أرشيف - غير مصنف

مبادرات تنتظر التنفيذ

دكتور /ناجى صادق شراب
ما زالت إدارة الرئيس أوباما فى مرحلة الحراك السياسى ، ومحاولة بلورة رؤية أو مبادرة لتسوية النزاع العربى أفسرائيلى ، والملاحظ على هذا الحراك سمتيت أساسيتين : ألولى رسالى سياسية يحملها جورج ميتشل فى زيارته الميدانية للدول العربية وللسلطة الفلسطينية أن ألإدارة جاده فى سعيها لتسوية هذا النزاع ، ولن تدخر كل وسائلها لتحقيق هذا الهدف ، وارسالة الثانية يحمله وزير الفاع ألأمريكى ومستشار ألأمن القومى لإسرائيل للتأكيد على أن أمن وبقاء إسرائيل أولوية أمريكية ، وان العلاقات بينهما علاقات تحالفية وإستراتيجية ، ، فى سياق هذا التحرك وأبعاده تحاول ألإدارة ألأمريكية بلورة رؤيتها وبادرتها ، والسؤال على هذه المبادرة ستأتى بجديد ؟ وهل ستتوفر لها الآليات التى تسمح بتطبيقها وتنفيذها ؟ وإبتداء يلاحظ على هذا التحرك منهجا وأسلوبا جديدا فى إدارته يقوم على المنهج الشمولى لمعظم قضايا المنطقة ، مع إعطاء أولوية للقضية الفلسطينية ، بإعتبارها القضية المحورية التى لا يمكن القفز عنها ، أو تسويتها لحساب القضايا ألأخرى ، وهذا ما يفسر التحرك على مستوى العلاقات مع سوريا ، والملف النووى أفيرانى ، حتى الإقتراب غير المباشر من حركة حماس ، ولا شك فى أهمية هذا المنهج إذا ما توفرت له درجة أكبر من العقلانية والحيادية والمصداقية التى إفتقدتها الإدارات السابقة . لكن أعود وأتساءل من جديد هل نحن فى حاجة على كبادرة جديده ؟ ام أن المبادرة تجميع لمبادرات قائمه؟
 
لا يفتقر الصراع العربى الإسرائيلى الى مبادرات ، فعدد هذه المبادرات يتجاوز السبعين مبادرة منها خمس عشرة مبادره عربية ، وما زال الصراع دون حل نهائى ، ولعل السبب الرئيس منذ البداية تتداخل الإرادات الدولية والإقليميه وتباعدها عن التوافق على الحل ، الى جانب هناك أمران هامان ، ألأول أن إسرائيل نتاج عوامل قوة وحروب ، والثانى الدعم الدولى الدائم لإسرائيل فى قيامها وإستمرارها وخصوصا الدور ألمريكى الذى إحتكر رعاية عملية التفاوض ليس بهدف الحل بقدر الحيلولة دون فرض حل على إسرائيل ، مما أفقد هذا الدور كل مصداقية ، وتسبب فى فشل كل المبادرات المطروحة .، وإذا كان لذلك دلالة منذ البدايه أن دولة تقوم على القوة تخشى الدخول فى مفاوضات تسوية حقيقيه لأنها ستخسر كل ما يترتب من مكاسب على هذه الحروب والقوة من مكاسب غير شرعية ، والنتيجة ألأخرى أن الدعم الدولى غير المتوازن من شأنه تعطيل دور ألأمم المتحده ، وتجاهل قرارات الشرعية الدولية والمبادرات المطروحة للحل . ذلك أن أى دولة تستند فى تواجدها على القوة تعتقد أن الرؤية التى تصلح تلك التى تحقق التفوق والتحكم والسيطرة والتوسع وعدم التنازل عن المكاسب التى حققتها تحت ذريعة ألأمن ، لذلك إسرائيل تعارض أى مبادره لأنها تؤدى فى النهاية الى تقليص قوتها ، وهو ما قد يعنى تراجع فى بقائها وإستمرارها وإحتوائها فى ظل كيانات إقليميه أوسع وأشمل تفقدها مبررات وجودها . وهذا ما حدث فعلا عند قيام إسرائيل عام 1948عندما طلب أباإيبان من بن جوريون القبول بالمفاوضات مع العرب ، كان جواب ألأخير الرفض لأن إسرائيل لم تستكمل سيطرتهاوإمتلاكها للأرض ، وهذا ما قد يفسر لنا إرتباطها بالقوة الدولية المتحكمه والمؤثرة على القرار الدولى وهنا هى الولايات المتحده وقدرة ألأخيرة على إجهاض كل قرار دولى لحل الصراع بإستخدامها حق الفيتو ، . هذا الموقف ينطبق على الموقف من المبادرة العربية التى أبدت فيها الدول العربية مجتمعه إستعدادها للسلام والتطبيع مقابل إلتزام إسرائيل الإنسحاب من ألأراضى العربية المحتله والإقرار بحقوق الشعب الفلسطيى فى أدنى مستوياتها ، وأمام هذا التحول الإيجابى فى الموقف العربى الذى لم يسبق التعامل معه ، فهذه المرة ألأولى التى يتعامل العرب مع الصراع من منظور حل الصراع وليس إدارة الصراع ، ولو فعلت إسرائيل ومعها الولايات المتحده الشئ نفسه لأمكن تحقيق إختراق كبير فى حل الصراع . وكعادتها إسرائيل تتعامل مع المبادرات المطروحة من خلال عنصر الوقت وتغيير ألخريطة السياسية للصراع وصولا لفرض حالة ألأمر الواقع ، فهى تدرك أن أى مبادره تفقد زخمها ومضمونها مع مرور الوقت ومع إمكانية تغيير قواعد أسس المشهد السياسىللمنطقة برمتها ، فإسرائيل ترى أن المنطقة العربية من المناطق المتحركة سياسيا ، لا تبقى على حال واحده ، حتى الصورة فى داخل إسرائيل أكثر تحركا والقوى السياسية فيها متحركه مع تراجع واضح للقوى السياسية الكبيرة ، ومن ناحية أخرى أدى فشلها فى الحرب ألأخيرة على لبنان الى تصدع فى مكونات نظريتها للأمن القومى ، وبالمقابل هناك التحول الفلسطينى وحالة أفنقسام السياسى الذى ترسخ وجوده إسرائيل حتى حربها ألأخيرة على غزه يبدو أن أحد أهدافها غير المعلنه ليس فقط التخلص من حركة حماس ، بل ترسيخ حالة الإنقسام حتى سلب الفلسطينيين قدرتهم على التفاوض، ، ومن مظاهر التحول الأخرى التى لا تعمل فى صالح إسرائيل التغير فى مفاهيم القوة وإمكانية تبدل فى موازين القوة ولأول مرة لصالح القوى الإقليمية ، وخصوصا محاولة إيران إمتلاك القدرات النووية ، مما يعنى تحولا فى موازين القوى لا يعمل لصالح إسرائيل ، ويفرص عليها تسوية تتعارض من منظورها للسلام الذى يقوم على ألأمن وليس مبدأ الحقوق. ، كل هذه التحولات ستؤثر بلا شك على أى تسوية مطروحة ، وفى هذا الساق تطرح المبادرة العربية ، ولذلك لا بد من التعامل أولا مع التحولات التى تشهدها المنطقة وإعادة ألأمور الى سابق وضعها ، بمعنى التحكم فى عناصر القوة فى المنطقة ، وهنا تتزايد التكهنات بإندلاع حرب فى المنطقة لتصحيح الإختلال فى موازين القوة وهذا ما أكده وزير الفاع الإسرائيلى فى لقائه ألأخير مع وزير الدفاع ألأمريكة فى زيارة ألأخير لإسرائيل والتى أكد فيها أن من حق إسرائيل أن تعتمد على نفسها فى التعامل مع القوة النووية الإيرانية الطامحة . ، وهنا يلعب الوقت عاملا مهما ، وهكذا كان الرد على المبادرة العربية ، فهى لم تستطع تجاهل عناصرها ، ولذلك طالبت بالوقت لمناقشتها وتفريغها من عناصرها ، حتى تصبح غير صالحه للتسوية . ومحاولتها اللعب على مسألة ألأولويات ألمريكية ومحاولة إعطاء أولوية للملف النووى ألإيرانى ، فى الوقت الذى لا تعارض فيه الولايات المتحدة ألأمريكية هذا الربط ، لكن مع إعطاء أوليى لتسوية النزاع العربى ألإسرائيلى حتى يسهل التعامل مع الملف النووى الإيرانى لإدراكها أنه لا خيار عسكرى بدون موقف عربى واضح من هذا الخيار .
 
امام هذه التحولات كان لا بد من التحرك ألأمريكى الإسرائيلى لإحتواء ألآثار السلبية وفى مقدمتها المبادرة العربية ، وذلك من خلال طرح تصورات وإفتراضات ومقولات هدفها فى النهاية تفريغ المبادرة من مضمونها السياسى الحقيقى فتارة تصلح للنقاش ، وتارة أخرى تحتاج الى عقد قمة موسعه تحضرها إسرائيل الى جانب الدول العربية ، وتارة ثالثه على العرب إثبات صدق نواياهم بالتطبيع أولا ، وتارة رابعه أن هناك إمكانيه للحديث عن سلام ممكن خلال خمس سنوات أو خلال إدارة ألرئي سأوباما ، والتلويح أن هناك فرصة حقيقة وهذه المرة ألمر متوقف على العرب والفلسطينيين .وإما أن تنتهز الفرصة ، وإما ضياعها للأبد. . وكل هذا توظيف لعنصر الوقت الذى يشكل أحد أهم عناصر المفاوضات الإسرائيلية حتى تتحول مشاهد المنطقة لتعمل لصالحها ، وهكذا توالت المبادرات الواحده تلو ألأخرى ، وليس هذا فحسب بل مع كل مرة نحتاج معها الى مبادره جديده تقترب من أهدافها ومفهومها للتسوية , وهو ما يفسر رفض الطرف العربى لها وندخل معها فى حلقة فارغه من التسوية . فمازالت هناك أمور كثيره تريد إسرائيل تسويتها وإستكمالها المستوطنات والقدس والجدار والحدود ، فهى فى حاجة للوقت لفرض رؤيتها وتصورها ، والمسافة بعيده ما بين قبول المبادرة كأساس للتفاوض وقبولها كاساس للنقاش ، الفارق هو عنصر الزمن الذى تحتاجه إسرائيل . وتبقى المسؤولية فى المقام ألأول مسؤولية الدول العربية صاحبة المبادرة إذا ما عملت على توظيف عنصر الوقت لتغيير موازين القوى لصالح المبادرة العربية ، والاتجاه نحو معالجة عناصر الضعف وإمتلاك عناصر القوة ، لأن الصراع يبقى فى النهاية تحكمه عناصر القوة وموازين القوة ، فهل ينجح العرب على تحويل عناصر القوة لصالحهم بعد ستين عاما من الصراع ، وهل ينهى الفلسطينيون إنقسامهم السياسى ويتعاملوا مع قضيتهم وليس مع الحكم والسلطة التى يتصارعون حولها . هذا هو التحدى ألأكبر الذى يواجه عملية السرم والمفاوضات فى عهد إدارة الرئيس أوباما التى تبدو أصعب من سابقتها ، فالإدارة التى تقدم يدها للسلام والدولة الفلسطينية يتحاج فى المقابل إلى يد ممدوده بنفس القوة .
 
دكتور /ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه
 

زر الذهاب إلى الأعلى