بوتفليقة يقيّم وزراءه ويشكو فشله لنفسه
من المؤكد أن السياسة ممارسة إرادية لكنها تقوم تحت ضغط دوافع كثيرة تتجسد في الحوافز القوية للفعل السياسي،أولها أن السياسي يريد أن يكتشف ذاته من خلال ما يعتمده من خطط ،وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا إذا عرف أدوات التسيير والإنجاز،وأحسن اختيار الأساليب،
ولهذا يمكن القول أن السياسة هي تلك العلاقة الجدلية ما بين الواقع والماهية ،أيهما أقرب إلى تلك الخطط،وبعبارة أخرى ، وأسبق
وبهذا المعنى نجد أن كلمة السياسة،تعني فيما نعنيه استعمال الموجود وقيادته نحو واقع أفضل،والسياسي هو كل من أمسك بزمام الأمور وسبك أفكاره في أداء دوره وقيادة مسوسيه بأسلوب حضاري نافع للمجوعة الوطنية، وبخدم الفرد في إطار تلك الجماعة. يكتشف ذاته من خلال ما يعتمده من خطط ،وذلك لايتحقق إلابمعرفة أدوات التسيير والإنجاز،وحسن اختيار الأساليب ، وصون النفس عن ما يدنسها.
وبالنظر الى الواقع الجزائري وكمحصلة لكل ما ذكرناه سابقا فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفي مفعول الاختلالات والتشوهات التي طالت المفاهيم والممارسات السياسية في الجزائر، ففي ظل تقزيم الأحزاب على الساحة،وخلق ساحة سياسية لا وجود للمعارضة الحقيقية في جتباتها وفي ظل الرؤية المشوشة (فتح ش) والممارسة الشاذة للسلطة لا يمكننا القول بوجود نظام سياسي في البلاد بالمفهومالصحيح المتعارف عليه يمكن أن يكون آلية وأسلوبا من أجل ضمان التداول السلمي على السلطة وتفعيل مبدأ الديمقراطية .
حين استبعد الرئيس الجزائري السابق “اليمين زروال” خوض سباق رئاسيات 2009م، أصدر بيانا وقال:” قرار اتخذته في الواقع من منطلق قناعتي العميقة بأن الديمقراطية لا يمكن أن تقام حقا وتترسخ دون فسح المجال للتداول على السلطة ” مؤكدا أن المستقبل يكمن في بناء مؤسسات ذات مصداقية وليس في الاعتماد على الأفراد،وعبرعن ذلك يقوله: “ لاأكاد أتصور مفهوم الرجل المُلهم أو المُنَزَل،كمفهوم لم أؤمن به مطلقا” حينها أدرك الجميع أن ما يدور من أفكار وآراء وصراع تيارات هي عوامل تطرح أكثر من سؤال : من أين تبدأ الحلول؟ أين يكمن الخلل ؟ هل يمكن ان يأتي يوم نرى فيه نهاية ما،للهوة التي تفصل بين المجتمع وساسته؟.لأن ما يجري اليوم لا يبدو في الواقع صراع افكار واختلاف رؤى يمكن طرحها للنقاش البناء وإبراز صالحها من طالها.
واليمين زروال بمقولته هذه اختزل كل مضامين الأزمة الراهنة في الجزائر وعلل أسبابها بأدب وحكمة،إذلأول مرة منذ إقرار التعددية السياسية في الجزائرعام 1989م،لم تطفو على السطح أزمة سياسيةغريبةالأطوار،أزمة لم تشهد مثلها المواعيد الانتخابية السابقة منذ الاستقلال،ولأول مرة، يحجم كبار السياسيين عن الترشح للانتخابات الرئاسية ويهرول المقربون لترشيخ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولو هلى حساب دستور البلاد، وهو لم يفصح عن ترشحه إلا بعد أن تحرك المقربون والموبون ، وسار فيض تيارتعديل الدستور نحو دسترة العهدة الثالثة،وأعدة الأجندة لاستحقاقها،والقت مقاصدعناصرهابضبابيتها فحجبت عن الرئيس طبيعة اصحابه،ما أدى إلى ما هو علية اليوم حال الجزائر.
اليوم ،الرئيس بوتفليقة يقيّم وزراءه وحده ويشكو فشل برنامجه لنفسه و يوعز ذلك إلى غش حكومته…؟،وهو يعلم إن حرمان البرلمان لأكثـر من عشريتين،من الحصول على قانون ضبط الميزانية الذي أقرّه دستور البلاد في سياق ممارسة الرقابة الشعبية على الهيئة التنفيذية، يعني ، خرقا للدستور وابطالا لمفعول مبدأي- حماية المال العام،ومحاربة الفساد فكيف يقوم التويم إذن؟
ولعل لجوء رئيس الجمهورية إلى ما يسمى بجلسات المساءلة والاستماع إلى وزراء الفريق الحكومي حول نتائج عملهم هذه الأيام “منذ الثالث من رمضان”، يدخل ضمن هذا السياق و أكبر دليل أن الجهاز التنفيذي لا يسير وفق تطلعات الرئيس، والخصم في ظل واحدية الرى وانفرادية القرارباق في دورالحكم.
إن جلسات “المساءلة” في صورتها الموجهة للرأي العام عبر البيانات النهائية هي أمتداد للغموض الذي ميز حال البلاد على جميع الأصعدة “سياسيا وأمنيا واقتصاديا ، واجتماعيا”وقد غيبت الدقة في إعطاء تفاصيل عن أهم المشاريع التي ينتظرها الجزائريون لتحقيق آمالهم،كآجال تسليم المشاريع ،والمبالغ الحقيقية المعتمدة في تمديد فترات إنجازها وضبط الأولويات، وبيان وضع التشغيل في كل حالة،وهي وضعية ينعتها العارفون بـ:”آثار التيه السياسي” الذي دخلته البلاد من أفريل الفارط وأكدته- نغمة الليّونة وصبغة التلون التي بدأت تظهر في خطاب القيادات العليا الجزائرية، وإجراءاتها تجاه فرنسا..،والرئيس بوتفليقة الذي تخلى في ما يبدو عن التمسك بمطالب الاعتذار عن جرائم الحرب والتي تشبث بها على مدى سنتين،جانحا إلى براغماتية المصالح الاقتصادية المتبادلة (….؟)،وهو ما يمكن أن يقرأ أيضا على مستوى القرارات الفجائية للحكومة على أصعدة مختلفة “الاستثمار والاستيراد، والقروض ،الاستهلاكية. وتغيير العطلة الأسبوعية…الخ”
أن تركيز الرئاسة في البيانات النهائية لجلسات المساءلة على توجيهات رئيس الجمهورية لوزرائه،لم تتضن أي إشارة لأي نوع من العقاب أوحتى العتاب في حق الوزراء المقصرين ، ولا فكرة عن تصحيح الأخطاء المرتكبة،وتغييب كثير من الآجال التقنية التي ربما كانت ستضع الحكومة في حرج،بعد ما عجزت عن تجهيز مشاريع برمجت للعهدة الرئاسية العهدة الثانية ووعود العهدة الثالثة،وهو ما يعني عدم قلق الرئيس من كيفية تطبيق طاقم الحكومة لبرنامجه السياسي،لذلك ،فلم تعد للعملية التقييمية أي أهمية في الجزائر، ولم يعد عقد هذه الجلسات مبررا مادام اللعب مغلقا لمصلحة جهات استأثرت بتحديد شكل ولون وجميع أوصاف الحكم،كما أن كشف الخلل في ظل خرق الدستور وفبركة القوانين أمر لم يعد مجد يا.