سلطة عيفان. واخيرا حين تم الاستجواب ، يأمر عيفان رجاله بجلب الشاي للمعتقل المرتعش ويقول وهو ينظر الي “لدينا هنا مستويات من الضيوف. وهذا من اوطأ مستوى” يحمل رجال الشرطة المعتقل الى الخارج.ا سأل عيفان ماذا سيحدث له . يجيب “سوف يستجوبونه بشكل آخر”.
 
حين يغادر آخر ضيف، يأخذني الى غرفة اخرى ويدير التلفزيون على مسابقة جمال لبنانية ويصب لنا ويسكي . يقول أن عدالته العشائرية هي الوحيدة المؤثرة . “مازلنا لا نستطيع ان نثق بالشرطة. لهذا يأتي الناس اليّ” ورغم فوزه بمقعد في المجلس المحلي ولقاءاته مع رئيس الوزراء وبقية السياسيين الكبار ، يبدي عيفان ايمانا قليلا بالحكومة . ويعترف بأن السبب الوحيد لتعاونه مع الامريكان ليس لقتال القاعدة وانما كان يريد أن يحصل على السلطة ليتغلب على الايرانيين – كما يسمي اعضاء الحكومة- الذين يسيطرون على الحكومة في بغداد. “كنت متأكدا انهم يريدون الاستيلاء على اراضي السنة ، ويقمعون السنة ويقتلونهم. كنت على يقين من اننا لن نستطيع الخلاص من هذه المشكلة مالم نضع ايدينا بأيدي الأميركان”
 
كان هذا منذ سنتين، ومنذ ذلك الحين اشترت اموال اعادة الاعمار الكثير من البنادق ، بنادق لا تتردد مجالس الصحوة الان من رفعها في صدور اخوانهم العراقيين. وكان آخر معركة للمجالس مع الحزب الاسلامي العراقي وهو خصمهم الرئيسي في انتخابات المحافظات التي جرت في كانون الثاني. فقبل شهور من الانتخابات، كانت الاغتيالات تقضي على زعماء من الجانبين. وقد هدد زعيم الصحوة في الانبار احمد ابو ريشة بانه سيجعل الانبار مثل (دارفور) اذا فاز الحزب الاسلامي بالانتخابات. المعركة هي للسيطرة على غنائم الحرب. المعركة الجديدة حسب تقرير من مجموعة الازمات الدولية “تتركز على السيطرة على الموارد وخاصة عقود اعادة الاعمار”
يقول بيتر هالرلنج، محلل الشرق الاوسط في ICG ان الاضطرام في الانبار يشير الى ان شراء الحلفاء ، مهما كان مغريا، فهو يضر بمستقبل مستقر لعراق ديمقراطي. “ان نهب موارد الدولة ليس بالضرورة ستراتيجية جيدة. فهي تخلق ثقافة الانتقام والمرارة من جانب من لايستطيع الحصول على حصة في الغنيمة (العقود) . يمكنك ان تضفي الأموال على شيخ عشيرة بصورة عقود ولكنك في نفس الوقت تخلق 10 خصوم .” ويشعر محلل راند السيد لونج بالقلق ايضا من ان الستراتيجية قصيرة النظر ويمكن ان تؤدي الى تغييرات غير متوقعة في الولاءات السياسية حين تقطع الولايات المتحدة التمويل. “السؤال هو هل الاشخاص الذين اخترناهم ليكونوا اصدقاءنا سوف يستمرون في تلقي الدعم من الحكومة العراقية ؟ اذا انقطع الدعم فماذا سيحل بالاستقرار؟ اعتقد انها مجازفة حقيقية”
 
حاليا يبدو ان الحكومة العراقية قد استقرت على ان تبقي الغطاء مكفيا على الانبار بالالتزام بسياسة الامريكان في شراء الشيوخ بالعقود. حين نقود السيارة انا وعيفان الى بغداد، نتوقف على جسر يطل على نهر صغير وسد. يتقدم حارس السد الى السيارة ويوضح لعيفان بانهم اخبروه في المجلس المحلي بعدم قدرة المجلس على دفع تكاليف الاصلاح.
 
يسأله عيفان “وماهي الكلفة التي ابلغتهم بها؟” سلمه الرجل قطعة ورق. قال عيفان “سأجعل رئيس الوزراء يصادق على التصليح وسوف اقوم بالعمل بنفسي. ولكن قبل كل شيء اكتب مقترحا جديدا وضاعف السعر”.
 
 
شين بوير صحفي ومصور يقيم في الشرق الاوسط وعمله ينشر في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور وذي نيشن. وهذا التحقيق قد مول من قبل صندوق التحقيقات في معهد نيشن ، مركز الصحافة التحقيقية والاعلام الامريكي الجديد.
 
 

زر الذهاب إلى الأعلى