أنباء عن تدريب سبعين طيارا كرديا على احدث الطائرات الحربية في امريكا
الكثيرون ربما يتساءلون .. لماذا تقف الولايات المتحدة الامريكية بكل قوتها مع اسرائيل ؟ ولماذا هذا الدعم الذي يكلف الخزينة الامريكية فوق طاقتها كل تظل اسرائيل قويه .. في وقت تدرك فيه امريكا ان القوة العربية مجتمعة لا تضاعي ربع القوة التكنولوجية الاسرائيلية سواء في سلاح الطيران او المدفعية او البحرية او حتى المشاه .. فاسرائيل تستطيع تعبئة نصف مليون جندي بعد بدء المعركة ( اي معركة ) باربع وعشرين ساعة .. وهي بذلك تتفوق على الدول العربية مجتمعة في حالات التعبئة الجماعية العامه .. ناهيك عن ان القوة الاسرائيلية تتماهي مع آخر ما توصلت اليه التكنولوجيا في كافة الاسلحة .. اذ يظل الاحتياطي الاسرائيلي مدنيا حتى ساعة اندلاع الحرب .. ولكنه وهو في الحالة المدنية يخدم في سلاحه لشهر او دون ذلك (حسب المتطلبات) في كل سنة لكي يستوعب الاسلحة الجديدة في الجيش الاسرائيلي .. حتى اذا ما اندلعت الحرب يصبح المدني عسكريا مستوعبا سلاحه الجديد دونما حاجة الى اعادة تدريبه ..
والجواب على كل ذلك واضح وصريح .. فالتجربة الامريكية التي قامت على التطهير العرقي نجحت في احلال شعب مكان شعب آخر .. وبنت امبراطورية اصبحت اقوى قوة على ارض هذا العالم .. اذ اصبح الهنود الحمر اصحاب امريكا الاصليين مادة للسياحة والتفرج على موروثاتهم الثقافية من خلال المتاحف .. والتجربة الاسرائيلية تحاول ان تطبق التجربة الامريكية بكل حذافيرها باحلال شعب مكان شعب آخر .. لكن الفرق واضح .. اذ ذابت بقايا الهنود الحمر في المجتمع الامريكي مكتفين بالمزايا التي اعطيت لهم من قبل الادارة الامريكية مثل الغاء الضريبة عنهم وتوريد المواد الحياتية لهم باسعار رخيصه .. في وقت لم تستطع اسرائيل حتى اللحظة ان تدجن الشعب الفلسطيني كي يذوب في ( الجيتوهات ) التي خصصت له بعد اتفاقية اوسلو رغم كل المذابح التي ارتكبتها .. وحتى لا تفشل التجربة الامريكية .. فان امريكا تقف بكل قوتها في سبيل انجاح التجربة المثيلة لكي تثبت لكل العالم بان التجربة الناجحة التي خاضتها الولايات المتحدة يمكن ان تطبق في كل مكان من هذا العالم اذا ما اراد شعب ان ينفصل عن وطنه الام بانشاء جيتوهات متفرقة بحيث لا تقوم قائمة للدولة المتماسكة بعد تفسيخها ..
ولقد استمرت التجربة الامريكية ما يقرب من خمسين عاما في قلاقل مستمرة حتى استقرت .. اذ استطاعت بعد ان هجرت القسم الاعظم من السكان الذين لم تطلهم يد التطهير العرقي فنزحوا الى المكسيك وبعض دول امريكا اللاتينية .. استطاعت ان تستميل رؤوس اكثر تلك القبائل التي كانت تسميها في ذلك الوقت ( بقايا السكان الهمج ) كما اعادت قسما منهم ممن ابدو ( تعاونا) الى الاراضي الجديدة تحت راية العلم الامريكي وخدمة المصالح الاساسيه للسكان المهجرين .. وفي غضون عقود اربعه مسحت عقول من عادوا بالوسائل التعليمية التي وعدت السكان بالعيش الرغيد في ظل دولة نشأت حديثا واستغلت بواطن الارض الامريكي التي تزخر بالعطاء البكر .
وليس صحيحا كما تقول المصادر الامريكية ان الاعوام الخمسين التي تلت تهجير السكان والاستيلاء على اراضيهم انهم رضوا باحوالهم تلك .. بل دامت الغارات متقطعة بين فئات من الهنود الحمر الذين لم يكونوا يمتلكون ادوات قيادة جماعية .. والجيش الامريكي الذي شكل حديثا وضرب بيد من حديد كل من يفكر في الانقلاب على التجربة حتى استقرت الامور الى حالها الراهن .
ولا يقتصر الدعم الامريكي لاسرائيل على الجانب العسكري فقط .. فالقوة الاقتصادية الاسرائيلية التي تتلقى الدعم ليس من الولايات المتحدة فقط وانما من الدول الاوروبية الاخرى .. لم تتأثر بالازمة المالية العالمية التي اجتاحت اول ما اجتاحت الولايات المتحدة نفسها .. بل اعتبرتها الدوائر العالمية انها المسئول الاول عن هذه الازمة التي أطاحت بكثير من رؤوس المؤسسات المالية في الدول الكبرى والصغرى على حد سواء .. وذلك بفعل التقدم التكنولوجي الاسرائيلي الذي يصدر للكثير من دول العالم الخبرات التكنولوجية التي يستمدها من امريكا ثم يطورها الكيان الصهيوني ويدخل فيها صناعات رخيصة ويقوم بتصديرها ثانية خاصة الى دول العالم الثالث . مع ما يرافق ذلك من مساعدات زراعية وطبية لا تكلف الخزينة الاسرائيلية كثيرا .. ولكنها توثق العلاقات بينها وبين الدول الفقيرة عكس الدول العربية التي تتلقى تلك المساعدات ولم تقم ولو لمرة واحدة بمد يدها بالمعونة للدول المحتاجة الاخرى اللهم الا بعض الدول الخليجية التي تعطي من فوائض اموال النفط وبجزء قليل لا يكاد يذكر .. ولكنها تفتقر الى الخبرات التي تصدرها في سبيل انعاش اقتصاد تلك الدول كما تفعل اسرائيل ..
ورغم ان الولايات المتحدة الامريكية تدرك تماما ان الالة الصناعية الامريكية تقوم على شريان الحياة الممتد من الدول العربية اليها .. فان الموقف العربي الضعيف يجعل من انظمتها المختلفة العوبة في يد النظام الامريكي مقسمة تلك القوى الى قوى شر واخرى قوى خير ولا تألوا جهدا في سبيل وضع عصاها في دواليب الدراجة لكي توقف التقدم الاقتصادي العربي .. فتدفع قيمة النفط باليد اليمنى .. وتقبض نفس النقود ثانية باليد اليسرى فتصدر للدول العربية وسائل الحياة المدنية التي تستنزف الخزائن العربية وتفرغها . وتجعلها في لهاث مستمر خلف تلك الوسائل لاستيراد آخر ما توصلت اليه عقول الخبرة الامريكية من مواد غير عسكرية للترفيه .. وادخال اليقين الى عقل الانسان العربي انها الطريقة المثلى لحياة اقتصادية لا يستطيع الانسان العصري الاستغناء عنها .. ولذا فانها تربطه عاطفيا بالعقل الامريكي المنتفع فيطلب منه المزيد دوما .. طالما ان النقود تستنزف خيرات الارض التي سوف تنضب في يوم ما .. وتستبدلها بالوسائل الحياتية المرفهة الاخرى .
التجربة الاسرائيلية :
في الربع الاخير من القرن التاسع عشر ..برز العقل والعلم والصناعة في كثير من دول العالم الى واجهة الحدث .. ولا اريد هنا ان افسر كيف استطاعت الحركة الصهيونية ان تبني مجتمعا علميا صناعيا يهوديا تهوى افئدته الى ارض فلسطين واستغلال الدين في سبيل ذلك الهدف .. فأمر على نقطة واحدة للتدليل على حسن التخطيط في الحركة الصهيونية .. فقد قال هرتسل في المؤتمر الصهيوني الاول الذي عقد في بازل بسويسرا سنة 1897 في خطابه امام اساطين اليهود : ان دولتنا سوف تقام على ارض فلسطين في مدة اقصاها خمسين سنه .. وبعد خمسين سنة بالتمام والكمال اعلن عن قيام دولة اسرائيل .. بعد أن امدت بريطانيا تنفيذا لمصالحها اليهود الذين هاجروا الى فلسطين تحت حمايتها بوسائل القوة التي مكنتهم من اقامة تلك الدولة .. وكانت امريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك هما اول من اعترف بقيام دولة اسرائيل .. ثم تبعتهما بريطانيا والدول الاوروبية الاخرى ..
اعتمدت اسرائيل منذ قيامها على العلم بالدرجة الاولى .. فاوفدت الى الولايات المتحدة الامريكية اولى دفعات الطلبة الذين ملآوا المعاهد الامريكية التي تبحث في الاستراتيجيات والخطط العسكرية والاقتصادية وبناء الدولة الحديثة في وقت كانت الدول العربية لم تزل تصارع في سبيل استقلالها عن بريطانيا وفرنسا في الكثير من دولها .. وفي وقت قصير جدا كانت اسرائيل تقيم مفاعلها النووي في ديمونا .. وبعد سنوات لا تتجاوز الخمسة عشر من قيامها كانت اسرائيل دولة نووية .. واول ما اوفدت اسرائيل الى امريكا مائة وعشرين طيارا للتدرب على احدث الطائرات الامريكية، كما اوفدت مثلهم او اقل قليلا الى فرنسا للتدرب على الطائرات الحربية الفرنسية .. في وقت اخذت تطالب وبالحاح بالضغط على المانيا لكي تمنحها التعويضات المالية التي قامت عليها اسس الدولة . ومن هنا كان التفوق العسكري والاقتصادي والعلمي ظاهرا للعيان .. اما في الدول العربية فقد كانت العواطف والتصريحات والخطب الرنانة والتهديد هي اساس بناء كسب ود الشعوب العربية .. ولم تنفع تلك العواطف عندما قامت اسرائيل سنة 67 باجتياح اراضي ثلاث دول عربية محتلة لاكثر من مساحتها الاصلية بمراحل ثلاث ..
ولقد كان البناء الاسرائيلي ( ولم يزل الى حد ما ) معتمدا على الدعم الخارجي لان الموارد الاقتصادية المحلية ضعيفة الى الحد الذي لا يمكن معه اقامة دولة ترتكز اسسها على المخزون الاقتصادي الاستراتيجي في الاراضي التي احتلتها.
ولا اريد الاطالة .. فان القوة الاسرائيلية التي برزت اعطت امريكا والدول الاوروبية مجتمعة دليلا على انها هي الموئل الاساس في الحفاظ على مصالح الغرب الاقتصادية في الوطن العربي .. ومن هنا كان الغرب يفرغ جيوبه في وقت تقوم فيه اسرائيل بمهمة الحفاظ على تلك المصالح .. بمعنى ان اسرائيل كانت كالجندي المرتزق يحارب في ارض ليست ارضه مقابل المال والدعم .
وها هي اسرائيل اليوم تهدد رؤوسها النووية كل دول العالم العربي .. وتمتد سيطرتها العسكرية على سماء الشرق الاوسط بكامله فتمتد الى ايران فتهددها والى الباكستان فتراقب مفاعلاتها النووية والى الخليج العربي فتغطي سماؤه بالمظلة العسكرية والفضائية وترصد التحركات العسكرية في كل دول المنطقة بالتعاون مع الاقمار الصناعية الامريكية والاوروبية معتمدة على تفعيل التكنولوجيا وتطويرها .
التجربة الكردية
يخطىء من يظن ان الرئيس الامريكي بوش الابن .. هو صاحب فكرة تقوية الكيان الكردي ومده باساليب القوة لحفظ مصالح امريكا في العراق ومنطقة الشرق الاوسط .. فمنذ ستينات القرن الماضي حدث اول اتصال بين الاكراد في شخص الزعيم الكردي مصطفى البرازاني واسرائيل بتوجيهات من امريكا .. اذ رأت الولايات المتحدة الامريكية أنذاك ان الخطر الحقيقي على اسرائيل يأتي من العراق .. وليس من الوطن العربي الذي يعاني اقتصاديا .. وذلك لقوة العراق المستقبلية الاقتصادية التي يوظفها العراق في استيراد التكنولوجيا وبناء الدولة الحديثه ..
وكانت الولايات المتحدة الامريكية تدرك تماما ان توازن مصالحها الاستراتيجية وتقسيمها بين الاتراك والكرد مسألة تسبب الكثير من الحرج لحليفتها تركيا .. ولكن هذه المشكلة حلت عن طريق اتفاقات سرية بين امريكا وتركيا من جهة .. وبين الاكراد وامريكا من جهة اخرى .. وبذا تحقق لها امران .. فمن ناحية يظل العراق ضعيفا بعد غزوه والاستيلاء على موارده تتحكم فيه قوة جوية قوية في كردستان اذا ما غادرت القوات الامريكية اراضي العراق .. ومن ناحية ثانية .. فان اقامة دولة قليلة المساحة قليلة السكان تعتمد العلم والتكنولوجيا في اقامتها أمر يمكن ان يوفر لها التجربة الاسرائيلية الثانية التي تحميها مظلة جوية قوية فقامت بمد (دولة) كردستان بالكثير من وسائل الحياة الاقتصادية .. ودعمت تسليح البشمرجه بشكل يوازي ما تعطيه للجيش العراقي .. اضف الى ذلك اعطاء الضوء الاخضر للاكراد بالاستيلاء على النفط العراقي في الشمال واجراء عقود مع الشركات الامريكية واليابانية والاوروبية .. ولاكتمال التجربة فان المعدات التي تعطيها للعراق خالية من وسائل التكنولوجيا الحديثة ما عدا ما يستخدم ضد ما تسميه الارهابيين والارهاب . بينما تتلقى كردستان ما يمكن ان يسمى اوليات قيام الدولة القوية بحيث خطط لهذا الامر ان يدوم خمسة عشر عاما حتى تستكمل ( الدولة الكردية) حماية نفسها بنفسها .. وبذا تدق امريكا (وتدا) آخر في قلب العالم العربي عموما ومنطقة الخليج تخصيصا .. تتحكم في الموارد وتملي ارادتها على المنطقة باكملها .
وعكس ما تدعيه امريكا بانها ضد تقسيم العراق .. فان التقسيم قد حصل وكانت بداياته في كردستان .. فالكرد يقومون بالتصرف دون الرجوع الى المركز في بغداد .. ويندرج الامر تحت بند اختلافات في وجهات النظر .. حتى اذا ما حصل الصدام تغدو كردستان دولة تهدد العراق وسوريا معا .. ومن ثم تفرش مظلتها القوية ضد ايران بنسبة ما ..
وقد يبدو هذا الامر صعبا .. وتخيليا الى درجة ساذجه .. ولكن السر الذي حفظته لجنة الامن في الكونغرس الامريكي لا بد وان يخرج الى العلن في يوم ما .. لكي ندرك تماما ان هذا الامر مخطط له منذ احتلال العراق سنة 2003 . ولقد اطلعتنا بعض تلك الجهات الامريكية من خلال الحديث معها على الخيوط الاولى لما يجري ..
فكردستان اوفدت الى الولايات المتحدة الامريكية منذ اكثر من سنة سبعين طيارا يتدربون على احدث الطائرات المقاتلة .. ولم يبق لهم الا اشهر حتى تتسلم امريكا الدفعة الثانية من المتدربين .. وصحيح ان الطائرات التي يقودها اولئك الطيارون لم تتوفر بعد .. ولكن ذلك ميسور عندما تصبح الامور جاهزة لذلك .. هذا اضافة الى مجموعات لمختلف الاسلحة تقوم بالتدرب على التكنولوجيا الحديثة في اسلحتهم التي يقيض لها ان تصبح خلال سنوات عشر من القوى الفاعلة في المنطقة ..
ولا ندعي اننا نعرف الكثير عن هذا الامر .. ولكنه وضع ضمن الاستراتيجية الامريكية في منطقة الشرق الاوسط وتدرسه جهات متنفذة في المعاهد الامريكية وتعطي آراءها بالتتالي للادارة الامريكية .. ولا تستبعد امريكا الصدام في المستقبل .. لكنها تؤجله او تتجاهل حدوثه بعد ان بلغت الخلافات بين الكرد والسلطة المركزية في بغداد حدا جعلت فيه امريكا ان تأمر المالكي بزيارة كردستان لحل بعض المشاكل التي اخذت تظهر على السطح خيفة ان تتسع شقة هذه الخلافات فتظهر الاسرار الامريكية في اقامة الدولة الثانية الحلم .. التي سوف تصبح يد امريكا التي تضرب .. وجسمها الذي يتعرض اذا ما فكر احد في المنطقة العربية ان ينبذ السياسة الامريكية وما تقوم به الادارة الامريكية في اقامة ما اعلنه الرئيس السابق بوش عن شرق اوسط جديد .. اما اولئك الذين يقولون بان بوش قد فشل في اقامة شرق اوسط مفصل على مقاسه فهم واهمون .. اذ ما تزال الخطط تدرس وتنفذ . مع تعهد لتركيا بان الاكراد سوف يشكلون حلفا تركيا كرديا في مقبل الايام .. وان الراعية لهذا الحلف سوف تكون الولايات المتحدة الامريكية التي ستجر المنطقة الى صراع لا ينتهي .. واننا لهذا الموضوع لعائدون اذا ما جد جديد ..