تفجيرات مدروسة واتهامات جاهزة لسورية.. بقلم: د. عوض السليمان.

كنت مقتنعاً ولا أزال، أن علاقات سورية مع المنطقة الخضراء، هي علاقات ميتة قبل أن تبدأ، ولن تصبح نافذة أو مستمرة يوماً ما. وبالرغم من إرسال السفير السوري إلى العراق واستقبال نظيره في دمشق، وبالرغم من زيارة المالكي ولقائه الرئيس بشار الأسد، إلا أن قناعتي لم تتغير مطلقاً.
ولست واهماً في هذا، فحكومة المنطقة الخضراء وصلت بغداد، على ظهر الدبابة الأمريكية، وهي لم تمثل يوماً ولن تمثل أبداً الشعب العراقي ولن تكتسب محبة العرب والمسلمين لا عاجلاً ولا آجلاً. وإذا استطاع علي الدباغ أو نوري المالكي أو الجلبي من قبلهم أن يغدر بشعبه ويتعاون مع العدو لقتل الأخ والصديق، ويساهم مساهمة مباشرة بالفتك بملايين العراقيين من نساء وأطفال، فإنه قادر، لا شك، على الإساءة لدمشق والتشكيك بدورها، فهؤلاء لا ينفذون أجندة وطنية ولا علاقة لهم بمستقبل العراق الحر، وإنما هم قطع شطرنج تحركها الأيادي الأمريكية – الصهيونية.
لم نسمع عن علاقات صهيونية عراقية، ولا عن زيارات لمسؤولين عراقيين إلى تل أبيب إلا في عهد هذه الحكومة التي فرضتها أمريكا فرضاً على الشعب العراقي وعلى الأمة العربية.
إن استدعاء السفير العراقي من دمشق واستدعاء سفير سورية من بغداد لهو نصر لسورية بكل المقاييس ونصر للشعب العربي الذي استغرب ولا يزال مظاهرَ تحسن العلاقات بين سورية والعراق المحتل، هذا التحسن الذي لا نزال نظن أنه تحسن تكتيكي أملته الظروف الدولية والضغوط الكبيرة التي فرضها الغرب على دمشق.
الحقيقة، أن توتر العلاقات السورية مع المنطقة الخضراء من الأخبار التي تسرنا وتؤكد لنا ثبات الموقف السوري من الحكومة العراقية، بالرغم من كل إشارات التقارب التي نراها على الأرض. وإن رفض سورية تسليم القياديين في حزب البعث إلى سلطات المنطقة الخضراء لهو من دواعي فخرنا واعتزازنا، وأرجو أن تثبت القيادة السياسية على هذا الموقف، بل وتطوره بشكل واضح، من خلال طرد السفير العراقي نهائياً من دمشق ومنع كل شخوص المنطقة الخضراء من القدوم إلى البلاد، إذ لا أمن لهم ولا أمان.
يجب أن تعلم الحكومة السورية، أننا نعتز بكثير من قراراتها القومية، وننظر إليها نظرة إعجاب متميزة من خلال وقوفها في حلف المقاومة ، ويجب أن تعلم أيضاً، أننا دهشنا أيما دهشة من إشارات التقارب مع حكومة لا يختلف اثنان على أنها جاءت كنتيجة للغزو الأمريكي للعراق واغتيال رئيسه الشرعي الشهيد صدام حسين، ذلك الشهيد الذي لو كان حاضراً ما سمعنا باسم شخص كعلي الدباغ أو غيره.
إن أكثر ما لفت نظرنا في تصريحات الحكومة العراقية الأخيرة، أنها طالبت خارجيتها بالتقدم بطلب إلى مجلس الأمن الدولي لتشكيل محكمة دولية تقاضي من خلالها مجرمي الحرب الذين ساهموا في إبادة الشعب العراقي.
ولم يعرف تاريخ العرب وقاحة مثل هذه، فمن هو الذي ساهم في إبادة الشعب العراقي؟، أ ليس علي الدباغ والجعفري والمالكي وأصحابهم؟ أولئك الذين كانوا أشد سوءاً على العراق من المحتل نفسه، والذين استمتعوا وصفقوا ولا يزالون لاحتلال العراق وتدميرها. أ ليس هؤلاء هم من بذل الجهد ليصار إلى حصار العراق ثم اجتياحه من بعد. ألم يشارك هؤلاء مع العدو الأمريكي في تفتيت العراق وقتل الملايين من أطفاله ونسائه؟. فمن تحاكم تلك المحكمة التي يطالب بها هؤلاء؟ هل تحاكم الأمريكان على احتلالهم العراق بحجج واهية لا دليل عليها، أم تحاكم من سهل لهم دخول البلاد فعاثوا فيها فساداً وتخريباً.
الأمر الآخر الملفت للنظر، هو تصريحات عمرو موسى الذي يراقب الوضع عن كثب ويريد بذل الجهد لتصفية الخلافات بين الشقيقتين الجارتين، وليت عمرو موسى وقف موقف الشعب العربي من احتلال العراق، وليته وقف موقف الأمة الإسلامية من اغتيال الرئيس الشهيد صدام حسين، وليته تذكر أن ما يسمى الحكومة العراقية الحالية، هي نتاج المحتل وأنه لا يجوز الاعتراف بها، ولكن جامعتنا جامعة مغدورة لا حول لها ولا قوة، ولعل التصريحات التي يطلقها عمرو موسى تحتاج الكثير من الموافقات الأمريكية والصهيونية قبل أن ترى النور وتخرج إلى وسائل الإعلام.
لا الجامعة العربية تمثل العرب ولا حكومة المنطقة الخضراء تمثل العراقيين، فلماذا تتعامل سورية التاريخ الحضارة، مع حكومة ستزول عاجلاً أم آجلاً وسيلعنها كل عربي ومسلم، إن أوراق سورية لكثيرة وإن قدرتها على المقاومة غير محدودة، وهي ليست بحاجة على الإطلاق للتعامل مع منتج احتلالي بغيض لا تقبله الشعوب.
نعتقد أن دمشق تنتهج الطريق الصحيح عندما تسحب سفيرها من بغداد، ونرجو أن تلغي اعترافها بالحكومة الحالية وأن تنصرف لمساعدة الشعب العراقي. فهو الذي سيبقى رغماً عن أمريكا ورغماً عن الدباغ وزمرته. وإن قلوب السوريين لتعشق بغداد عشقاً، لكن دون خونة وعملاء وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
 
دكتوراه في الإعلام – فرنسا
Exit mobile version